تزامنت عودة حاملة الطائرات الأميركية "جون ستينيس" إلى مياه الخليج جنوب إيران مع إجراء قوات الحرس الثوري الإيراني للمرحلة الأخيرة من مناورات عسكرية، أطلقت عليها اسم "الرسول الأعظم 12" بالقرب من ذات المنطقة.
صحيح أن القادة العسكريين في طهران أكدوا أن المناورات دورية وتم التخطيط لإجرائها في وقت سابق، لكنها حملت أهمية خاصة لعدة أسباب، أولها أن الحرس الثوري الإيراني كان قد وصفها بالهجومية، لتكون الأولى من نوعها على هذا الصعيد، وثانيها أنها تزامنت مع وصول حاملة طائرات إلى المنطقة وزيادة مستوى العقوبات على طهران التي لوحت باحتمال إغلاق مضيق هرمز إذا مُنعت من تصدير نفطها. وثالثها ما يتعلق بانسحاب القوات الأميركية من سورية، البلد الذي تخوض فيه طهران حرباً بالوكالة مع منافسيها الإقليميين والدوليين. كما أنه وفي كل مرة يطرح فيها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أو أحد أركان إدارته احتمال سحب أميركا قواتها من العراق وسورية، تعود تحليلات عديدة في إيران وخارجها، لتقول إن هذا الانسحاب، إن حصل، فإنما قد يكون تمهيداً لضربة عسكرية أميركية بدعم من بعض دول الخليج، قد توجه للجمهورية الإسلامية، وبالتالي وجب، من باب الاحتياط والخطة الاستباقية، سحب القوات من الأماكن التي يعتبر فيها التواجد الأميركي "ضعيفاً" أو معرضاً للاستهداف، كانتقام من قبل إيران أو حلفائها في هذين البلدين.
وكان قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، الذي تواجد في منطقة المناورات الواقعة في جزيرة قشم وفي جزء من مياه الخليج جنوبي إيران، واضحاً للغاية، حين قال إنه في حال ضُربت إيران بصاروخ فسترد بعشرة صواريخ. وأشار إلى أن بلاده تأمل أن يكون أعداؤها قد فهموا أخيراً قدرتها على توجيه رد صارم بحال تعرضت لأي تهديد. وكرر أن قوة إيران العسكرية دفاعية، وهو ما جاء على لسان نائبه حسين سلامي، وهو التصريح الذي يتكرر غالباً على لسان المسؤولين العسكريين والسياسيين، إذ إن طهران تريد من كل هذا أن ترفع قوة الردع، لأنها قريبة جغرافياً من قواعد أميركية واقعة في دول خليجية، وتحاول أن تفصل دائماً بين الملفين النووي والصاروخي الذي يحاول ترامب أن يضعه على طاولة الغرب ليجد وسيلة ضغط جديدة على طهران.
لكن قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري، محمد باكبور، وهي القوات التي أجرت المناورات إلى جانب وحدات من القوات الخاصة والمغاوير، أعلن صراحة أن الاستراتيجية العسكرية الإيرانية ككل دفاعية، لكن تكتيك هذه المناورات بالذات هجومي، فبلاده لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تجلس خلف السواتر إذا تعرضت لهجوم، بل ستهاجم الأعداء دون تردد، بحسب وصفه. وأعقب هذا التصريح ما جاء على لسان قائد "قاعدة خاتم الأنبياء"، غلام علي رشيد، الذي وجه تحذيراً شديد اللهجة لأطراف في المنطقة. وقال رشيد، في تصريحات صحافية على هامش المناورات، إن "إيران تسعى لعلاقات أخوية مع جيرانها، لكنها تحذر الأطراف التي تهيئ أرضيات لتدخل قوى الاستكبار من دفع ثمن كبير"، داعياً للابتعاد عن التصرفات التي وصفها بالتحريضية وغير المحببة، في إشارة للسعودية والإمارات بالذات، والتي تدفع باتجاه ضغط أكبر على إيران قد يصل للتهديد العسكري، وهو ما قد يعني فوضى عارمة، إذا ما قررت واشنطن اتخاذ قرار هذه المغامرة الجريئة للغاية.
وترافق وصول حاملة الطائرات الأميركية أيضاً مع تحرك زوارق حربية إيرانية في المكان، إلى جانب تحليق طائرة من دون طيار بالقرب من منطقتها، وهو ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس"، من دون أن تعلق عليه طهران رسمياً في البداية. لكن المؤسسة العسكرية الإيرانية، والتي تشاحنت أكثر من مرة مع قطعات أميركية وبريطانية متواجدة في مياه الخليج، لطالما كانت واضحة بخصوص تواجد القطعات الحربية التي تصنفها كأجنبية غريبة. ولا يُستبعد، بحسب بعض الخبراء، أن تكون طائرة إيرانية مسيرة قد التقطت صوراً لحاملة الطائرات العائدة للتو.
ورأى المحلل السياسي، عباس أصلاني، أن المناورات حتى وإن جاءت ضمن برنامج زمني، ورغم أنها دورية بالفعل، فهي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، لكنها تحمل هذه المرة رسائل بالغة الأهمية لواشنطن ولحلفائها في المنطقة. وأضاف أصلاني، لـ"العربي الجديد، أن طهران تريد رفع قوة ردعها، وأعطت هذه المناورات أهمية خاصة لوجود احتمال زيادة التصعيد ضدها، لذلك فهي تريد أن تنقل للفاعلين في المنطقة أن تدخل قوات أجنبية فيها يزيد الأمور سوءا. من جهة أخرى، توقع أصلاني رفع مستوى الضغط الأميركي الموجه ضد إيران في المرحلة المقبلة، مرجحاً اتخاذ خطوات للتضييق عليها اقتصادياً بشكل أكبر من الوقت الراهن. كما رأى أن السعودية ستحاول جاهدة رفع مستوى التشنج، بما يساهم بتضييق الخناق على إيران، معتبراً أن قدوم حاملة الطائرات الأميركية مرتبط بشكل أو بآخر بتهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا ما مُنعت من بيع نفطها، وهو ما يعني تخوف واشنطن من تأثيرات بالغة على سوق الطاقة. كما قارن المحلل بين ما يحدث في مياه الخليج والخطوة الأميركية التي أعلن عنها ترامب، أخيراً، والمتعلقة بسحب القوات الأميركية من سورية، فرأى أن ذلك يتعلق بضرورة خفض التكاليف التي تترتب على واشنطن بسبب تواجد قواتها في الخارج، لكنه يعني أيضاً صب الجهد الممارس على طهران بشكل أكبر وأكثر تركيزاً خلال المرحلة المقبلة، من دون أن يستبعد احتمال ارتفاع وتيرة التشنج.
وفيما يرتبط باحتمال سحب القوات الأميركية من سورية، تأخرت طهران في إصدار موقف رسمي حول الأمر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أمس السبت، إن تواجد أميركا في سورية كان خطأ من الأساس، معتبراً أن حضورها هناك غير منطقي ويثير النزاعات ويشكّل العامل الرئيس لرفع مستوى التوتر في المنطقة. كما رأى أن التجارب التي مرت بها المنطقة خلال العقود الأخيرة تؤكد أن تدخل القوات الأجنبية في ملفاتها يزيد الأمور سوءاً وتعقيداً. واعتبر الصحافي الإيراني، سياوش فلاحبور، أن كل الخطوات الأميركية الأخيرة مرتبطة بإيران بشكل أو بآخر، لكنه مع ذلك رأى أن الانسحاب من سورية، إذا حصل، سيكون لصالح إيران وروسيا، فطهران لا تريد تواجداً أميركياً في المنطقة، والانسحاب يعني احتمال تقرب القوات الكردية من النظام في سورية بعد أن تخلت واشنطن عنها، وهو ما يعني بالنتيجة خطوة لصالح إيران، بسبب إضعاف من كانوا يلوحون بورقة التقسيم، وهو أيضاً أمر يصب لصالح تركيا. وأشار إلى تحديات أمام طهران على المدى البعيد، فحين يدور الحديث عن خطوة أميركية من هذا القبيل، ربما يعني أن روسيا قد تضع ورقة التواجد الإيراني في سورية على الطاولة مستقبلاً، وقد تصبح طهران مطالبة بسحب من يحسبون عليها هناك. ولا يرى فلاحبور أن ما يحصل هدية مجانية لطهران، رغم أنه يصب لصالح المعادلات الميدانية التي ترضيها على المدى القريب.