وحول أسباب الحاجة للتنسيق مع روسيا في أي تحرك ضد "هيئة تحرير الشام"، تفيد المصادر بأن المباحثات المقبلة الشاملة مع روسيا ستتمحور حول مطلب أنقرة تحول وقف إطلاق النار المؤقت إلى وقف إطلاق نار شامل ودائم، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع التفاصيل المتعلقة بالاتفاقية، أي تفاصيل العمل العسكري ضد "الهيئة"، في ترجمة لأولوية الطرفين التركي والروسي في التركيز على التنظيمات الراديكالية القريبة من "الهيئة"، وهي تنظيمات مثل حراس الدين، والمقاتلين التركستانيين.
مع العلم أنه حصلت مواجهة محدودة بين الجيش التركي ومعتصمين يتبعون لـ"الهيئة" في أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي، على الطريق الدولي حلب ـ اللاذقية "أم 4"، ما أدى لمقتل خمسة معتصمين، كشفت مصادر ميدانية على الأرض، حينها، أنهم أساساً من عناصر "الهيئة"، فيما أصيب عدد من الجنود الأتراك خلال الاشتباك. ورد عناصر "هيئة تحرير الشام" على مقتل عناصرهم باستهداف نقطة تركية قرب بلدة النيرب بقذائف الهاون، ثم شنّت طائرة مسيّرة تركية هجوماً استهدف مربض الهاون، ما أسفر عن تدميره ومقتل وجرح عدد من عناصر "الهيئة". بعدها استهدفت "الهيئة" جرافة تركية بصاروخ مضاد للدروع وردّت عليهم طائرة مسيّرة تركية، لتنتهي الأمور عند هذا الحدّ مع استمرار التوتر الحذر.
وبالتزامن مع المواجهات الميدانية في الفترة نفسها، كشفت مصادر تركية في وزارة الخارجية لـ"العربي الجديد"، عن عقد اجتماع بين الجانب التركي وممثلين عن "الهيئة" بوساطة أطراف مقربة من أنقرة لبحث التطورات الخطيرة ميدانياً، موضحة أن "الجانب التركي كان مصراً على طلبه فتح الطريق الدولي (أم 4) من أجل تسيير الدوريات التركية الروسية المشتركة. وبهدف ممارسة المزيد من الضغوط، نفذت طائرات تركية مسيّرة قصفاً على مركبة تعود للهيئة، ما أدى إلى مقتل عناصر من الهيئة في رسالة واضحة على الجدية التركية". وأضافت أن "الهيئة هي الجانب الأضعف وعليها الاستجابة للمطلب التركي". وشدّدت المصادر على أن "أنقرة تسيطر بشكل كبير على سماء المنطقة، وتعرف تحركات وأهداف التنظيمات الراديكالية، وهناك جهود على مستوى استخباري سري تجري من أجل تغيير بنية هيئة تحرير الشام، أو دمجها بالفصائل".
وبدأت الخلافات عملياً، بين "هيئة تحرير الشام" وأنقرة، بعد إبرام الاتفاق التركي ـ الروسي الذي أوقف العمليات العسكرية، ونصّ على تسيير دوريات روسية – تركية مشتركة على الطريق الدولي "أم 4"، إلا أن "الهيئة" دعت محتجين، معظمهم من عناصرها، لقطع الطريق على الدوريات المشتركة والسماح فقط للدوريات التركية بالعبور عند بلدة النيرب، لحوالي شهر، قبل أن تزيل خيام الاعتصام بعد المواجهة الأخيرة، وتصل الدوريات المشتركة إلى أريحا للمرة الأولى.
وعن ذلك، يرى الصحافي التركي طه عودة أوغلو، أن الخلافات بين تركيا و"هيئة تحرير الشام" برزت بعد الاتفاقات والتفاهمات بين أنقرة وموسكو في شمال سورية واعتراض "الهيئة" عليها، وأن هذه الخلافات بدأت تتسبب بتوترات متكررة بين الجانبين، وهو ما يشير إلى أن العلاقة بين أنقرة و"الهيئة" وصلت إلى حدّ المواجهة الكبرى مع إصرار أنقرة على تطبيق اتفاق موسكو. ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "برأيي إن الخيارات محدودة أمام تركيا للتعامل مع معضلة هيئة تحرير الشام، فإما تسعى إلى تحييدها وفصلها عن فصائل المعارضة المعتدلة، أو الضغط عليها لحل نفسها والاندماج ضمن جيش موحد بطرق عدة، ولو بعملية عسكرية لا ترغب أنقرة أصلاً بخوضها".
ويشير عودة أوغلو إلى أن "تركيا راهنت على هيئة تحرير الشام في السنوات الماضية باعتبارها القوة العسكرية الأكثر صلابة في الشمال الغربي السوري، وسعت على مدار السنوات الماضية إلى الحفاظ عليها في مقابل قوات سورية الديمقراطية في شرق الفرات. لكن أنقرة تجد نفسها اليوم مضطرة لاتخاذ خطوة حل الهيئة وتقليص نشاطها، وإلا فإنها ستجد نفسها في مواجهة جديدة مع الروس". ويشير إلى أن "الهيئة تواجه في إدلب ضغوطاً غير مسبوقة من قبل تركيا، تهدد وجودها، وأعتقد أن الضغوط التركية ستتواصل خلال الفترة المقبلة وصولاً إلى تطبيق سيناريو إضعافها، وهذا الأمر مسألة وقت لا أكثر، وهناك أيضاً بوادر عن إمكانية خسارة الهيئة هيمنتها في إدلب لصالح الجيش التركي والفصائل المعارضة التي يدعمها".