يقول مصدرٌ مقرَّب من السفارة الأميركية في بيروت لـ"العربي الجديد"، إنّ أسباب عدم تسلّم شيه، التي تقول عن نفسها إنها تمتلك 28 عاماً من العمل الدبلوماسي، مهامها بعد، ترتبط بأمور لوجستية إدارية تتعلق بالإجراءات الأميركية العادية، ولا علاقة لها بالملف اللبناني أو بالعلاقات بين البلدين.
ويلفت المصدر إلى أنّ السفيرة الجديدة، هي بمثابة "توأم الرئيس دونالد ترامب في لبنان"، إذ ستكون أكثر تشدداً وحزماً في علاقاتها مع القوى السياسية ولا سيما المقربة من "حزب الله"، ولن تكون دبلوماسية الطابع كسابقتها ريتشارد التي صادق مجلس الشيوخ على تعيينها لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى لبنان في السابع عشر من مايو/أيار 2016، واستمرت في منصبها طوال السنوات الماضية، قبل أن يتم اختيار شيه لتحلّ مكانها.
ويضيف المصدر أنّ السفيرة شيه، تحمل أجندة خاصة تتضمّن الكثير من الشروط القاسية التي على الحكومة اللبنانية أن تلتزم بها، في حال أرادت تلقي المساعدات الأميركية، وخصوصاً العسكرية منها، التي تجاوزت الملياري دولار أميركي منذ عام 2007 وإلى اليوم، مضيفاً أنّ الولايات المتحدة لن تقدّم أي مساعدة كانت لحكومة عرّابها الأساسي "حزب الله"، إلا إذا لمست إصلاحات حقيقية وإنقاذية.
وشكلت شهادة شيه أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من أجل المصادقة عليها لتولي منصبها في لبنان، والمنشورة على موقع الكونغرس، فرصة لمعرفة البعض من آرائها بخصوص الوضع اللبناني. ومما قالته شيه، التي زارت بيروت مرتين في السابق، إنه تكمن في صلب اهتمامات الولايات المتحدة في لبنان "الجهود من أجل ضمان دولة مستقرة ومزدهرة، يمكننا أن نتشارك معها بفعالية، لتعزيز المصالح الحيوية للأمن القومي في البلد والمنطقة". وأشارت إلى أنّ العمل مع المجتمع الدولي والشعب اللبناني للتصدي لأزمة الاستقرار المتعثّر، يأتي حالياً في صميم المصالح الأميركية في الشرق الأوسط ويعدّ "حاسماً لضمان النجاح في جهودنا لهزيمة تنظيم داعش، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ومواجهة تأثير إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة".
كما تطرقت في شهادتها، إلى الانتفاضة اللبنانية التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، معتبرةً أنها "غير مسبوقة في طبيعتها الوطنية الحقيقية"، نظراً لمشاركة المواطنين اللبنانيين من جميع أنحاء البلاد فيها، ومن مختلف الطوائف والطبقات الاجتماعية والاقتصادية.
وفيما قالت شيه في شهادتها إنّ الولايات المتحدة تؤيّد حقّ المواطنين اللبنانيين بالاحتجاج السلمي، وطالبت بالاستمرار في حمايتهم، أشارت إلى فشل القيادة السياسية في العمل من أجل الاستجابة لمطالب الإصلاح، وربطت بين نجاح أي حكومة لبنانية وبين إقرار القادة السياسيين بالحاجة إلى إصلاح حقيقي ودائم. وأضافت أنه "في حال تبنّى القادة اللبنانيون التغيير، فإنّ الولايات المتحدة مستعدّة للعمل مع الحكومة والشعب لإعادة بناء الاقتصاد المدمر في لبنان"، مشيرة إلى أنه "سنعمل مع أي شخص يكرّس نفسه للإصلاح ويضع مصالح اللبنانيين أولاً".
في هذا الإطار، يرى سفير لبنان السابق لدى واشنطن، عبدالله بو حبيب، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنّ "سياسة الولايات المتحدة ذاهبة إلى التشدد، ولا سيما لناحية العقوبات على حزب الله، إذ ستزداد وتيرتها في المرحلة المقبلة. لكن في الوقت نفسه، لا مؤشرات حتى الساعة على امتداد العقوبات على حلفاء الحزب في لبنان، والتي وإن حصلت، ستزيد الأمور سوءاً".
وفي آخر إجراءاتها في هذا الصدد، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في 26 فبراير/شباط الماضي، أنّ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، التابع لها، أدرج ثلاثة مقيمين في لبنان و12 هيئة مقرّها على الأراضي اللبنانية، على قائمة العقوبات الأميركية، بسبب ارتباطها بمؤسسة "الشهيد" التابعة لـ"حزب الله".
وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على وجه التحديد، شركة "أطلس" القابضة، والمسؤول فيها قاسم محمد علي بزي، و11 شركة تابعة لها، وذلك نظراً لامتلاك مؤسسة "الشهيد" لها أو سيطرتها عليها. كذلك، تمّ إدراج جواد نور الدين ويوسف عاصي على القائمة، لكونهما قادة أو مسؤولين في مؤسسة "الشهيد"، التي تم تصنيفها كداعمة للإرهاب في يوليو/تموز عام 2007.
ويؤكد بو حبيب، أنّ العقوبات الأميركية "قيّدت في السابق حركة تحويل الأموال من وإلى لبنان، وأثّرت سلباً على البلد ككلّ، وهي اليوم تعجّل في الانهيار أكثر، وبالتالي، فإنّ تداعياتها لا تقتصر على حزب الله".
ويشير السفير السابق، إلى أنّ "العلاقات اللبنانية الأميركية ليست على أفضل حال، ولكن في الوقت نفسه، لأميركا نفوذها في لبنان، وهي حريصةٌ على توسيع هذا النفوذ لا قطعه، كما تفعل بعض دول الخليج التي تركت لبنان نهائياً. إذ يجد الأميركيون ضرورة لبقائهم على الساحة اللبنانية، وتقوية الجيش اللبناني، لكن مقابل إصلاحات تظهر جدية تعاطي الحكومة مع ملفات الفساد وإقرار مبدأ تعزيز الشفافية". وهو ما تطرقت إليه شيه في شهادتها في جلسة المصادقة على تعيينها، والتي استغلتها للترويج لنفسها في كونها قادرة على تولي منصبها، مستندةً إلى سنوات الخبرة الدبلوماسية الطويلة التي تتمتع بها.
وبحسب ما يرد على موقع وزارة الخارجية الأميركية، فإنّ سيرة دوروثي شيه غنية بالمناصب الدبلوماسية، إذ كانت تشغل منصب نائبة رئيس بعثة سفارة الولايات المتحدة في القاهرة منذ 2017. وقبل ذلك، عملت كنائبة للمسؤول الرئيسي في القنصلية الأميركية العامة في القدس المحتلة، ومديرة مكتب المساعدة لآسيا والشرق الأدنى في مكتب السكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية. كما عملت كزميل في برنامج بيرسون في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.
كذلك، شغلت شيه، الحائزة على شهادة إدارة الأعمال من جامعة فرجينيا، وشهادتي ماجستير من جامعة جورج تاون وكلية الحرب الوطنية الأميركية، منصب مستشارة سياسية واقتصادية في سفارة الولايات المتحدة في تونس، فضلاً عن توليها منصب مسؤولة سياسية في سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب، قبل نقلها إلى القدس المحتلة.
ومن بين المهام البارزة لشيه، التي تتحدث اللغتين العربية والفرنسية إلى جانب الانكليزية، عملها كمديرة للديمقراطية وحقوق الإنسان في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض. كما شغلت منصب المساعدة الخاصة للمبعوث الخاص لقضايا جرائم الحرب في وزارة الخارجية الأميركية.