ولليوم الثاني على التوالي، تواصل وسائل إعلام وشخصيات سياسية ومؤسسات عراقية التصعيد في الأزمة، بشكل غطى على أزمة البصرة والتظاهرات المندلعة في مدن جنوبية عدة من البلاد، إضافة إلى الخرق الدستوري وبقاء البرلمان بلا رئاسة للأسبوع الثاني على التوالي. ويؤكد مراقبون أنّ خلق الأزمة والتصعيد محاولة لحجب الأنظار عن أزمات العراق الأخرى.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول عراقي بوزارة الخارجية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أزمات مثل هذه تحدث وحدثت كثيراً لكن تم تلافيها والتغاضي عنها، لكن الحكومة والأحزاب تحاول تحويلها إلى قضية طائفية لحجب الأنظار عن البصرة".
وأضاف: "لم تكن أزمة بالمستوى الحقيقي الذي تم تهويله في العراق، بقدر ما هي أزمة افتعلتها الجهات السياسية والحكومية في العراق"، كاشفاً عن أن "شهادة السفارة العراقية في الجزائر أكدت حسن استقبال وضيافة الفريق العراقي وأن الشعارات لم تكن موجهة ضد طائفة معينة بالعراق".
وأكد أنّه "كان بالإمكان أن تتواصل المباراة، خصوصاً مع عدم وجود أي تهديد للفريق العراقي، لكنّ قرار الانسحاب كان بعد أن أيقن الفريق العراقي أنه خاسر المباراة ولو كان متقدماً فيها لما كان لينسحب وهذا المؤكد".
وعقب انسحاب الفريق، أكد الاتحاد العراقي لكرة القدم أنّ المباراة كانت محاولة للإساءة إلى العراق وشعبه، وقال الاتحاد في بيان صحافي: "تابعنا الأحداث التي رافقت مباراة القوة الجوية العراقي واتحاد العاصمة الجزائري التي ضيفتها العاصمة الجزائرية، وما شابها من إساءات الجمهور الجزائري تجاه العراق وشعبه، أدت إلى انسحاب الفريق العراقي من المباراة".
وأكد رفضه الشديد "ما حصل من إساءة إلى الفريق العراقي، من خلال الهتافات العنصرية والطائفية التي تفرق ولا تجمع جماهيرنا العربية".
واستدعت وزارة الخارجية السفير الجزائري في بغداد، لإبلاغه والحكومة الجزائرية برفض واستياء العراق حكومةً وشعباً مما جرى في مباراة نادي القوة الجوية العراقي المشارك في بطولة الأندية العربية.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد محجوب، في بيان صحافي، إنّ "الوزارة تعرب عن استنكارها سلوك بعض المغرضين من الموجودين ضمن الجماهير الرياضية الجزائرية في مباراة نادي القوة الجوية العراقي المشارك في البطولة العربية، والتي أساءت بدورها إلى عمق العلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين".
وأضاف: "إذ تطالب الوزارة بتوضيح من الجهات ذات العلاقة عن هذا التصرف المدان، فإنها تستدعي السفير الجزائري لدى بغداد لإبلاغه ومن خلاله الحكومة الجزائرية برفض واستياء العراق حكومةً وشعباً وتذكَره بمسؤولية حماية المواطنين العراقيين الموجودين في الجزائر والابتعاد عن كل ما من شأنه إثارة شعبنا العزيز في تلميع الوجه القبيح للنظام الدكتاتوري الصدامي البائد".
ولم يكن ردّ العراق على مستوى حكومي فقط، بل أخذ السياسيون والنواب وقادة المليشيات يركبون الموجة، ويصعّدون إعلامياً، وقال النائب عن تحالف سائرون، مضر الأزيرجاوي: "نشد على قرار إدارة ولاعبي فريق القوة الجوية بالانسحاب من المباراة والبطولة العربية"، داعياً، الاتحاد العراقي لكرة القدم، إلى "اتخاذ موقف حازم تجاه الجزائر".
ودعا، زعيم مليشيات "العصائب"، قيس الخزعلي، الحكومة الجزائرية، إلى "تقديم اعتذار عمّا بدر من هتافات طائفية خلال المباراة، لتبرأ الجزائريين من هذا العار الذي يمكن أن يلحقهم إن سكتوا"، مشيداً بـ"موقف فريق الجوية الذي انسحب من المباراة".
وينتقد سياسيون عراقيون، الدفع والتحشيد الإعلامي في العراق وتصاعد الردود العدائية، للجزائر، في وقت لا تعار أي أهمية للقصف الإيراني للأراضي العراقية في أربيل قبل يومين، وانتهاكاتها المستمرة بالعراق.
وقال نائب عن كتلة القرار لـ"العربي الجديد"، إنّ "التعامل السياسي العراقي مع قضية مباراة الجزائر، لم يرق إلى مستوى المهنية"، مبيناً أنّ "الأبعاد الطائفية ومحاولة كسب بعض الجهات من الشارع العراقي وتأجيجها تقف وراء الحملة الإعلامية بشأن المباراة".
وأكد أنّ "العراق كحكومة وكأحزاب سلطة لا يتعامل مع القضايا التي تنتهك بها سيادة العراق بحجم تعامله مع قضية كقضية المباراة، فالانتهاكات الإيرانية للعراق، والقصف الأخير في أربيل، والتدخل السياسي بقضايا العراق المصيرية، والانتهاكات المعروفة، كلها لا أحد يتحدث عنها، بل لا أحد من أحزاب السلطة يقبل بأن يجري الحديث عليها، رغم ما تكلفه من خسائر كبيرة للبلد، في وقت تثار أزمة كبيرة من أجل مباراة كرة القدم".
وتابع أنّ "الجهات السياسية حاولت استغلال ذلك، بأن تدفع باتجاه إشغال الشارع العراقي بأزمة جديدة ذات أبعاد طائفية، تخفف من خلالها أزمة تشكيل الحكومة، وأزمة التظاهرات"، داعياً، الحكومة وأحزاب السلطة إلى "مراجعة حساباتها، وإدارة الأمور بعقلانية، وفقاً لما تتطلبه مصلحة العراق، وتحسين مستوى علاقاته بمحيطه العربي".