وفشل الاجتماع المشترك بين مكتب البرلمان ورؤساء الكتل، برئاسة محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب، في إتمام توزيع المناصب والمسؤوليات، بسبب الخلاف الدائر بين رؤساء الكتل على اللجان المهمة وصاحبة النفوذ في تخطيط مصير الدولة ومؤسساتها واقتصادها، على غرار اللجنة المالية التي تنظر في الموازنة وفي القروض، واللجان القطاعية المسؤولة عن الصناعة والفلاحة والتجارة، في حين تعد اللجان الخاصة بالثقافة والشباب والمرأة والشؤون الاجتماعية الأقل حظًّا وخلاًفا، فتؤول إلى الكتل الأقل حجمًا وعددًا.
ونشر البرلمان، في بيان رسمي اليوم، قرار إرجاء الحسم في توزيع المسؤوليات ومواصلة التداول فيها إلى جلسات لاحقة، فيما صرّح رئيس كتلة حركة "النهضة"، نور الدين البحيري، لـ"العربي الجديد"، أنه تم رفع جلسة العمل حول توزيع المسؤوليات والمناصب إلى جلسة لاحقة بطلب من بعض الكتل التي ما زالت غير جاهزة، وأخرى بصدد إجراء أيام برلمانية، مشيرًا إلى أن القانون الداخلي للبرلمان ينص على قاعدة التمثيل النسبي في التوزيع، بحسب حجم الكتل وعددها، من حيث أولوية الاختيار ونصيبها من المسؤوليات.
ويعرف البرلمان التونسي ديناميكية غير مسبوقة داخل الكتل الثماني الحاكمة والمعارضة لاقتسام كعكة المسؤوليات البرلمانية قبيل انطلاق الفصل البرلماني قبل الأخير من المدة النيابية الأولى.
وتشمل القيادة السياسية للبرلمان التونسي ثمانية رؤساء للمجموعات البرلمانية متفاوتة الأحجام، بالإضافة إلى رئيس البرلمان ونائبيه. ويتصارع هؤلاء للحصول على النصيب الأكبر من رئاسات اللجان القارة والخاصة، وعددها سبعة عشرة رئاسة تتنافس الأحزاب للاستحواذ على ما يخدم برامجها ومصالحها منها.
ويدوم الصراع على الرئاسات والمناصب أسبوعين أو أكثر حتى يشرع البرلمان من جديد في النشاط، وتعود الآلة التشريعية الى العمل.
وعلم "العربي الجديد" من مصادر داخل مكتب المجلس، أن حركة "النهضة"، صاحبة أكبر عدد من المقاعد (68 نائبًا)، حظيت بنصيب الأسد من المسؤوليات وأولوية الاختيار، فقد أسندت لها 6 رئاسات لجان، وحظيت بـ6 نواب رئيس، و6 مقررين، و11 مقررًا مساعدًا؛ يليها حزب "نداء تونس" (56 نائبًا) بـ4 رؤساء لجان، و4 نواب رئيس، و4 مقررين، و9 مقررين مساعدين، ثم كتلة "الحرة لمشروع تونس" (22 نائبًا) برئيسين اثنين، ونائبي رئيس، ومقررَيْن، و4 مقررين مساعدين، ثم "الجبهة الشعبية" (15 نائبًا) بـ3 رؤساء لجان، ونائبي رئيس، ومقررين اثنين، ومقررين مساعدين اثنين، ثم تتساوى "الكتلة الديمقراطية" و"الوطني الحر" في عدد المقاعد، لاحتواء كليهما على (12 نائبًا)، وبالتالي تسند لكل واحدة منهما رئاسة واحدة، ونائب رئيس، ومقرر وحيد، ومقرران مساعدان.
فيما تحرم الكتلتان المتبقيتان، "آفاق تونس" (10 نواب) و"الكتلة الوطنية" (9 نواب)، من أي رئاسة أو نيابة رئيس أو مقرر للجان القارة والخاصة، مع إسناد مقررين مساعدين اثنين فقط لهما.
وحسم الدستور معركة رئاسة لجنة المالية، ومقرر لجنة الحقوق والحريات، التي خص بها المعارضة البرلمانية دون سواها، في إطار ضمان حق المعارضة وحمايتها. وفي هذا السياق، جددت "الجبهة الشعبية" الثقة في النائب منجي الرحوي لرئاسة لجنة المالية والموازنة، فيما ستسند الكتلة الديمقراطية مهمة المقرر إلى النائب عماد الدايمي، أمين عام حزب "حراك تونس الإرادة"، أو إلى سامية عبو، القيادية في "حزب التيار الديمقراطي".
من جهة أخرى، حسمت "النهضة" خيارها برئاسة لجنة الحقوق والحريات، ولجنة الفلاحة والتجارة، ولجنة الصناعة والطاقة والبنية الأساسية، وهي لجان لها علاقة مباشرة بوزارء الحركة في حكومة يوسف الشاهد، كما تحتل ثقلًا في تقرير مصير البلاد اقتصاديًا وقطاعيًا.
في المقابل، اختار "نداء تونس" رئاسة لجنتي التشريع وتنظيم الإدارة، ليحافظ بذلك على اللجان نفسها بهدف تمرير القوانين ذات الاختصاصات الجزائية والترتيبية والمؤسساتية، على غرار قانون الجماعات المحلية، والهيئات الدستورية، في حين حافظت "الحرة" على لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية، التي يرأسها الطبيب سهيل العلويني، وحافظت "الجبهة الشعبية" على لجنة الشباب والتربية، بالإضافة إلى لجنة المالية، لتبقى رئاسة لجنة النظام الداخلي والحصانة من نصيب "الكتلة الديمقراطية"، وهي المرة الأولى التي تنالها المعارضة منذ انطلاق أشغال البرلمان في 2014.