برزت في السودان خلال الأسابيع الماضية، حمّى مبكرة للانتخابات العامة في السودان، المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان 2020، وتجلت أولى المظاهر، في إعلان أكثر من جهة نيتها الدفع بالرئيس الحالي عمر البشير، مرشحاً لدورة رئاسية مدتها خمس سنوات، رغم أن الدستور الحالي يمنع ترشحه بسبب فوزه في دورتين سابقتين.
كما برز صوت وزير الإعلام، أحمد بلال عثمان، والذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، والذي طالب بتعديل الدستور لأنه حسب قوله "ليس انجيلاً"، هذا غير الدعم الذي وجده البشير من ولاية الجزيرة، أكبر الولايات كثافة سكانية، ومن رموز صوفية ومؤتمرات طلابية وشبابية.
في المقابل، كان اللافت في الحمى المبكرة للانتخابات السودانية هو اقتراح تسلمته قيادات المعارضة السودانية من رئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، مالك عقار، يحثهم فيه على الاستعداد لخوض الانتخابات المقبلة والتنسيق معاً، من أجل إسقاط نظام البشير، مع مطالبته بتحقيق السلام العادل بالبلاد، وتحقيق شروط التحول الديمقراطي.
وفي حين أتى الاقتراح من سياسي يقود حركة مسلحة غير معترف بها قانونياً، وتحظر السلطات نشاطها السياسي، فسر بعض المراقبين خطوة عقار، على أنها نية عملية وواقعية لتخلي حركته عن العمل العسكري، واللجوء للعمل المدني السلمي، ويمكن قبول هذا التفسير بسبب الخلافات التي ضربت الحركة، وأدت الى انشقاقها إلى فصيلين.
غير أن أصعب الشروط في مقترحات عقار هو إصراره على منع البشير من الترشح في الانتخابات المقبلة، فذلك بحسب تقدير البعض يصنف بالأمور شبه المستحيلة نسبة لتمسك حزب البشير بترشحه، باستثناء أصوات قليلة ترفض ذلك.
أحزاب المعارضة في سكون وبرود
حتى الآن، لم تصدر الأحزاب المعارضة، لا سيما "حزب الأمة" بقيادة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي و"الحزب الشيوعي السوداني"، أي رد على فكرة ترشيح البشير، أو دعوة رئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان" لخوض الانتخابات، فيما كان الاستثناء لرئيس الجبهة الوطنية المتحدة، علي محمود حسنين، الذي قال في تصريح صحافي إنه "يشعر بالحسرة والألم وهو يسمع ويرى قيادات معارضة، تدعو الى المشاركة في انتخابات عام 2020".
واعتبر أن "مشاركة النظام انتخاباته يقوم على وهم زائف، وأن في ذلك إقراراً بشرعية النظام"، مؤكداً أن "الطريق الوحيد لحل الأزمة السودانية، هو إزالة النظام ومحاسبة ومحاكمة رموزه عبر قضاء عادل ومستقل".
في الوقت عينه، فإن حزب "المؤتمر الشعبي" أحد شركاء الحكومة الحالية، بدا متردداً بشأن العملية الانتخابية، وبحسب تصريحات قادته، فإنهم يريدون فترة زمنية لتنفيذ كل مخرجات الحوار الوطني، خاصة ما يلي الحريات والحقوق الأساسية، ويتهم "الحزب المؤتمر الوطني" الحاكم بإهمال تلك التوصيات. كما أعلن "المؤتمر الشعبي" رفضه لفكرة قيام انتخابات مبكرة وفكرة تعديل الدستور، للسماح للبشير بالترشح مرة أخرى. أما حزب "الأمة" الذي يرأسه مبارك الفاضل، نائب رئيس الوزراء، فرأى ضرورة التأسيس لوضع سياسي مستقر قبل قيام الانتخابات، مع مناداة الحزب بتحقيق توافق وطني سياسي على القضايا الكلية، ومن ثم الذهاب لصناديق الاقتراع للمنافسة.
أما النائب الأول لرئيس الجمهورية، بكري حسن صالح، فشدد في كلمه له أمام ورشة خاصة عن عمل الانتخابات ومستقبل الممارسة السياسية في السودان، على التمسك بالعملية الانتخابية باعتبارها آلية التحاكم للشعب، وتنبذ العنف والعمل المسلح في ميدان السياسة، منبهاً إلى أن الانتخابات واحدة من شروط النهضة والتقدم والرفاهية، ومشيراً إلى أن إنشاء المفوضية القومية إجازة قانون الأحزاب من الأمور الضرورية لقيام الانتخابات.
وتعتبر انتخابات 2020 هي الخامسة من نوعها التي تجرى في السودان منذ أن استولى الرئيس عمر البشير على السلطة في السودان في يونيو/حزيران 1989، وسبقتها انتخابات في 1996 و2001 و2010 و2015.
ويتوقع مراقبون في الخرطوم زيادة درجات الحمى الانتخابية خلال الفترات المقبلة المصاحبة لانتخابات 2020، بشكل ربما يؤدي إلى تحالفات جديدة غير تلك المطروحة في الساحة السياسية، أو لانقسامات حزبية لا يكون حزب المؤتمر الوطني الحاكم بمنأى عنها.
وفي سياق الاستعدادات المبكرة، أعلن رئيس المفوضية القومية للانتخابات بالسودان، مختار الأصم، استعداده وبقية أعضاء المفوضية لتقديم استقالاتهم عطفاً على توصية صادرة من مؤتمر الحوار الوطني بإنشاء مفوضية جديدة ومستقلة بالتوافق السياسي.
وقال الأصم في ورشة خاصة عن عمل الانتخابات ومستقبل الممارسة السياسية في السودان، إن الدستور لا يترك مجالاً لتشكيل مفوضية جديدة إلا بإقناع الأعضاء الحاليين بالاستقالة، خاصة وأن أجل المفوضية ينتهي في يونيو/حزيران 2020.
ومنذ إنشاء المفوضية في العام 2008، تواجه اتهاماتٍ من أحزاب المعارضة بعدم الإستقلالية والإنحياز لحزب المؤتمر الوطني الحاكم والإئتمار بأمره، وهى الاتهامات التي نفاها الأصم تماماً، وقال "لقد حافظنا على استقلاليتنا ولم يحدث أن حاولت أية جهة التدخل في أعمال المفوضية أو إملاء أي قرار للتأثير عليها". وأشار إلى أن "رئيس الجمهورية طلب منه شخصياً مباشرة مهامه بحياد وشفافية وأمانة، دون السماح بأي مؤثرات خارجية على نتائج الانتخابات".
واعترف الأصم بارتكاب المفوضية لأخطاء عديدة خلال إشرافها على الانتخابات في عامي 2010 و2015، أبرزها إجراء عملية الاقتراع في ثلاثة أيام، خلافاً للقانون الذي يحدد يوماً واحداً للعملية، إضافة إلى خطأ تبني المفوضية لمنشور صادر من الشرطة لتنظيم الحملات الانتخابية، فضلاً عن خطأ المفوضية للسماح لأفراد القوات النظامية بالإدلاء بأصواتهم داخل وحداتهم العسكرية.