يتجه الناخبون الإيرانيون اليوم، الجمعة، نحو صناديق الاقتراع، للمشاركة في الدورة العاشرة للانتخابات التشريعية لمجلس الشورى الإسلامي، إضافة إلى انتخابات مجلس خبراء القيادة بدورتها الخامسة.
اقرأ أيضاً: 3 أيام للانتخابات التشريعية الإيرانية... لوائح مركّبة وشعارات اقتصادية
وتشهد انتخابات البرلمان الحالية منافسة محتدمة نظراً لاهتمام الشارع والقوة السياسية بها؛ فهذه المؤسسة التي سيطر عليها المحافظون لثلاث دورات متتالية، تحظى باهتمام تيار الاعتدال الإيراني بشكل كبير، وهو التيار الذي تواجد في مساحات أكبر من مراكز صنع القرار منذ وصول الرئيس المعتدل حسن روحاني لسدة الرئاسة قبل أكثر من عامين. في الوقت نفسه، يرى المرشحون المنتمون إلى التيار الإصلاحي، على أقليتهم، أن هذا الاستحقاق يفتح أمامهم باب الفرص لعودة أقوى إلى المشهد السياسي. في المقابل، لا يزال المحافظون، ولا سيما المتشددون منهم، متمسكين بمقاعد هذه المؤسسة التي تشرف على عمل الحكومة ولها الحق في سن القوانين، وضبط علاقات إيران مع الخارج.
وسجل ما يقارب 12 ألف شخص أسماءهم للترشح في هذه الانتخابات في وقت سابق، منحت لجنة صيانة الدستور الأهلية لـ 6300 منهم وحسب. وتم استبعاد عدد كبير من الإصلاحيين، كما انسحب مرشحون آخرون من السباق، خلال الأيام الأخيرة للدعاية الانتخابية، منهم من يحسب على التيار المحافظ. ويتنافس في يوم الاستحقاق هذا 4844 مرشحاً، أي أن كل 17 مرشحاً يتنافسون على كل مقعد من مقاعد البرلمان البالغ عددها 290.
ونقلت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، عن رئيس هيئة الانتخابات العامة، محمد حسين مقيمي، قوله أمس الخميس، إن العملية الانتخابية تجري في كل المحافظات الإيرانية وحتى في المناطق الحدودية والنائية، حيث أرسلت صناديق الاقتراع بالمروحيات. وعلق على إمكانية مشاركة بعض السياسيين الخاضعين للإقامة الجبرية في هذا الاستحقاق، وقال إن القانون يسمح لهؤلاء بالاقتراع عبر صناديق ترسل لأماكن إقامتهم.
ومن المحتمل أن تجري جولة إعادة، وذلك في حال توزعت أصوات المقترعين بنسب أقل من ربع عددهم الكلي على غالبية المرشحين المتنافسين. وفي هذه الحالة، يفوز الحاصلون على نسب أعلى من الربع، فيما ينتقل إلى المرحلة الثانية المرشحون الذين لم يتخطوا نسبة الربع، ويفترض أن تجري هذه الجولة بعد شهر من الجولة الأولى على أبعد تقدير.
أما معادلة التنافس بين التيارات السياسية، فباتت أكثر وضوحاً منذ بدء الدعاية الانتخابية للمرشحين، والتي استمرت لأسبوع كامل اعتباراً من يوم الخميس الأسبوع الماضي. واختار المرشحون عن التيار المحافظ سيناريو التنافس في قائمة واحدة، تضم شخصيات سياسية واقتصادية بارزة من كل الجبهات والأحزاب التي تنضوي تحت لواء المحافظين.
المحافظون وشعار: المعيشة الأمن التطور
تسمى هذه القائمة بلائحة ائتلاف المحافظين، أو الجبهة المتحدة للمحافظين. ويترأسها رئيس البرلمان السابق، غلام علي حداد عادل، المرشح عن محافظة طهران. وهو شخصية محافظة مقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي. وقد رفع المحافظون شعار "المعيشة الأمن التطور" عنواناً لقائمتهم هذه. وركزوا في الدعاية الانتخابية على ضرورة إيجاد حلول لمشاكل الاقتصاد الإيراني. وبعض هؤلاء ممن تحفظوا على نتائج الاتفاق النووي الذي توصلت إليه حكومة الاعتدال مع الغرب، فيما قلق بعضهم الآخر من استمرار سياسة الانفتاح، وهو ما يجعلهم من دعاة بناء اقتصاد مقاوم في بلد يجب أن يعتمد على الاكتفاء الذاتي. وأكدوا في تصريحات أخيرة صادرة عن مرشحيهم على ضرورة إرشاد ومساعدة الحكومة الحالية في سياساتها الاقتصادية، وهو ما يعني المزيد من التشدد والرقابة، في حال نجح هؤلاء في السيطرة على البرلمان.
والجدير بالذكر أن بعض المحافظين البارزين اختاروا المشاركة في السباق التشريعي بشكل مستقل، بعيداً عن اللائحة الموحدة، منهم رئيس البرلمان الحالي، علي لاريجاني، الذي ترشح عن مدينة قم. وهو شخصية محافظة معتدلة مقربة من غالبية الأطياف. ويبدو أنه لم يرغب في خسارة هذا الدعم الذي قد يحتاجه مستقبلاً إذا ما نجح في الحصول على مقعده، والذي قد يتحول إلى مقعد رئاسة للمجلس مجدداً.
الإصلاحيون و"الأمل"
أما التيار الإصلاحي، فما زال ينفض الغبار، الذي تراكم فوق رموزه الغائبين عن ساحة العمل السياسي منذ احتجاجات عام 2009، وبعدما استبعدت لجنة صيانة الدستور عدداً كبيراً ممن سجلوا أسماءهم من الإصلاحيين الراغبين في الترشح لاستحقاق البرلمان، وجد هؤلاء أنفسهم أمام خيار واحد، وهو تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ فاتحد مرشحوهم مع المرشحين عن تيار الاعتدال في قوائم مشتركة. وأعلن الإصلاح عن قائمة واحدة ومركبة سماها "لائحة الأمل"، كما تواجدت ذات أسماء مرشحيهم في قوائم المعتدلين المتعددة، في محاولة لزيادة حظوظ الإصلاح في الوصول إلى مقاعد أكبر في البرلمان الجديد.
ورفعت لائحة "الأمل" شعار "الأمل، الاستقرار، التطور الاقتصادي"، ويترأسها المرشح الرئاسي الإصلاحي السابق، محمد رضا عارف، ومن أبرز الوجوه الإصلاحية التي تضمها اللائحة، الياس حضرتي، ومصطفى كواكبيان.
أما المرشحون المعتدلون فهم من منافسي المحافظين الأشداء، ولا سيما أنهم يحظون بدعم كل من رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، أكبر هاشمي رفسنجاني، ورئيس البلاد حسن روحاني. وقرّر هؤلاء الاستفادة من ملف التوصل إلى الاتفاق النووي علّه يصبّ لصالحهم، في محاولة للحصول على صوت المواطن الإيراني، الذي انتظر طويلاً خبر إزاحة همّ العقوبات عن كاهله.
لوائح "اعتدال" أخرى
في الوقت نفسه، توجد لوائح أخرى قررت الانفصال عن جميع هذه التيارات السياسية. وبحسب ما يُقرأ من شعاراتها فهي أقرب إلى "الاعتدال"، بما أن المحافظين حسموا أمورهم منذ البداية، واختاروا خوض المعركة في صف واحد. من هذه اللوائح جبهة "صوت الشعب"، التي يترأسها النائب المثير للجدل، علي مطهري، المقرب من المحافظين أحياناً، ومن الإصلاحيين أحياناً أخرى، ولا يحسب نفسه على أي منهما.
وفي الخلاصة، فإنّ هذا التوزع والتعددية في اللوائح المتقاربة كثيراً في شعاراتها وأسمائها المكررة، إما أن يجعل الكفة تميل لصالح "الاعتدال"، أو يتسبب في جرّ الانتخابات نحو جولة إعادة، لكن هذا كله يعتمد على عدد الناخبين، وعلى نسب المشاركة.
أهمية الانتخابات
ولا تقلّ هذه الانتخابات أهمية عن سابقاتها؛ إذ إن لمجلس الشورى الإسلامي الحق في التصويت على أية معاهدات دولية تريد إيران توقيعها مع الآخرين، وهو الجهة التي تشرف على تطبيق الاتفاق النووي وتنفيذ بنوده، وله الحق في نقضه في حال رأى النواب صلاحاً في ذلك، أو في حال فرض عقوبات جديدة. كما يملك المجلس صلاحية إعادة النظر في علاقات طهران الدبلوماسية مع الدول الأخرى، وكل هذا يعني أن التركيبة السياسية للبرلمان القادم سترسم شكل معادلات كثيرة.
استحقاق الخبراء
وفي نفس الأماكن التي يصوت فيها الناخبون لمرشحي البرلمان، يقترعون لاختيار 88 عضواً لمجلس خبراء القيادة من رجال الدين، وهو المؤسسة التي تشرف على تعيين خلف للمرشد الأعلى في حال الوفاة أو فقدان الأهلية، وله الحق في تقييم عمله وحتى عزله، ومن هنا تأتي أهمية هذه الانتخابات، التي يتنافس فيها 166 مرشحاً حصلوا على الأهلية من لجنة صيانة الدستور من أصل 800 تقريباً كانوا راغبين في خوض هذا الاستحقاق.
وكان حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، حسن الخميني، من أبرز الأسماء التي استبعدت من السباق، وهو ما أثار جدلاً في الداخل بسبب الخلاف على قدرة الخميني على الاجتهاد واستنباط الأحكام الفقهية، وهو شرط أساسي للخبراء. كما بررت صيانة الدستور قرارها بعدم حضوره للامتحان المقرر، كونه رشح نفسه لأول مرة في هذه الانتخابات، فيما نفى الخميني توجيه دعوة إليه للمشاركة في امتحان التأكد من الشروط والمعايير.
يتنافس رجال دين منتمون إلى التيارين المحافظ والمعتدل في هذا السباق، وأبرز اللوائح المعلن عنها هي تلك المسماة برفاق "الاعتدال"، والتي يتواجد فيها أسماء رفسنجاني وروحاني، وهي اللائحة التي دعا كثيرون إلى التصويت لها لضمان نجاح أعضائها، كون من فيها جميعاً من شيوخ الاعتدال، ومنهم مقربون من الإصلاحيين.
وبحسب ما أعلن عضو مجلس الخبراء الحالي أحمد خاتمي، يجتمع المجلس للمرة الأخيرة خلال يومي 8 و9 مارس/آذار المقبل، ويلتقون بعدها بالمرشد الأعلى علي خامنئي، وهذا قبل إنهاء مهامهم وتسليم زمام الأمور للمجلس بتركيبته الجديدة.
ويبقى هذان الاستحقاقان الانتخابيان مرهونين بنسب مشاركة الناخبين الإيرانيين، فلكل طيف سياسي جمهوره من الشارع، ونسب المشاركة الحقيقية ستحدد بالفعل مدى نجاح شعارات كل تيار.
اقرأ أيضاً: "لائحة الأمل": استراتيجية إصلاحيي إيران في السباق الانتخابي