تنطلق جولة جديدة من الصراع السياسي في تونس، اليوم الأربعاء، حول قانون المصالحة الشاملة تحت قبة مجلس نواب الشعب، فيما تحاول لجنة التشريع بحضور ممثلين عن رئاسة الجمهورية تعديل البنود المرفوضة، بينما تستميت المعارضة لإسقاطه.
ويحضر سليم العزابي، مدير الديوان الرئاسي والرجل الثاني في قصر قرطاج، إلى لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب، اليوم، للدفاع عن مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي. ومن المنتظر أن يقدم العزابي تعديلات الرئاسة على مشروع قانون المصالحة السياسية، تناغما مع مطالب المعارضة داخل البرلمان وخارجه.
وتعتبر جلسة اليوم الجولة الثالثة بين قائد السبسي ومن ورائه الائتلاف الحاكم، ضد قوى الأحزاب المعارضة والائتلاف المدني الرافض لهذا القانون، وقد أعد الطرفان العدة لهذه المعركة المؤجلة منذ أشهر.
وتدعم كتلة "نداء تونس"، و"حركة النهضة"، و"آفاق تونس"، هذه المبادرة، ويتجاوز عدد الداعمين من الناحية النظرية 140 نائبا، أي نصف تركيبة البرلمان، وبالتالي تتوفر الأغلبية المريحة للمصادقة على هذا القانون، وفي حال خيّر الائتلاف الحاكم المرور بالقوة إلى المصادقة، وفي ظل غياب المحكمة الدستورية الوقتية لقبول الطعون فيه، يمكن اعتبار المعارضة عاجزة أمامه.
وتعوّل المعارضة على تنامي قواها داخل البرلمان، بالتحاق كتلة "الوطني الحر"، وجزء من كتلة "مشروع تونس" إلى صف معارضي رئيس الجمهورية ومبادراته، غير أن ثقل المعارضة يكمن أكثر في الشارع وفي الميدان، حيث تستمد قواها من التيار المجتمعي والمنظمات الرافضة لقانون المصالحة.
وتطالب المنظمات الراعية لحملة "مانيش مسامح" (لستُ مسامحا)، بالسحب الفوري لمشروع قانون المصالحة، كما تدعو التونسيين والتونسيات للالتزام بحالة التأهب القصوى لإسقاط مشروع القانون هذا.
وقال أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، لـ"العربي الجديد"، وهو رئيس منظمة "دستورنا"، إن "التعنت من قبل رئاسة الجمهورية في محاولة تمرير مشروع المصالحة اللادستوري، يجعل نزول المحتجّين إلى الشارع ضرورة شعبية، وفاء لتضحيات أجيال من التونسيّين ولأرواح الشهداء"، مشيرا إلى أن هذا القانون "يكرس سياسة الإفلات من العقاب وتبييض الفساد، في تناقض مطلق مع المبادئ الدستورية، ويخرق منظومة العدالة الانتقالية ومبادئ العدالة والإنصاف".
من جانبه، بيّن أمين عام حزب التيار الديمقراطي النائب غازي الشواشي، لـ"العربي الجديد"، أن "التعديلات التي تم تسريبها في وسائل الاعلام، بهدف امتصاص رفض المعارضين لهذا القانون، لا تتجاوز ذر الرماد في العيون"، مبينا أن موقفهم من المشروع لم يتغير قيد أنملة، "وأن المصالحة لا تتم إلا بعد المحاسبة، وفي إطار العدالة الانتقالية".
وخسر رئيس الجمهورية معركتين، الأولى في 2015، وكان سفيره إلى البرلمان حينها مدير الديوان الرئاسي السابق رضا بلحاج، بالرغم من متانة الائتلاف الحاكم حينها، الذي كان يحوز على أكثر من ثلثي تركيبة البرلمان.
كما خسر الرئيس معركته الثانية، في 2016، والتي قادها مدير الديوان الرئاسي الحالي سليم العزابي، في وقت بدا الائتلاف البرلماني المساند في التقهقر، ويبدو أن الجولة الثالثة، اليوم، تقوم على الرضوخ لتعديلات المعارضة، بتحييد اللجنة المكلفة بالتحكيم والمصالحة عن السلطة التنفيذية وإثراء تركيبتها، بالإضافة إلى التخلي عن الجرائم المالية.
وبين نور الدين بن تيشة، مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ مشروع قانون المصالحة الوطنيّة سيُعرض اليوم أمام مجلس النواب للمصادقة عليه، و"قد تمّ إدخال بعض التعديلات الجديدة والمقترحات، إلى جانب تعديلات أخرى سبق أن قدّمها النوّاب والخبراء".
وأضاف تيشة أن رئاسة الجمهورية "منفتحة على المقترحات والتعديلات البناءة، التي من شانها إثراء المشروع، وخدمة ما جاء به من أهداف سامية تعزز روح المصالحة بين مختلف فئات المجتمع التونسي".
ويسكن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي هاجس تمرير مبادرته، التي طرحها منذ ما يزيد عن السنتين، حيث تشارف ولايته على النهاية ولم تر النور بعد، رغم أن هذا المشروع كان بمثابة الطبق الرئيسي لحملته الانتخابية الرئاسية منذ العام 2014، كما أنه كان وقودا يغذي به حواراته وتصريحاته ووعوده لتجاوز الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد، عبر رفع القيود عن المسؤولين في الدولة والوزراء السابقين، ممن لم تتم إدانتهم من قبل القضاء.