ترتفع حماوة الحملة الانتخابية للمرشحين الرئاسيين الفرنسيين، إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، قبل أسبوع واحد من استحقاق الدورة الثانية، في ظل سباق محتدم على الأصوات. يحصل ذلك على وقع آخر استطلاع للرأي يمنح لوبان 41 في المائة من نوايا التصويت مقابل 59 في المائة لصالح ماكرون. أما المفاجأة ــ الصدمة الجديدة، فسببها أن 40 في المائة من الفرنسيين لا يعتبرون هزيمة الجبهة الوطنية أولوية لديهم، وأن 26 في المائة من أنصار مرشح حزب "الجمهوريون"، فرانسوا فيون، و16 في المائة من أنصار المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، يريدون فوز لوبان، في ظل مناخ يعبّر فيه ناخب من كل اثنين عن عدم رضاه على المرشَّحَيْن معاً.
وتقترب ساعة الحسم، فلا يرى المراقب سوى الأمل العريض على وجه لوبان، والقلق، الذي قد يكون مصطنعاً، ربما، على وجه ماكرون، من نتائج 7 مايو/ أيار. أمل لوبان مفهوم لكونها ليس لديها ما تخسره أصلاً، فهي فازت منذ صار وصولها إلى الدورة الانتخابية الثانية "أمراً عادياً" بنسبة أصوات لم يكن اليمين الفرنسي المتطرف يحلم بها يوماً. أما قلق المرشح الشاب فيعود ربما إلى أنه يريد هزيمة لوبان بفارق كبير، أو لأنه يفكر، منذ الآن، في مرحلة ما بعد 7 مايو/ أيار، أي في الانتخابات التشريعية وفي ضمان أغلبية برلمانية مريحة، من دون "متمردين" فيها. ولا يتعلق إنجاز لوبان الكبير، فقط، في كنس مرشحي حزبين كبيرين عريقين في فرنسا، هما قطبا الحزبية في هذا البلد، في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بل في مواصلة استقطابها للكثير من الأنصار أيضاً، وهو ما يوسع قاعدتها الانتخابية ويَعدُ ببرلمان فرنسي متنوع وغير مسبوق، وبالتالي بمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات.
وقد غردت لوبان، يوم الجمعة، مخاطبةً ناخبي "فرنسا غير الخاضعة"، بشكل صريح لتقول لهم حرفياً "لنَكُنْ سداً في وجه ماكرون". تغريدة أثارت قلق معسكر ماكرون الذي يصرّ على التذكير بأن انتخابه يوم 7 مايو/ أيار غير محسوم، وأن ثمة خطراً داهماً من وصول لوبان، وذلك لاستنهاض الهمم ومكافحة حملة مقاطعة الانتخابات المعروفة بـ"7 مايو من دوني". وقبل تغريدة لوبان الموجهة لأنصار ميلانشون، كان أحد مرشحي الدورة الأولى قد انضم إلى حملتها، بل وأعلن عن "برنامج حكومي مع الجبهة الوطنية". يتعلق الأمر بنيكولا دوبون إنيان، مرشح حركة "انهضي فرنسا"، وهو ذو اتجاه يميني وقومي متطرف أيضاً وقد نال نسبة محدودة من الأصوات (4.7 في المائة) في الدورة الأولى. موقف جعل لوبان تقدمه لناخبيها باعتباره رئيساً لحكومة موسعة ومتعددة الأطياف في حال فوزها.
وعلى الرغم من أن كثيراً من أنصار إنيان رفضوا موقف رئيسهم، واستقال بعضهم بسببه، إلا أن بعض الانسجام الأيديولوجي بين ناخبي الحزبَيْن قد يزيد من عدد المصوتين لمصلحة لوبان. كما أن كريستين بوتان، العضو في حزب "الجمهوريون"، أعلنت عن تصويتها لصالح لوبان، لأن "ماكرون، بالنسبة لي، هو الطاعون والكوليرا معاً" على حد تبريرها. وإضافة إلى هؤلاء الذين قرروا التعبير عن موقفهم المنحاز للوبان، يوجد كثيرون يفعلون ذلك من دون التعبير عنه.
اقــرأ أيضاً
وفي هذه الأوقات، يتحدث المرشح ماكرون عن "خيانة" ميلانشون لأنصاره، معتبراً موقفه "خطأ فادحاً"، لأنه لم يَدْعُ، صراحة، إلى التصويت لصالحه. وتأتي هذه الهجمات على ميلانشون من ماكرون ومن قادة آخرين في الحزب الاشتراكي ومن قبل فرانسوا بايرو (الوسطي)، وأيضاً من وسائل إعلام تكاد لا تخفي انحيازها لماكرون، كقناة "بي أف أم" الإخبارية، على الرغم من تأكيد زعيم "فرنسا غير الخاضعة" أنه "لن يُصوّت، بأية حال من الأحوال، لصالح الجبهة الوطنية"، وإن كان لا يريد أن يقول أكثر من هذا.
لكن الحقيقة التي تقلق ماكرون، الآن، هي ما تحدثت عنه صحيفة "لوموند" في صفحتها الأولى عن حالة "الإرباك التي يشعُرُ بها ناخبو جان لوك ميلانشون وفرانسوا فيون"، أي نحو 40 في المائة من الذين صوتوا يوم 23 إبريل/ نيسان الماضي. فناخبو اليمين التقليدي أو الجمهوري، وعلى الرغم من النداءات الملحة من رئيس الجمهورية السابق، نيكولا ساركوزي، ومن المرشح الخاسر، فيون، وكذلك من رئيس الحكومة الأسبق، آلان جوبيه، وغيرهم من قادة حزب "الجمهوريون"، للتصويت لصالح ماكرون، لا يزالون حائرين في حسم موقفهم. وهذا التردد يفسّر بالخطاب اليميني الحادّ الذي اختاره فيون، بوحي من ساركوزي ومن حركة "الحس المشترك"، في حملته الانتخابية، والذي هو قريب من أطروحات لوبان المحافظة والمتطرفة.
الإرباك نفسه موجود لدى ناخبي ميلانشون، والذين لا يعنيهم، كما أسلافهم، ما حصل سنة 2002، أي ما يسمى بتأسيس جبهة جمهورية للتصويت لمصلحة أي مرشح باستثناء مرشح اليمين المتطرف، جان ماري لوبان؛ وأتى التصويت آنذاك لمصلحة الرئيس الأسبق، جاك شيراك. جبهةٌ أبرز تعبير عنها كان في حينها قول مرشحة حزب "النضال العمالي"، أي أقصى اليسار "التروتسكي"، أرليت لاغييه، لأنصارها: "أغلقوا أنوفكم قرفاً وصوّتوا لشيراك".
هذه "الروح" التي وُلِدت من زلزال 2002، والذي رأى فيها الاشتراكيون، مذهولين، مُرشَّحَهُم ليونيل جوسبان، عاجزاً عن الوصول إلى الدورة الثانية من رئاسيات فرنسا، تتساءل صحيفة "ليبراسيون" إن كانت "مُتعَبَة" اليوم، وهي تعرف الجواب، لأن هؤلاء الشباب الذين تصادفت يقظتهم السياسية مع وصول حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف إلى الدورة الثانية، أصبحوا، اليوم، مترددين من تكرار التصويت مجاناً لشخص لا يقنعهم، فقط لمنع شخص آخر يكرهونه من الوصول إلى قصر الإليزيه.
"عقوبة مزدوجة"
لقد تلت نتائج الدورة الأولى سنة 2002 تظاهرات جماهيرية ضخمة، شارك فيه التلاميذ والطلبة والشباب الرافض لأيديولوجيا العنصرية وكراهية الأجنبي وضد وصول جان ماري لوبان إلى الدورة الثانية. ولكن هذا لم يحدث بعد ظهور نتائج الدورة الأولى، قبل أسبوع، فالتظاهرات القليلة التي جرت كانت ضد المرشَّحَين الفائزين معاً. وهو ما تفسره صحيفة ليبراسيون بـ"عقوبة مزدوجة"، وهو ما يعبّر عنه كثير من الشباب بالقول إنه من المُحبِط للآمال هذا الخيار بين هذين المرشحيْن.
وضعٌ دفع بالكثير من الفنانين والمثقفين والمشاهير إلى أن يحذروا من صعود لوبان، من بينهم اللاعب السابق في منتخب فرنسا لكرة القدم، زين الدين زيدان، والمخرج السينمائي العالمي، لوك بيسون، للتحذير من "خداع مارين لوبان"، نافياً عنها أي قراءة عن الفقراء والمسحوقين مثلما تقول في برنامجها الانتخابي، على اعتبار أنها "وريثة تربت في سانت-كلود، في الرخاء والبذخ"، وأنها لم تعمل يوماً في حياتها (مع أنها محامية) بشكل حقيقي، لا في شركة ولا في مصنع، ولا حتى في مزرعة. ويواصل بيسون حملته ضد لوبان في سبيل تكذيب شعاراتها الاقتصادية ــ الاجتماعية التي تقترب أحياناً من الطروحات اليسارية لميلانشون، فيقول إنها "مُمثّلة للنظام الذي تنتقده". أما الروائية المثيرة للجدل، كريستين أنغو، فاختصرت بدورها نداءها لمواجهة لوبان بالقول: "إذا لم نقم بإقصائها، نكون أوغاداً".
لا يوجد خطر فعلي يتهدد ماكرون، فقد تجاوز التحدي الأكبر، يوم 23 إبريل/نيسان، ولكنه يريد، على الأقل، أن يتجاوز ما حققه جاك شيراك في 2002 ضد لوبان الأب (82 في المائة)، وهو ما لا يبدو أبداً أنه مضمون.
وتقترب ساعة الحسم، فلا يرى المراقب سوى الأمل العريض على وجه لوبان، والقلق، الذي قد يكون مصطنعاً، ربما، على وجه ماكرون، من نتائج 7 مايو/ أيار. أمل لوبان مفهوم لكونها ليس لديها ما تخسره أصلاً، فهي فازت منذ صار وصولها إلى الدورة الانتخابية الثانية "أمراً عادياً" بنسبة أصوات لم يكن اليمين الفرنسي المتطرف يحلم بها يوماً. أما قلق المرشح الشاب فيعود ربما إلى أنه يريد هزيمة لوبان بفارق كبير، أو لأنه يفكر، منذ الآن، في مرحلة ما بعد 7 مايو/ أيار، أي في الانتخابات التشريعية وفي ضمان أغلبية برلمانية مريحة، من دون "متمردين" فيها. ولا يتعلق إنجاز لوبان الكبير، فقط، في كنس مرشحي حزبين كبيرين عريقين في فرنسا، هما قطبا الحزبية في هذا البلد، في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بل في مواصلة استقطابها للكثير من الأنصار أيضاً، وهو ما يوسع قاعدتها الانتخابية ويَعدُ ببرلمان فرنسي متنوع وغير مسبوق، وبالتالي بمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات.
وعلى الرغم من أن كثيراً من أنصار إنيان رفضوا موقف رئيسهم، واستقال بعضهم بسببه، إلا أن بعض الانسجام الأيديولوجي بين ناخبي الحزبَيْن قد يزيد من عدد المصوتين لمصلحة لوبان. كما أن كريستين بوتان، العضو في حزب "الجمهوريون"، أعلنت عن تصويتها لصالح لوبان، لأن "ماكرون، بالنسبة لي، هو الطاعون والكوليرا معاً" على حد تبريرها. وإضافة إلى هؤلاء الذين قرروا التعبير عن موقفهم المنحاز للوبان، يوجد كثيرون يفعلون ذلك من دون التعبير عنه.
وفي هذه الأوقات، يتحدث المرشح ماكرون عن "خيانة" ميلانشون لأنصاره، معتبراً موقفه "خطأ فادحاً"، لأنه لم يَدْعُ، صراحة، إلى التصويت لصالحه. وتأتي هذه الهجمات على ميلانشون من ماكرون ومن قادة آخرين في الحزب الاشتراكي ومن قبل فرانسوا بايرو (الوسطي)، وأيضاً من وسائل إعلام تكاد لا تخفي انحيازها لماكرون، كقناة "بي أف أم" الإخبارية، على الرغم من تأكيد زعيم "فرنسا غير الخاضعة" أنه "لن يُصوّت، بأية حال من الأحوال، لصالح الجبهة الوطنية"، وإن كان لا يريد أن يقول أكثر من هذا.
لكن الحقيقة التي تقلق ماكرون، الآن، هي ما تحدثت عنه صحيفة "لوموند" في صفحتها الأولى عن حالة "الإرباك التي يشعُرُ بها ناخبو جان لوك ميلانشون وفرانسوا فيون"، أي نحو 40 في المائة من الذين صوتوا يوم 23 إبريل/ نيسان الماضي. فناخبو اليمين التقليدي أو الجمهوري، وعلى الرغم من النداءات الملحة من رئيس الجمهورية السابق، نيكولا ساركوزي، ومن المرشح الخاسر، فيون، وكذلك من رئيس الحكومة الأسبق، آلان جوبيه، وغيرهم من قادة حزب "الجمهوريون"، للتصويت لصالح ماكرون، لا يزالون حائرين في حسم موقفهم. وهذا التردد يفسّر بالخطاب اليميني الحادّ الذي اختاره فيون، بوحي من ساركوزي ومن حركة "الحس المشترك"، في حملته الانتخابية، والذي هو قريب من أطروحات لوبان المحافظة والمتطرفة.
الإرباك نفسه موجود لدى ناخبي ميلانشون، والذين لا يعنيهم، كما أسلافهم، ما حصل سنة 2002، أي ما يسمى بتأسيس جبهة جمهورية للتصويت لمصلحة أي مرشح باستثناء مرشح اليمين المتطرف، جان ماري لوبان؛ وأتى التصويت آنذاك لمصلحة الرئيس الأسبق، جاك شيراك. جبهةٌ أبرز تعبير عنها كان في حينها قول مرشحة حزب "النضال العمالي"، أي أقصى اليسار "التروتسكي"، أرليت لاغييه، لأنصارها: "أغلقوا أنوفكم قرفاً وصوّتوا لشيراك".
"عقوبة مزدوجة"
لقد تلت نتائج الدورة الأولى سنة 2002 تظاهرات جماهيرية ضخمة، شارك فيه التلاميذ والطلبة والشباب الرافض لأيديولوجيا العنصرية وكراهية الأجنبي وضد وصول جان ماري لوبان إلى الدورة الثانية. ولكن هذا لم يحدث بعد ظهور نتائج الدورة الأولى، قبل أسبوع، فالتظاهرات القليلة التي جرت كانت ضد المرشَّحَين الفائزين معاً. وهو ما تفسره صحيفة ليبراسيون بـ"عقوبة مزدوجة"، وهو ما يعبّر عنه كثير من الشباب بالقول إنه من المُحبِط للآمال هذا الخيار بين هذين المرشحيْن.
وضعٌ دفع بالكثير من الفنانين والمثقفين والمشاهير إلى أن يحذروا من صعود لوبان، من بينهم اللاعب السابق في منتخب فرنسا لكرة القدم، زين الدين زيدان، والمخرج السينمائي العالمي، لوك بيسون، للتحذير من "خداع مارين لوبان"، نافياً عنها أي قراءة عن الفقراء والمسحوقين مثلما تقول في برنامجها الانتخابي، على اعتبار أنها "وريثة تربت في سانت-كلود، في الرخاء والبذخ"، وأنها لم تعمل يوماً في حياتها (مع أنها محامية) بشكل حقيقي، لا في شركة ولا في مصنع، ولا حتى في مزرعة. ويواصل بيسون حملته ضد لوبان في سبيل تكذيب شعاراتها الاقتصادية ــ الاجتماعية التي تقترب أحياناً من الطروحات اليسارية لميلانشون، فيقول إنها "مُمثّلة للنظام الذي تنتقده". أما الروائية المثيرة للجدل، كريستين أنغو، فاختصرت بدورها نداءها لمواجهة لوبان بالقول: "إذا لم نقم بإقصائها، نكون أوغاداً".
لا يوجد خطر فعلي يتهدد ماكرون، فقد تجاوز التحدي الأكبر، يوم 23 إبريل/نيسان، ولكنه يريد، على الأقل، أن يتجاوز ما حققه جاك شيراك في 2002 ضد لوبان الأب (82 في المائة)، وهو ما لا يبدو أبداً أنه مضمون.