لكن رغم ذلك، فإنّ بعض الحقوقيين المعارضين لنظام الأسد، وجدوا أنّ "القانون 42" المُعدّل لبعض مواد "القانون 10"، مجرّد تحايل، إذ قال القاضي السوري، خالد شهاب الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه يفهم من التعديلات الجديدة، أنّ "أعمال الهدم والتنظيم ستبقى مستمرة حتى بعد التعديلات، والتي كان من المفترض أن تتوقّف لما بعد إثبات الملكية".
وأضاف القاضي المعارض للنظام السوري، أنّه "لا يحقّ للنظام البدء في إعادة الإعمار قبل تشكيل اللجنة الدستورية التي نصّت عليها التفاهمات الأممية، وهو يسعى للإسراع في ذلك بهدف قضم ممتلكات المعارضين"، موضحاً أنّ "المعارضين المقيمين خارج مناطق سيطرة النظام، أو خارج سورية، لن يتمكنوا من إثبات ملكيتهم لأنهم لا يستطيعون العودة في ظلّ وجود النظام. كما أنّ الوكالات الشخصية التي نصّت عليها التعديلات، لا يمنحها النظام بدون موافقة أمنية من أجهزة استخباراته، التي تصنّف المعارضين للنظام على أنهم إرهابيون".
لكن مراقبين لتطورات الملف السوري، اعتبروا في المحصلة أنّ النظام رضخَ للضغوط الدولية، التي انتقدت "القانون 10" ودعت لتعديله أو إلغائه. وكان مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لسورية، يان إيغلاند، قال الشهر الماضي، إنّ مسؤولاً روسياً أبلغه بسحب النظام السوري للقانون المذكور، وهو ما نفاه حينها "وزير المصالحة الوطنية" في حكومة النظام، علي حيدر، ولو أنه قال إنه تمّ تمديد مهلة تثبيت الملكية من شهر إلى سنة.
وكان "القانون 10" تحدّث عن إنشاء منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، وألزم مالكي المنازل والعقارات عموماً، بتقديم ما يثبت ملكيتهم للعقارات خلال مدة شهرٍ واحدٍ فقط، وإلا فإنّهم قد يخسرون ملكيتهم هذه لصالح مؤسسات الدولة.
وانتقدت دولٌ كثيرةٌ القانون، على رأسها ألمانيا وتركيا، وكذلك لبنان، الذي اعتبر وزير خارجيته، جبران باسيل، أنّ "القانون 10"، يعقّد عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى مدنهم وقراهم في سورية.
ووصل الحراك الدولي ضدّ "القانون 10" ذروته عندما أرسلت تركيا وألمانيا في تموز/يوليو الماضي، رسالة لمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، نيابة عن أكثر من أربعين دولة، احتجّتا فيها على القانون المذكور. واعتبر المندوبان الألماني والتركي، في رسالتهما حينها، والتي وجهاها للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ورئيس مجلس الأمن وقتها، (مندوب السويد) أولوف سكوغ، أنّ النظام السوري دمّر بعض سجلات الملكية للمواطنين السوريين "بشكل ممنهج"، ذاكرين مثالاً على ذلك، تدمير النظام عام 2013 لمبنى يحوي سجّلات ملكية عقارية في مدينة حمص، بعد قصف هذا المبنى.
كما تحدث المندوبان، عن أنّ مدناً في سورية، مثل داريا والزبداني وغيرهما، قد تعرّضت للتدمير، و"الكثير من السوريين فقدوا مستندات إثبات ملكياتهم، بسبب الضياع أو النزوح أو اللجوء، ما يهدد فرص عودة ملايين اللاجئين إلى ديارهم".
وحذّرت الشكوى كذلك، من التبعات الخطيرة التي تترتّب في أعقاب صدور "القانون 10"، لكونه قد يؤدي لمصادرة أملاك السوريين خارج البلاد، ويحول دون إمكانية عودتهم إلى بلدهم، لكونه "يجبر الأفراد، بمجرّد اختيار منطقتهم لإعادة الإعمار الحضري، أن يثبتوا في غضون 30 يوماً حقوقهم في الملكية أو الحيازة، حتى يضمنوا لأنفسهم الحقّ في التعويض"، مشيرةً إلى مخاوف المدنيين المنحدرين من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، من أن يتم تجريدهم من أملاكهم وتعريضهم بالتالي لعقاب جماعي.
وفيما يمكن اعتبار الدول الأكثر كثافة باستقبال اللاجئين السوريين، هي أكثر الدول المحتجة على "القانون 10"، لخشيتها من أن يؤثّر على إمكانية تقليص عدد السوريين على أراضيها مستقبلاً، فإنّه لا يمكن فصل القضية عن المساعي الروسية لفرض مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، والتي بدأ النظام أيضاً يحاول القول إنه يتماشى معها، من خلال إصداره سلسلة قوانين تتعلّق بإسقاط قوائم عشرات آلاف الشباب المطلوبين للخدمة الاحتياطية في قواته، والذين كانوا يعتبرون غير قادرين على العودة لسورية، بسبب كونهم مطلوبين للالتحاق بجيش الأسد.
ويبدو أنّ ضغوطات روسية، أجبرت النظام على تعديل صيغة "القانون 10"، لطمأنة الدول المعترضة عليه، ولإرسال رسائل متعددة الاتجاهات، بأنّ النظام يتجاوب مع جهود الدول لعودة السوريين إلى بلدهم.
وبطبيعة الحال، فإنّ روسيا الضالعة أصلاً في تهجير هؤلاء السكان، سواء عبر دعمها للنظام أو مشاركتها مباشرة في عملياته العسكرية، من المستبعد أن يكون تحركها نابعاً من حرصها على مصلحة اللاجئين أو تأمين حياة كريمة لهم، إذ يعتبر معارضون سوريون، أنّ هدف موسكو هو مواصلة تدعيم النظام بوسائل جديدة، عبر الإيحاء بأنّه بات يمسك بالوضع على الأرض، وأنّه يمثّل كل المواطنين، وليس جزءاً منهم. وبالتالي تصبح عودة المواطنين الهاربين من "جور التنظيمات الإرهابية"، بحسب زعم الروس والنظام، مسألة طبيعية بعد القضاء على هذه التنظيمات، و"عودة الأمن والأمان لربوع البلاد"، وهو ما يتطلّب رفع العقوبات المفروضة على النظام، ومدّ الأخير بالمساعدات لتمكينه من إعادة بناء البنية التحتية، وتأمين مساكن وخدمات للمواطنين العائدين، ومشاركة الدول الغربية بإعادة الإعمار. وهذا على ما يبدو هو بيت القصيد بالنسبة لروسيا، التي تريد طمأنة الدول المحتضنة للسوريين، أنها تعمل على تهيئة المجال لعودتهم، مقابل أن تقدّم الدول الغربية المساعدات للنظام، وتشارك في إعادة الإعمار.