في الوقت الذي قدمت وسائل الإعلام الإسرائيلي المزيد من الشواهد على طابع التعاون الأمني والاستراتيجي بين السعودية وإسرائيل، حذر مركز أبحاث إسرائيلي مرموق من التداعيات الخطيرة التي قد تترتب على السياسات الداخلية والخارجية التي يتبناها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، محذرا من أنه قد يلقى نفس المصير الذي انتهى إليه شاه إيران.
وفي ورقة صدرت عنه بالإنكليزية ونشرت على موقعه اليوم، قال "مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابع لجامعة "بار إيلان"، ثاني أكبر الجامعات الإسرائيلية، إن إجراءات بن سلمان الداخلية الدراماتيكية الهادفة إلى تعزيز قدرته على الإمساك بدفة الأمور "قد أضعفت المؤسسة الأمنية السعودية"، منوها إلى أن أكثر هذه الخطوات إسهاما في إضعاف منظومة الأمن في المملكة تتمثل في إقدامه على "التخلص من منظومة التوازنات والكوابح، سواء تلك التي اعتمدت على حضور الأمراء المنافسين أو تلك التي تعتمد على الانتماءات القبلية".
وحسب الورقة التي أعدها المستشرق البرفسور هيليل فريش، فإنه عندما يتزامن إضعاف المؤسسة الأمنية مع تفجر معارضة في طول المملكة وعرضها يعني أن بن سلمان قد يلقى مصير شاه إيران، الذي على الرغم من أنه نجح في تحويل إيران في حينه إلى قوة إقليمية يحسب لها حساب، إلا أنه سقط ضحية تعاظم المعارضة الداخلية ضده"، على حد تعبير الباحث الإسرائيلي.
ونوه فريش إلى أن ما يضاعف خطورة السياسات والإجراءات التي يقدم عليها بن سلمان تكمن في حقيقة أنها تأتي في ظل تعاظم الخطر الخارجي، الذي تمثله إيران.
وأضاف أن "نظام التوازنات الداخلي الذي حفظ استقرار السعودية استند إلى أدوار يقوم بها مئات وحتى الآلاف من الأمراء ويراعي الخلفيات القبلية"، مشيرا إلى أن المؤسسة العسكرية السعودية أديرت تاريخياً وفق معادلة "الصراع التنافسي"، إذ أن مؤسسة الجيش تتبع فريقا من العائلة المالكة، في حين يتبع الحرس الوطني فريقا آخر، في الوقت الذي لعبت المؤسسة الدينية دورا في المجال الأمني بشكل غير مباشر من خلال أنشطة هيئة الأمر بالمعروف.
ولفت فريش الأنظار إلى أن دفع بن سلمان نحو "مركزية" المؤسسة الأمنية وتوحيدها ينطوي على مخاطر كبيرة، لأنه يزيد من مخاطر إضعافها بسبب تغير الولاءات الشخصية والقبلية.
وحسب الورقة، فإن ما يفاقم الخطورة على مستقبل السعودية كدولة يتمثل في حقيقة أن العقدين الأخيرين شهدا تهاوي الدعائم الرئيسة للبيئة الأمنية التي تضمن ازدهار واستقرار المملكة، مشددا على أن هذه الدعائم "تتبخر الواحدة تلو الأخرى في ظل تزايد تعاظم حضور إيران وتعاظم قوتها".
وأشار إلى أن أول دعائم الأمن السعودي التي تهاوت تمثلت في توقف الولايات المتحدة عن لعب دور "شرطي المنطقة"، وهو الدور الذي راهنت عليه السعودية تاريخيا لضمان سيادتها وأمنها.
وحسب الورقة فإن السعوديين صدموا عندما اكتشفوا أنه لا يوجد ثمة خلاف جوهري بين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وخليفته الحالي دونالد ترامب، على اعتبار أن الأخير يتبنى سياسة الأول القائمة على تجنب التورط في صراعات مسلحة في الخارج.
وأوضحت أن ترامب يعي أن الجمهور الأميركي الذي يؤيده "يرفض استخدام السلاح والجنود الأميركيين للحفاظ على السعودية، لأن هذا الجمهور يذكر أن منفذي هجمات 11 سبتمبر كانوا من السعوديين".
ويسجل فريش أن البيئة الإقليمية تزداد سوءا بالنسبة للسعودية، مشيرا إلى أن السعودية لا يمكنها أن تعتمد على مصر في التصدي للتحديات الاستراتيجية التي تواجهها، مشيرا إلى أن المؤسسة الأمنية المصرية "بالكاد تكون قادرة على مواجهة عناصر تنظيم ولاية سيناء الذي ينتشر على مساحة ألف كلم في المنطقة الفاصلة بين العريش ورفح"، على حد تعبيره.
وتعيد الورقة للأذهان حقيقة أن السعودية، بسقوط نظام صدام حسين، خسرت العراق بوصفه "منطقة عازلة بينها وبين إيران"، وهو ما فاقم المخاطر على الأمن السعودي.
ولا تتوقف "المصائب بالنسبة للسعودية عند هذا الحد"، كما يقول الباحث الإسرائيلي، منوها إلى أن التعاون الأميركي مع القوات العراقية، التي هي تحت سيطرة الشيعة من مؤيدي إيران وإضعاف القوى السنية، فاقم خطورة العراق بالنسبة للسعودية.
وتوضح الورقة أن نجاح حزب الله وإيران وبالتعاون مع روسيا في إنقاذ نظام الأسد وتمكينه من إعادة بسط سيطرته على مناطق كبيرة في سورية عزز الوجود الإيراني، مما شدد من حدة الطوق الإيراني حول السعودية.
وشددت الدراسة على أن ما تقدم يدلل على أنه لا يمكن الحديث عن توازن قوى بين الرياض وطهران.
ويعود فريش للتحذير مجددا من أن تزامن التهديدات الخارجية مع نتائج السياسات الداخلية التي تبناها بن سلمان، والتي ستفضي إلى إضعاف مؤسسته الأمنية، يزيد من احتمالات انتهائه إلى نفس مصير شاه إيران.
مساعدات إسرائيلية للرياض
في سياق آخر، ألمح معلق إسرائيلي إلى أن إسرائيل تعكف حاليا على تقديم مساعدات كبيرة للسعودية في حربها في اليمن.
وفي مقال نشره اليوم موقع صحيفة "هارتس"، قال الكاتب حمي شليف إنه "ربما سيأتي اليوم الذي سيتضح حجم المساعدات الواسعة التي قدمتها إسرائيل للسعودية في حربها في اليمن".
وأعاد شليف الذي يعمل معلقا للشؤون الأميركية في الصحيفة، للأذهان حقيقة أنه سبق لإسرائيل أن قدمت مساعدات عسكرية كبيرة للسعودية في ستينيات القرن الماضي.
وأشار شليف، إلى ما سبقه إليه عدد من المسؤولين الإسرائيليين، وضمنهم وكيل الخارجية السابق دوري غولد، من أن كلا من جهاز المخابرات الإسرائيلي للمهام الخارجية "الموساد" وجهاز الاستخبارات البريطاني نفذا عام 1964 عملية "روطيف"، والتي قام خلالها سلاح الطيران الإسرائيلي بإنزال عتاد عسكري، غنمته إسرائيل في حربها ضد مصر عام 1956، على القوات الموالية للأئمة داخل اليمن، التي كانت تقاتل الجيش المصري الذي أرسله الرئيس جمال عبد الناصر، وذلك بعد التوصل لتفاهم مسبق مع السعودية.
من ناحيته لفت عوديد غرانوت معلق الشؤون العربية إلى أن "التحالف غير المكتوب بين السعودية وإسرائيل يخرج للعلن"، مشددا على أن تطابق المصالح بين الرياض وتل أبيب يدفع بقوة نحو هذا التحول.
وفي تحليل نشره موقع صحيفة "يسرائيل هيوم" أمس الجمعة، أوضح غرانوت أن الفترة السابقة شهدت "طوفانا من المؤشرات العلنية على عمق توثق العلاقات بين السعودية والرياض".