كان للحادثة تداعيات خطرة كادت تحجب أهمية العمليات الاستباقية التي حققتها الأجهزة الأمنية في الأشهر الأخيرة، خصوصاً أنها رسّخت الانطباع بتراجع المجموعات المسلحة، بعد خسارتها الكثير من أعضائها وأنصارها. وما زاد من تداعيات حادثة بولعابة، هو كشف التحقيقات ثغرات عدة، ساعدت الإرهابيين في هجومهم المباغت، ما دفع السلطات الأمنية إلى إجراء مراجعة للكثير من الخطط والإجراءات التي تسببت بخسائر مؤلمة.
وتجلّت الصدمة الثانية، في انفجار الأوضاع في المناطق الحدودية مع ليبيا، تحديداً في الذهيبة وبن قردان، بعد اندلاع مواجهات مفتوحة مع السكان، أدت إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى. ووجدت الحكومة نفسها متهمة باستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، المُطالبين بالتنمية والرافضين للتهميش الاجتماعي، حتى أن الأحزاب المشاركة في الحكومة انتقدتها إلى جانب المعارضة، ليبدأ الضغط على الصيد باكراً.
وكشفت الحوادث الحدودية خطورة التداعيات الناجمة عن الصراع الليبي على تونس، وزاد موضوع الضريبة على المغادرة (15 دولاراً)، التي ألغاها مجلس نواب الشعب التونسي يوم الجمعة، الطين بلّة. وسعت الحكومة التونسية بعد اتهامها بالانحياز لطرف دون آخر في ليبيا، إلى توضيح موقفها عبر تأكيد وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف. ولم يخفف موقف الحكومة من حدّة التوتر بين البلدين، لا بل إن حكومة طبرق صعّدت انتقاداتها ضد تونس، إلى حدّ التهديد بقصف المنطقة الحدودية التونسية الليبية، قبل أن يتم التراجع عن هذه التصريحات رسمياً.
اقرأ أيضاً: تونس: قرارات حكومية لتهدئة غضب الجنوب
وتلقّت الحكومة الصدمة الثالثة، بعد إعلان نقابة أساتذة التعليم الثانوي، بدء الإضراب من أجل المطالبة بزيادة الأجور. وفشلت محاولات وزير التربية في إقناع النقابيين بتأجيل الإضراب وإنجاز الامتحانات الرسمية، لتغرق البلاد في مأزق غامض، لانعكاس الأزمة على علاقة أولياء التلاميذ وأبنائهم بالأساتذة، الذين يبلغ عددهم 85 ألف أستاذ.
وحاول رئيس الحكومة التعجيل بالتوصل إلى اتفاق مع "الاتحاد العام التونسي للشغل"، الذي يأمل من خلاله فتح المجال لتوقيع "هدنة اجتماعية"، لفترة لا تقلّ عن ثلاث سنوات، قبل اتساع رقعة الإضرابات، التي يبدو أن وتيرتها ستتسارع في الأسابيع المقبلة، بعد أن بدأ التململ يطال قطاعات أخرى من الشرائح العمالية.
وإذا كانت المشاكل السياسة والاجتماعية والأمنية قد حضرت في الصدمات المذكورة، فإن الطبيعة وجّهت بدورها الصدمة الرابعة لحكومة الصيد، بعد أن اجتاحت الفيضانات المناطق الشمالية الغربية للبلاد، ووضعت الحكومة أمام تحديات أخرى متراكمة من السنوات الماضية، وتتعلق بهشاشة البنية التحتية، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة معالجة الثغرات الخطرة، الموروثة عن المرحلة السابقة.
وجعلت الفيضانات من جندوبة وبوسالم، مدينتين معرضتين باستمرار لفيضان مياه وادي مجردة. وفي وقتٍ لم يتمّ فيه تقدير الخسائر الرسمية حتى الآن، إلا أن المياه قد اكتسحت ما لا يقل عن أربعة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، وهو ما من شأنه أن يزيد من استنزاف الميزانية الحالية، على الرغم من موجة التفاؤل الكبيرة التي بشّرت بإمكانية نجاح الموسم الزراعي الحالي.
وسط هذه الصدمات المتلاحقة، وجدت حكومة الحبيب الصيد نفسها تواجه ملفات صعبة وشديدة التعقيد، في ظلّ تأكيد وزير المالية سليم شاكر، أن "الإشكالية الأبرز تتجلّى في كيفية تغطية باقي نفقات ميزانية عام 2015، المُقدّرة بـ3.8 مليارات دولار، فضلاً عن ضرورة توفير 4.3 مليارات دولار من أجل رسملة المصارف. وكل هذه الأرقام تعكس الصعوبات الموروثة عن الحكومة السابقة". وسارع محافظ المصرف المركزي، الشاذلي العياري، إلى التأكيد أن "الحكومة قد تجد نفسها عاجزة عن دفع أجور الموظفين الشهر المقبل"، وهو ما نفاه شاكر، مشدداً على أن "الدولة ملتزمة بتعهداتها تجاه المواطنين".
ستكون المرحلة المقبلة حاسمة، لجهة قدرة الصيد على الصمود، خصوصاً بعد أن أُضيفت الصدمات المذكورة على لائحة الإجراءات العاجلة، التي ستلتزم الحكومة بتنفيذها قبل إتمام الـ100 يوم الأولى من عهدها، التي لم يتبقّ منها سوى سبعين يوماً، ليحلّ موعد المحاسبة العسيرة.
اقرأ أيضاً: تونس.. حكومة الصيد في عين العاصفة