تعقد المعارضة السودانية، ممثلة في قوى إعلان الحرية والتغيير، اجتماعاً حاسماً اليوم الأحد تناقش فيه مجمل التطورات والتباينات في ما بينها بعد خلافات طفت للعلن، من خلال بيانات وبيانات مضادة، أصدرتها مكوناتها الحزبية، وأدت إلى ارتباك واسع في المشهد السياسي في البلاد.
وتفجرت التباينات عقب مقترح تقدمت به وساطة مشكلة من عدد من الشخصيات القومية، تجتهد لتقريب وجهات النظر بين تحالف الحرية والتغيير والمجلس العسكري.
وبحسب التسريبات، فإن مقترح الوساطة ينص على تشكيل مجلس سيادة من سبعة مدنيين وثلاثة عسكريين، برئاسة شخصية عسكرية، على أن ينشأ مجلس للأمن القومي يضم المجلس العسكري الحالي، ويضاف إليه رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وتكون له مهام أمنية ودفاعية. لكن تلك المقترحات التي قصد بها تجاوز الخلافات بين الطرفين حول مهام ونسب التمثيل في مجلس السيادة لم تجد القبول الكافي من عدد من مكونات تحالف الحرية والتغيير، فيما وافقت عليها مكونات أخرى.
في الضفة الأولى، تقف قوى الإجماع الوطني، التي يتزعمها الحزب الشيوعي، وإلى حد ما تجمع المهنيين السودانيين.
وفي الضفة الأخرى، يقف حزب الأمة والمؤتمر السوداني، بينما يقف التجمع الاتحادي المعارض على الحياد، أو على الأقل لم يصدر عنه موقف حتى الآن.
الحزب الشيوعي كان الأكثر وضوحاً في إعلان الخلاف من خلال بيان تفصيلي، قال فيه إن الصراع الدائر في الساحة السياسية الآن هو بين قوى الثورة والثورة المضادة التي تريد أن تغير توازنات القوى بإغراق حركة الجماهير وإعادة إنتاج الأزمة وبث الروح في مشروع النظام البائد، وتجديده بما يسمى مشروع الهبوط الناعم "الذي يصارع من أجل بقاء مؤسسات التمكين والمؤسسات الأمنية والاقتصادية والمالية التي تخدم المجتمع الدولي الرأسمالي وتقودنا للتبعية والجمهورية الرئاسية".
وأكد البيان أن المجلس العسكري الحالي "غير شرعي، ويجب عليه تسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير"، وأن "وجود أي من أعضاء المجلس العسكري في المجلس السيادي يضفي عليه صفة الانقلاب العسكري غير المقبول من الشعب السوداني، وكذلك من الاتحاد الأفريقي، مما يؤدي إلى تطبيق مجلس الأمن والسلم الأفريقي لقرار تعليق عضويته في الاتحاد، ومنع السودان من المشاركة في أي نشاط من أنشطة الاتحاد الأفريقي"، منبهاً إلى أن "هذا ما ترنو إليه بعض قوى الثورة المضادة المدعومة من بعض الدول العربية من أجل عزل السودان".
وذكر الحزب أن المقترحات التي قدمتها لجنة الوساطة بشأن التمثيل داخل مجلس السيادة، بوجود ثلاثة عسكريين من ضمن عشرة أعضاء، "يفتح الباب أمام الثورة المضادة في محاولة شرعنة سلطة المجلس العسكري والمحافظة على مصالحها وتمكينها، ويصب ذلك في مصلحة مشروع الهبوط الناعم، الذي رفضه الشعب السوداني برفض طريق التبعية والتدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية"، حسب ما جاء في البيان.
وأضاف أن "ما رشح في الأوساط الاجتماعية، وما وصل الحزب من ورقة محاصصة مقترحة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، دفعت الحزب للتمسك فقط بما توصل إليه مع حلفائه في قوى إعلان الحرية والتغيير بالالتزام بالإعلان الدستوري وعدم رئاسة أي رتبة عسكرية لمجلس السيادة المدني، ولا مشاركة أعضاء المجلس العسكري في المجلس السيادي".
كما أعلن الحزب الشيوعي رفضه لـ"إنشاء مجلس دفاع عسكري للأمن القومي خارج المؤسسة المدنية كواحدة من مستويات وهياكل السلطة القادمة، إذ إن مجلس الأمن القومي هو هيئة يكوّنها مجلس الوزراء وتتبع له ويحدد مهامها وفق احتياجات الوطن".
كما تمسّك الحزب بفترة السنوات الأربع للفترة الانتقالية لتكون مدة كافية لفتح الطريق لحل الأزمة العامة، وتنفيذ مهام الفترة الانتقالية، خاصة قضايا "استدامة الديمقراطية والسلام والتوزيع العادل للسلطة، والثروة وتحقيق التنمية المتوازنة، والتعامل باحترام مع التنوع الديني والعرقي والإثني والثقافي لسودان قومي يشارك فيه كل أهل السودان".
وفي ضفة حزب الأمة القومي المعارض، وهو كذلك واحد من مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، فقد صعّد من حدة الخلاف، حينما أعلن على لسان رئيسه الصادق المهدي عدم اعتراف حزبه بالوثيقة الدستورية التي قدمتها قوى الحرية والتغيير للمجلس العسكري الخميس الماضي، واعتبر، في تصريح صحافي، أن الخطوة "نوع من الاختطاف"، مشيراً إلى أن الوثيقة لا تمثلهم ولم تتم استشارتهم بخصوصها، مؤكداً أن الوثيقة التي قدمها الوسطاء "مناسبة".
ومضت نائبته مريم الصادق المهدي أكثر وضوحاً، حينما أعلنت خلال برنامج تلفزيوني أن المقترح الذي تقدمت به لجنة الوساطة مع المجلس العسكري تجاوز وثيقة الإعلان الدستوري، مشيرة إلى أن "هنالك إجماعاً على مقترح الوساطة الذي يخاطب شكلاً محدداً لمجلس سيادي، وآخر يختص بالدفاع والأمن القومي، مع وجود كامل لحكومة تنفيذية مدنية وجسم تشريعي وسلطة قضائية مستقلة".
وأشارت مريم الصادق المهدي إلى أن قوى الحرية والتغيير اتفقت على ألا تقصي أي تكوينات سياسية، خاصة في المجالات التشريعية، وأن "تكون الحكومة المدنية من شخصيات غير صارخة الحزبية".
من جهته، قال تجمع المهنيين السودانيين إن "الاختلاف بين بعض التنظيمات السياسية، والتي لم تلتزم بالقرارات الجماعية والإعلام الموحد والمشترك في إصدارها للبيانات المنفردة والأحادية، يُعد بحثاً عن مصالح حزبية مُتعجلة، ما خلق وباستمرار ربكة وسط الجماهير وقواها الحية المحبطة أصلاً من أسلوب وطرق العمل السياسي في البلاد".
وأضاف أن "البيانات والصراعات والأصوات الحزبية المتضاربة تضرب الثقة بين مكونات الشعب السوداني، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للوحدة لإكمال مهام ثورتنا التي ما زالت تواجهها تحديات عديدة وأعداء كُثر يتربصون بها من كل جانب".
وأكد التجمع أنه لن يقبل إلا بمجلس سيادي مدني انتقالي واحد، بتمثيل محدود للعسكريين، بحيث تتلخص مهام العسكريين في الأمن والدفاع، وأن "مهام الأمن والدفاع تشمل في ما تشمل الأدوار المختلفة للمؤسسة العسكرية، بما في ذلك إعلان الحرب والمشاركة مع الجيوش الأخرى وقضايا الحرب على الإرهاب أو مواجهة التطرف".
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، نفى صديق يوسف، القيادي في الحزب الشيوعي وعضو الوفد المفاوض للحرية والتغيير مع المجلس العسكري، وجود خلافات عميقة بين مكونات التحالف، وأن اجتماعاً حاسماً سيعقد اليوم لمناقشة كل تلك الموضوعات.
وأشار إلى أن المجلس العسكري لم يرد حتى الآن على مقترحهم بشأن الوثيقة الدستورية التي سلموها الخميس الماضي، وأنهم فوجئوا بمقترحات الوساطة التي ذكر أنها "تتنافى مع ما اتفقت عليه قوى الحرية والتغيير، خاصة ما يرتبط بالحديث عن رئاسة مجلس السيادة بواسطة شخصية عسكرية"، مؤكدا أن "الحرية والتغيير لا تريد أن يكون من بين أعضاء مجلس السيادة أي شخصية عسكرية، استنادا إلى ميثاق الاتحاد الأفريقي الذي وقع عليه السودان"، وأكد أن "هذا الموقف يجد مساندة من الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا، إضافة للاتحاد الأفريقي نفسه".
كما أوضح يوسف أن "قوى إعلان الحرية والتغيير ترفض قيام مجلس الأمن والدفاع الذي اقترحته الوساطة بفحص الشخصيات التي يفترض أن تتبوأ مناصب دستورية"، مشيراً إلى أنه "بالإمكان الطعن لدى المحكمة من أي جهة ضد أي شخصية مرشحة".
وحول حديث الصادق المهدي عن عدم مشاورات الحزب في ما يتعلق بالوثيقة الدستورية التي قدمت للمجلس العسكري، نفى صديق يوسف صحة ذلك، وأوضح أن إبراهيم الأمين، نائب رئيس حزب الأمة القومي، كان حاضراً في اجتماع التحالف الذي أجاز الوثيقة.
وتعهد يوسف باسم تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير بالمواصلة في النضال بإعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني إذا لم تحقق مطالب الشعب السوداني بتسليم المجلس العسكري السلطة لحكومة مدنية.
من جهته، قال القيادي بالتجمع الاتحادي المعارض بابكر فيصل، لـ"العربي الجديد"، إن التباين في الآراء والمواقف داخل الحرية والتغيير "أمر طبيعي في ظل وجود خمس كتل، بمجموع أكثر من 80 حزباً ونقابة ومنظمة مدنية"، مشيرا إلى أن انتقال التباين إلى مرحلة الاختلاف والانشقاق "أمر مرفوض" بالنسبة لهم.
وأضاف أن بيان الحزب الشيوعي وما تلاه من رد من حزب الأمة "أمر غير مقبول، لأن تلك القوى اتفقت من قبل على أنه في حالة بروز خلافات يتم حلها داخليا، ولا يجوز إخراجها إلى العلن من غير الاتفاق عليها بأخذ جميع آراء الكتل".
وأكد فيصل أن "محاولات لملمة الأطراف ومعالجة الخلاف تسير على قدم وساق، وسيسعى اجتماع مساء اليوم إلى أن يذهب التحالف إلى الأمام بأسرع فرصة، ذلك لأن البلاد لا تحتمل تأخيرا أكثر من ذلك، في ظل أزمات حقيقية، وفي ظل وجود الثورة المضادة التي تتربص بالثورة"، مؤكدا أن "الانتقال السريع للحكم المدني سيكون أسرع وسيلة فعالة لقيادة السودان لمرحلة جديدة".