لم ينتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طويلاً عقب الإعلان عن التوصل إلى هدنة في غزة الأسبوع الماضي كي تعلن حكومته يوم الأحد الماضي مصادرة ما يقارب أربعة آلاف دونم (حوالي ألف هكتار) من أراضي الفلسطينيين في الخليل والمنطقة المحيطة. وتسجل بذلك أكبر مصادرة من نوعها منذ ثلاثة عقود، وانتهاك جديد لاتفاقيات جنيف ومعاهدة روما.
سبق هذا الإعلان مقالة نشرتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في 29 من أغسطس/آب، للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فوتو بنسود، تنفي فيها جملة وتفصيلاً الانتقادات الموجهة للمحكمة، بعدما كانت منظمات حقوقية ومختصون بالقانون الدولي قد اتهموا المحكمة بالتقاعس عن تشكيل لجنة للتحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الأخيرة على غزة أو خلال فترات سابقة بما في ذلك جرائم الاستيطان، بسبب ضغوطات سياسية شديدة من دول كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
وألقت بنسود اللوم على القيادة الفلسطينية لعدم انضمامها إلى معاهدة روما وتقدمها بطلب للمحكمة الجنائية في هذا الشأن بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 بفلسطين كـ"دولة مراقب غير عضو"، إذ إن رفع مستوى تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة من "كيان" إلى "دولة" خوّلها الانضمام لمنظومة روما، الأمر الذي لم يكن متاحاً قبل رفع مستوى التمثيل، بحسب المدعية العامة.
وتشكل مسألة تحرك المحكمة الجنائية وتأليف لجنة تحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من دون تقديم فلسطين طلباً بذلك محل جدل قانوني. ويمكن فهم رد المدعية العامة في هذا السياق كمحاولة للتنصل من أي مسؤولية عن المحكمة الجنائية.
وكان محامون وخبراء قانون دولي وأساتذة جامعات بريطانية قد وجّهوا رسالة للمحكمة الجنائية مطالبين إياها بفتح تحقيق فوري في انتهاكات حقوق الإنسان أثناء الحرب الأخيرة على غزة (الرسالة نشرت في 3 أغسطس/آب 2014). وأكدوا في رسالتهم أن المدعية العامة لا تحتاج من فلسطين أن تتقدم بطلب جديد للمنظومة وللمحكمة، لأنها كانت قد تقدمت بهذا الطلب مسبقاً في عام 2009. لكن المدعي العام للمحكمة الجنائية آنذاك، مورينو أوكامبو، أنفق ثلاث سنوات في المشاورات والمماطلة إلى أن اتخذ قراراً برفض الطلب بحجة أن فلسطين لم تكن "دولة" ولذلك لا تستطيع أن تنضم لمعاهدة روما.
ويبرر المحامون وأساتذة القانون في الجامعات البريطانية مناشدتهم أن "الطلب الفلسطيني الذي تم رفضه لم يزل ساري المفعول بموجب البند 12 من نظام المحكمة، وخصوصاً أن هناك أدلة دامغة تؤكد جرائم إسرائيل، قامت منظمات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق إنسان فلسطينية برصدها".
وأشار كاتبو المناشدة للمدعية العامة إلى الضغوطات الشديدة التي تتعرض لها بنسود، وطالبوها بعدم الرضوخ لها.
ولفتت مصادر صحافية إلى أن التحقيق من قبل المحكمة الجنائية، في حال بدئه، يمكن أن يضم كذلك جرائم الاستيطان. وهو ما قد لا تريد المحكمة الجنائية الدخول في "متاهاته".
وفي السياق، كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات حقوقية ومدنية فلسطينية قد وجّهت رسالة مشتركة في الثامن من مايو/أيار من العام الحالي، تناشد فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية بغية ملاحقة إسرائيل على ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتشير "هيومن رايتس ووتش" إلى أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ومعاهدة روما يصنّفان نقل المدنيين "المباشر أو غير المباشر" من قبل قوة احتلال إلى أراض محتلة كجريمة حرب، ومن شأن هذا التصنيف أن يشمل "قيام الحكومة الإسرائيلية بتسهيل نقل مواطنيها إلى المستوطنات".
ويتحدث تقرير المنظمة عن أن "النقل القسري" للفلسطينيين من أراضيهم كتهديم منازلهم مثلاً ومنعهم من العودة يصنف كجرائم حرب يمكن للمحكمة الجنائية أن تحقق فيها. وهذه أمثلة على احتمالات واسعة، بحسب المنظمة، يمكن للإدارة الفلسطينية استغلالها.
تزداد الضغوطات الإسرائيلية والغربية على المدعية الحالية للمحكمة الجنائية، ويتأخر عباس بالتقدم مجدداً بطلب لأسباب عدة، من بينها "انقاذ عملية السلام"، ويقع غالباً تحت ضغوط أميركية وأوروبية. لذلك يظل الشعب الفلسطيني بانتظار حلول، من بينها العدالة الدولية والتحقيق بجرائم الحرب عسى ألا يكون هذا الانتظار طويلاً.