كان يفترض أن تشهد كوبنهاغن زيارة رسمية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بداية الشهر القادم، لكن تصريحات أطلقها الأخير في نيوجيرسي، اليوم الاثنين، ألقت بظلال الشك حول ما إذا كانت الزيارة ستتم أم لا، في ظل رفض واسع لأي مشاركة للدنمارك عسكرياً سواء في تأمين مضيق هرمز، أو بسورية.
تراجع ترامب الضمني، عن زيارة معلنة كان يجري الإعداد لها سياسيا وأمنيا وإعلاميا، قرأه الدنماركيون صباح الاثنين كخطوة غير دبلوماسية ووقحة ومهينة بقوله "ربما ستكون زيارة إلى كوبنهاغن"، في إطار جولة تشمل بولندا أيضا. لا يتعلق فقط برفض الدنماركيين، من شتى التيارات، وممثلي شعب جزيرة غرينلاند (البرلمان المحلي ومجلس الحكم الذاتي) لصفقة الشراء التي طرحها ترامب رسميا هذه المرة بعد أن كانت مجرد إشاعات بداية الأسبوع الماضي، فبحسب معلومات خاصة بـ"العربي الجديد" في كوبنهاغن تلقى ترامب "انتكاسة حقيقية في مسعاه لعسكرة زيارته في كواليس التفاوض على برنامجها".
تؤكد هذه المصادر أن "ترامب طالب كوبنهاغن بأن تكون جاهزة للإعلان يوم زيارته عن الانضمام إلى تحالفه في مضيق هرمز في الخليج، وأنها سترسل وحدات عسكرية لحماية طرق التجارة العالمية وتعويض الجنود الأميركيين في مناطق سيطرة فصائل كردية شمالي شرق سورية".
اليسار الدنماركي ويسار الوسط، الذي يشكل قاعدة برلمانية لحكومة الحزب الاجتماعي الديمقراطي، برئاسة رئيسة الوزراء، ميتا فريدركسن، التي أعلنت اليوم أن "غرينلاند بالطبع ليست للبيع"، وضع عراقيل كثيرة أمام أية مشاركة عسكرية دنماركية إلى جانب ترامب سواء في الخليج أو الشمال السوري. وتذكر تلك المصادر أن "مناقشات لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع والأمن في البرلمان الدنماركي يجب أن تقدم لأعضاء البرلمان مسببات تلك المشاركة، كما حصل في 2014 حين انضمت الدنمارك إلى التحالف الأميركي الدولي لمواجهة (داعش)". ويظهر أن مؤيدي المشاركة من اليمين واليمين المتشدد اصطدموا برفض أغلبية البرلمان لمنح فريدركسن إمكانية المشاركة العسكرية.
وحتى قبيل الإعلان عن مساعي الأميركيين لتحقيق مشاركة عسكرية في جهود ترامب في الخليج تأهبت في كوبنهاغن جماعات معادية للفاشية وللسياسة الأميركية لاستقبال ترامب بتظاهرات منددة به وبسياساته وزيارته.
ويذكر أن الدنمارك شاركت في معظم الحروب الأميركية، ومنها أفغانستان وغزو العراق ومحاربة "داعش"، لكنها خلال الفترة الأخيرة وبفعل زيادة شعبية اليسار ويسار الوسط، واهتمام الشارع بقضايا التغيرات المناخية والبيئية أصبحت أكثر ميلا لرفض المشاركة في الحروب الأميركية. وتنشط في الشارع الدنماركي قوى وتيارات معارضة للحروب ولسياسات أميركا في مناطق مختلفة حول العالم، بما فيها المنطقة العربية، وإن كانت بعض تيارات اليسار المتشدد أميل إلى حروب روسيا من حروب واشنطن.
ورغم معارضة اليمين الدنماركي المتشدد لبيع غرينلاند للأميركيين، وتنديده اليوم الاثنين بتصريحات ترامب حيال زيارته وتدخله في شؤون البلد، إلا أن المصادر تذكر حماسة اليمين واليمين المتشدد (حزب الشعب الدنماركي) للمشاركة بإرسال فرقاطة عسكرية إلى مضيق هرمز وبضع مئات من الجنود إلى الشمال السوري لتعويض الانسحاب الأميركي.