تتباهى المرشحة المحتملة للانتخابات الرئاسية، هيلاري كلينتون، خلال حملتها أنّ وزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر، قال إنها أفضل من أدار وزارة الخارجية الأميركية. استدرج كلامها هذا انتقاد منافسها الديمقراطي السيناتور، بيرني ساندرز، الذي سلّط الضوء على هذه العلاقة مع كيسنجر في محاولة لتصوير هيلاري أمام القاعدة اليسارية أنها من صقور السياسة الأميركية التي تهوى التدخلات الخارجية.
اقرأ أيضاً: الانتخابات الأميركية: ترامب يخشى الصوت الأفريقي وتحدي "السبْتَين" لساندرز
خطوة ساندرز كانت ناقصة لأنه لم يشرح بصراحة الغاية النهائية من هذا الانتقاد، وبالتالي ظهر كأنه لا يزال في ذهنية معارك القرن الماضي الأيديولوجية. لكن هذا النقاش فتح باب التساؤلات المشروعة حول ماهية عقيدة كلينتون الخارجية في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية.
الفتاة الصغيرة التي كانت تحلم أن تكون رائدة فضاء بدأت حياتها الجامعية في ولاية ماساسوشتس كجمهورية، قبل أن تتأثر بالهوى اليساري في ذلك الوقت، وتسير بتظاهرة ضدّ حرب فيتنام وتذهب الى واشنطن عام 1974 لتكون جزءاً من فريق المحامين الديمقراطيين في دعوى إسقاط الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون.
كان انتخاب هيلاري عام 2000 سيناتوراً عن ولاية نيويورك الحد الفاصل في نظرتها الى السياسة الخارجية. جعلتها اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 تتشدد في مواقفها وتؤيد غزو العراق عام 2003، هذا القرار الذي دفعت ثمنه غالياً في الانتخابات الرئاسية عام 2008. كان هاجس كلينتون الدائم عدم تصويرها على أنها ضعيفة في قضايا الأمن القومي.
الصفقة التي عقدتها مع الرئيس الحالي، باراك أوباما، في صيف عام 2008 مهدت لتوليها منصب وزارة الخارجية عام 2009 ما أدخلها نادي الكبار في صياغة نظرة واشنطن الى العالم. تُظهر أسرار بريد هيلاري الإلكتروني التي تنشرها وزارة الخارجية تباعاً تواصلها الدائم مع كيسنجر، كما تُظهر نفاذها المحدود الى الدائرة الصغرى المحيطة بالرئيس أوباما. حتى أنها كتبت لأحد مساعديها: "أرى الرئيس على الأقل مرة أسبوعياً، فيما كيسنجر كان يرى نيكسون كل يوم".
بالفعل، ظهر التباين في السياسة بين الرئيس ووزيرة خارجيته مع انطلاق شرارة "الربيع العربي". أوباما أراد الاستماع الى هواجس المتظاهرين في مصر ودفع الرئيس المخلوع حسني مبارك الى الاستقالة، فيما هيلاري كانت مع الانتقال التدريجي للسلطة. وفي وقت كان البيت الأبيض يفضّل البقاء بعيداً عما يجري داخل سورية، حاولت كلينتون الدفع نحو تسليح مباشر للمعارضة السورية بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه". في تلك الفترة كانت سياسة كلينتون الخارجية أقرب الى الجمهوريين، مثل السيناتور جون ماكين، أكثر مما هي الى أوباما.
في كتابها "خيارات صعبة"، أشادت كلينتون بقرار كيسنجر الانفتاح على الصين. وفي مقال في صحيفة "واشنطن بوست" قبل عامين وصفته بأنه صديق شخصي تستمع الى نصائحه. ساندرز في المقابل، وصف كيسنجر بأنه "أكثر وزراء الخارجية تدميراً"، مشيراً الى قراره شنّ حرب على كمبوديا قتل فيها 100.000 شخص، وتفويضه بقصف لاوس خلال حرب فيتنام، مما أدى الى مقتل أكثر من 50.000 شخص. هناك تساؤلات حول إصرار هيلاري على استخدام ورقة كيسنجر في الانتخابات التمهيدية مع علمها بحقد القاعدة اليسارية على أدواره خلال عهد نيكسون.
باعتبار أنها مرشحة الحزب الديمقراطي الأبرز، يلتف حولها جميع مراكز الأبحاث ومخضرمو الأمن القومي والسياسة الخارجية الليبراليون في واشنطن. تضم حملتها الرئاسية المئات من المستشارين الذين ينتظرون دورهم للعودة الى الحكم، ويرسلون يومياً أفكارهم وكتاباتهم الى هيلاري علها تجد وقتاً لقراءتها. لا يمكن فهم سياسة كلينتون الخارجية بمجرد قراءة هذه اللائحة المتنوعة من الأسماء التي خدمت في إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما.
تؤكد هيلاري أنها ستكون امتداداً لولاية أوباما. هذا الأمر مرجح بالنسبة الى السياسة الداخلية أكثر مما هو للسياسة الخارجية. عنوان عهد بيل كلينتون كان تجاوز الحرب الباردة وفرص السلام الضائعة. عهد جورج بوش الابن كان الحرب على تنظيم "القاعدة" وعودة التورط الأميركي في الخارج. وعهد باراك أوباما هو انكفاء التدخل الأميركي وصعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). عهد هيلاري كلينتون، إذا فازت بالانتخابات، سيكون على الأرجح مزيجاً من جورج بوش الابن وباراك أوباما، بين الغزو والانكفاء. هيلاري تمثل المؤسسة الحاكمة في واشنطن أكثر من أوباما بكل ما يعني هذا الأمر من فوائد ومساوئ.