وبينما تنظّم بريطانيا الانتخابات الأوروبية في وقت تحاول فيه الخروج من الاتحاد، كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" حول انتخابات الاتحاد، أن حزب "بريكست"، حديث التأسيس، والذي يقوده نايجل فاراج، يتصدّر الأحزاب البريطانية بنسبة 30 في المائة بصعود نقطتين عن الأسبوع الماضي.
ويأتي في المرتبة الثانية حزب "العمال" بنسبة 21 في المائة ومن ثم "المحافظين" عند 13 في المائة. ويتبعهما حزب "الديمقراطيين الأحرار" عند 10 في المائة. أمّا حزبا "الخضر" و"التغيير"، فيقف كل منهما عند 9 في المائة من الأصوات. ويحلّ أخيراً حزب "الاستقلال" عند 4 في المائة. بينما تذهب 5 في المائة إلى جميع الأحزاب الأخرى، بما فيها المستقلون.
وتحاول رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، جاهدة تمرير اتفاق "بريكست" قبل موعد الانتخابات، وذلك بهدف عدم إجرائها. فعدا عن كلفة تنظيمها والتي تعدّ هدراً للمال العام عند خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تخشى رئيسة الوزراء من نتائج هذه الانتخابات. وإن صدقت استطلاعات الرأي حول مدى شعبية الأحزاب البريطانية، فإن ذلك ينذر بهزيمة حزب "المحافظين" يرجح أن تقضي على مسيرة ماي السياسية. وجاءت النتائج الأولية للانتخابات المحلية التي أجريت أول من أمس، الخميس، وأظهرت معاقبة الناخبين لحزب "المحافظين" بعد خسارته للكثير من المقاعد، لتعزز هذه المخاوف.
وتُجرى الانتخابات الأوروبية مرة كل خمس سنوات، إذ تحظى كل دولة بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد سكانها. وتمتلك أقل الدول الأوروبية سكاناً، وهي مالطا ذات النصف مليون نسمة، ستة مقاعد، بينما تقابلها في طرف الآخر ألمانيا التي يبلغ عدد سكانها 82 مليوناً، بـ96 مقعداً. وتمتلك بريطانيا 73 مقعداً من أصل 751 في البرلمان الأوروبي.
وتقسم بريطانيا إلى 12 دائرة انتخابية أوروبية، ولكل منها عدد من المقاعد. فبينما يمتلك شمال شرق انكلترا ثلاثة مقاعد، يحظى جنوب شرقها، بما فيه لندن، بـ18 مقعداً. كما تعتمد الانتخابات التمثيل النسبي، إذ يحصد كل حزب عدداً من المقاعد تماثل النسبة التي يمثلها من الأصوات، على خلاف القانون الانتخابي البريطاني الذي يقوم على كسب الرابح في كل دائرة لكامل تمثيلها. وعلى الرغم من أنّ أعضاء البرلمان الأوروبي البريطانيين يمثلون أحزاباً في بلدهم أيضاً، إلا أنهم يجلسون إلى جانب تحالفات أوروبية أكبر في البرلمان الأوروبي تماثلهم في التوجه السياسي.
ولا تعدّ نسبة المشاركة في الانتخابات الأوروبية في بريطانيا مرتفعة، وهي دون المستوى الوسطي الأوروبي، وحتماً دون مستوى المشاركة في الانتخابات العامة. فقد شهدت انتخابات عام 2014 مشاركة 36 في المائة فقط ممن يحق لهم التصويت، مقارنة بنسبة 43 في المائة في أوروبا، و66 في المائة في الانتخابات العامة في بريطانيا عام 2015. وقد تكون الانتخابات المقبلة استثناءً، نظراً للاستقطاب حول "بريكست"، ولكن لا يزال 8 ملايين بريطاني ممن يحق لهم التصويت غير مسجلين حتى الآن.
وفي حال مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، فقد أقرّ الأخير قانوناً يقضي بتقليص عدد المقاعد في البرلمان الأوروبي من 751 إلى 705، حيث سيتم توزيع 27 من مقاعد بريطانيا على 14 دولة لا تمتلك التمثيل الكافي حالياً، بينما يتم إلغاء ما تبقى منها، أو منحها لدول أخرى يحتمل أن تنضم إلى الاتحاد مستقبلاً.
ولا شكّ في أنّ مسألة "بريكست" والعلاقة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي، تعدّ المحور الأساسي لهذه الانتخابات في بريطانيا. وتصطفّ الأحزاب عملياً على جانب يشمل معارضي الاتحاد الأوروبي، مثل حزب "بريكست"، وجانب آخر يشمل مؤيدي الاتحاد، مثل أحزاب "التغيير" و"الخضر" و"الديمقراطيين الأحرار". وفي الوسط يقع الحزبان الرئيسيان "العمال" و"المحافظين".
وتشكّل هذه الانتخابات صداعاً بالنسبة لحزب "المحافظين" الحاكم، والذي حلّ ثالثاً في انتخابات عام 2014، ويمتلك 19 مقعداً في البرلمان الأوروبي، إذ لم يكن يعتقد المحافظون بأنها ستجرى، ولا يزالون يأملون بتجنبها. وبينما لا تزال ماي تسعى إلى أن يقرّ البرلمان خطتها لـ"بريكست" قبل 22 مايو/ أيار، وهو ما يبدو مستبعداً، يتحرّك الحزب متردداً تجاه المشاركة في الانتخابات.
ولا يزال من غير الجلي مدى استعداد "المحافظين" لبذل الجهد الكافي في المنافسة على مقاعد البرلمان الأوروبي. فالحزب لم يقرّ حتى الآن برنامجه، بينما صبّت قيادته تركيزها على الانتخابات المحلية الجزئية، التي أجريت أول من أمس الخميس.
وكان عدد من نواب الحزب في البرلمان الأوروبي قد أكدوا ترشحهم من جديد، إلا أنّ عدداً آخر تخلى عن ذلك احتجاجاً على فشل رئيسة الوزراء في تطبيق "بريكست". ومما يزيد من مشاكل الحزب، وجود ضائقة مالية ناجمة عن عدم استعداد المانحين تمويل انتخابات يرونها غير مجدية.
ويمكن تمييز تيارين رئيسين في حزب المحافظين؛ أحدهما يدعم "بريكست" مشدداً تنفصل فيه بريطانيا كلياً عن الاتحاد الأوروبي، ويمثله بوريس جونسون وجاكوب ريس موغ وغيرهما، وآخر يتبع خط رئيسة الوزراء، والذي يفضل الإبقاء على نوع من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، ولكنه يرفض القبول بالاتحاد الجمركي.
أمّا حزب "العمال"، والذي حلّ ثانياً في انتخابات 2014، ويمتلك 20 مقعداً في البرلمان الأوروبي، فيبدو أكثر استعداداً، إذ قال زعيمه جيريمي كوربن في تصريحات سابقة، إنه واثق من قدرة الحزب على تحقيق نتائج جيدة. وكان "العمال" قد ناقش مسودة برنامجه الانتخابي يوم 30 إبريل/ نيسان الماضي، وسط خلافات داخل قيادته على نقطة الاستفتاء الثاني على "بريكست". ويسعى التيار المؤيد لإجراء الاستفتاء للضغط على زعامة "العمال"، وبدعم من نائب كوربن، طوم واطسون، لتبني الاستفتاء الثاني جزءاً من برنامج الحزب لانتخابات البرلمان الأوروبي. على الرغم من ذلك، فإن كوربن، الذي يهيمن على قرار اللجنة المركزية لـ"العمال"، يرفض أن يكون الاستفتاء الثاني غير مشروط، لخوفه من خسارة الدوائر الانتخابية المؤيدة لـ"بريكست" و"العمال".
وخرج مؤتمر اللجنة المركزية بحلّ وسط أقرب إلى انتصار لصالح كوربن، عندما أعلن التزام الحزب بمخرجات مؤتمره العام والذي يضع أولوية "العمال" عند إجراء انتخابات عامة، أو دفع الحكومة المحافظة لقبول خطة الحزب لـ"بريكست"، وفي حال عدم توفر أي من هذين الأمرين، يتم حينها اللجوء للاستفتاء الثاني لوقف محاولات المحافظين تطبيق "بريكست" مشدد يضرّ بمستقبل بريطانيا.
وبذلك، يمكن القول بوجود تيارين رئيسيين في "العمال"، أحدهما يعارض "بريكست" ويرغب بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، والآخر يرى ضرورة تطبيق "بريكست"، ولكن مع الحفاظ على علاقة قوية بالاتحاد. ويدعم رئيس الحزب الخط الأخير وتمثّله خطة "العمال" الرسمية لـ"بريكست"، والتي تطالب باتحاد جمركي مع أوروبا وعلاقة قوية مع السوق المشتركة. أما الخطّ الأول، فتدعمه أغلبية قواعد الحزب، وعدد من نوابه في البرلمانين البريطاني والأوروبي. فعدا عن أنّ المسألة كانت سبباً في انشقاق عدد من النواب عن الحزب قبل شهرين، تعهّد نحو 32 نائباً عن "العمال" في البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع بدعم الاستفتاء الثاني والمطالبة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي.
وتشهد الانتخابات أيضاً دخول حزب "بريكست" حديث التأسيس، بزعامة رئيس حزب "الاستقلال" سابقاً نايجل فاراج. ويتوقّع أن يحصد الحزب أكبر عدد من المقاعد، خصوصاً أنه يحمل الرسالة نفسها التي مكنت حزب "الاستقلال" من الحصول على أكبر كتلة في انتخابات 2014، عندما شغر 24 مقعداً في البرلمان الأوروبي.
وجمع الحزب عدداً من الشخصيات البارزة من مؤيدي "بريكست"، من بينهم عدد من المنشقين عن حزب "المحافظين". ويسعى لتصوير نفسه كمدافع عن نتيجة الاستفتاء الديمقراطي عام 2016، والذي يعدّ فاراج أحد أبرز رموزه. ويلعب الحزب على فكرة خيانة ثقة الناخبين والديمقراطية البريطانية من قبل الأحزاب الرئيسية، ليرسم نفسه كبديل صادق مؤيد لـ"بريكست" يدعو إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي فوراً، ليتم التفاهم على التفاصيل بعد ذلك.
كما يدخل الانتخابات حزب آخر حديث التشكيل على الجهة الأخرى من "بريكست"، وهو حزب "التغيير"، الذي يضمّ مجموعة من النواب من مؤيدي الاتحاد الأوروبي من "العمال" و"المحافظين"، ممن كانوا قد أعلنوا انشقاقهم عن أحزابهم وتشكيل المجموعة البرلمانية المستقلة في فبراير/ شباط الماضي.
ويسعى الحزب لجذب مؤيدي البقاء في أوروبا من قواعد "العمال" و"المحافظين" من خلال ترشيح عدد من الأسماء البارزة، ومنهم شقيقة بوريس جونسون الصحافية ريتشل جونسون، ونائب رئيس الوزراء البولندي السابق جان فنسنت روستوفسكي. ومثله مثل بقية الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي، يدعم "التغيير" الاستفتاء الثاني.
أمّا حزب "الديمقراطيين الأحرار"، فيأمل في تحقيق نتيجة أفضل من عام 2014، عندما حصل على ممثل وحيد في البرلمان الأوروبي. ويصوّر الحزب نفسه كمعارض لـ"بريكست" وداعم للاستفتاء الثاني. وينضم إليه في هذا الزعم، حزب "الخضر" الذي يمتلك ثلاثة نواب في البرلمان الأوروبي الحالي.
من جهته، يتعلّق حزب "الاستقلال" بأمل تكرار نتيجة عام 2014، عندما تصدر الانتخابات الأوروبية بـ24 مقعداً. ولكن الحزب اقترب من حافة الانهيار بعد استقالة فاراج، وإعلان إفلاسه العام الماضي، ليتولى زعامته بعد ذلك جيرارد باتن، والذي قرب الحزب من الأفكار العنصرية المعادية للإسلام، التي يتبناها اليمين المتطرف. وبينما فشل الحزب في الحصول على أي تمثيل يذكر في بريطانيا، يصور نفسه على أنه حامل رسالة "بريكست" الأصلية.
أما الحزب "القومي الاسكتلندي"، والذي يهيمن على السياسة الاسكتلندية وينافس على مقاعدها الست في البرلمان الأوروبي، فيمتلك مقعدين فقط حالياً، ويأمل في كسب مقعد إضافي من خلال رسالته المعارضة لـ"بريكست". وكذلك هو حال حزب "ويلز"، الذي ينافس على أربعة مقاعد، يمتلك منها واحداً فقط.
وفي أيرلندا الشمالية، يهيمن كل من "الشين فين" والحزب "الاتحادي الديمقراطي" على نحو نصف الأصوات تقريباً، ويمتلك كل منهما مقعداً في البرلمان الأوروبي الحالي. ويتوقع أن يهيمنا على الانتخابات المقبلة أيضاً.