اقرأ أيضاً: النظام يخسر قريتين استراتيجيتين بحماة ويردّ بقصف إدلب
لا يعاني الأهالي في اللاذقية من النزوح اليومي، بل على العكس. تستقبل المحافظة النازحين (البالغ عددهم بحسب تقديرات غير رسمية نحو مليون شخص) بصورة دائمة. لا قصف جوي أو بري هناك. ولا معارك أو مواجهات واشتباكات.
غير أنّ ذلك لا يدفع بالضرورة المكلفين بحفظ الأمن وحماية الأهالي من عناصر قوى الأمن ومليشيات "الدفاع الوطني" (الشبيحة)، إلى القيام بواجبهم وصون أمن المدنيين الموالين بمعظمهم للرئيس السوري بشار الأسد، بل على العكس من ذلك؛ فقد يتحولون إلى التسلط على رقاب الناس وتضييق عيشهم نتيجة الصلاحيات المطلقة التي يتمتعون بها.
ويبقى الهاجس الأكبر بالنسبة للأهالي توافر الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والمحروقات والاتصالات؛ فمن يتجول في محافظة اللاذقية بعد المغيب سيجد أن المحافظة تحولت في مدنها وقراها إلى أشباح، وغدت خاوية على عروشها، إلا من أصوات السكان القابعين في منازلهم. وباتت حكومة النظام عاجزة عن إنارة الطرقات في ظل التقنين الحاصل، فيما تبدو حتى الآن عاجزة عن إيجاد حلول للخدمات العامة، رغم الاستعانة بطهران تكراراً وتوقيع قروض ائتمان تشمل مجال الاستثمار والصحة والكهرباء والصناعة.
"اليوم اشتريت بطارية لهاتفي، فقال البائع لي اشحنها ثماني ساعات متواصلة، فضحكت وضحك البائع وضحك الزبائن وضحك وزير الكهرباء وانقطعت الكهرباء"، بهذه الكلمات الساخرة يلخص أبو خالد جزءاً مما يعانيه السكان في اللاذقية. ويشير إلى أن هذه العبارة الساخرة "أضحت متداولة بين معظم السكان، فقد تعودوا على الأمر، وهم يعلمون أن شكاواهم قد تلقى آذاناً صاغية، ولكنها لن تلقى حلولاً". ويضيف "يمكن اقتحام مكتب وزير الكهرباء عماد خميس، لكن من المحال أن يتجرأ أحد على انتقاد أحد من حاشية الرئيس، كبر هذا الشخص أم صغر".
يتحدث الرجل الأربعيني لـ "العربي الجديد" عن واقع المحافظة. ويقول "نعيش في واقع مزرٍ، أبرز ما نعاني منه هو انقطاع الكهرباء معظم اليوم، لأن توافر الماء لا جدوى منه في ظل انقطاعها، فنحن نحتاج إلى مضخة التشغيل. نشعر أننا نعيش في العصر الحجري. بدون الكهرباء، لا أستطيع أن أفعل شيئاً، وقد كان نظام التقنين قبل عيد الفطر ممثلاً بأربع ساعات انقطاع وساعتين تشغيل، أما بعد عيد الفطر، فتحول الأمر إلى خمس ساعات تقنين، وساعة تشغيل".
وحول الحلول الممكنة لهذه المشكلة، يجيب أحد العاملين في مدينة جبلة ويدعى بشار عن غياب الحلول في ظل الأسعار المرتفعة: "فلو أردت أن أشتري مولداً كهربائياً، فإنه يحتاج في الساعة الواحدة إلى ليتري بنزين، وسعر الليتر الواحد 150 ليرة. ولو أردت تشغيله فقط في الليل بمعدل خمس ساعات، فأنني أحتاج إلى 1500 ليرة، وأنا بالكاد أخرج بقوت يومي، ما يجعل الأمر محصوراً بالطبقة الغنية فقط"، مشيراً إلى أن معظم بيوت الأهالي تعتمد على المولدات الخاصة.
ولا يعاني الأهالي من مشكلة الكهرباء فقط، فأحياناً يُمنعون من تأمين قوتهم اليومي، وخصوصاً الصيادين؛ فقد أصدرت حكومة النظام قبل نحو شهر قراراً بمنع الصيادين من الخروج ليلاً في قواربهم، علماً أن معظم الصيادين يخرجون في الليل للصيد، وهو ما يعد محاولة أخرى لتضييق الخناق على السكان.
منطق السلاح
وليست الخدمات الأساسية ما يشغل أهالي محافظة اللاذقية، إذ بات حضور السلاح بشكل مكثف يؤرقهم، فضلاً عن وجود العائلات المتنفذة التقليدية، والتي لا تجد حرجاً في إخراج سلاحها في أي نزاع، لتجسيد سطوتها وقوتها.
ولعل الحادث الذي حصل أخيراً في حي المشروع السابع في مدينة اللاذقية يلخص واقع الحال، اذ تطور خلاف بين صاحب محل عقاري من عائلة إسماعيل وسائق يعمل لدى عائلة من بيت الأسد إلى ما يشبه حرب شوارع مدن، حيث أحضر كل من الطرفين مؤازرات، وبدأوا بتبادل إطلاق النار لنحو ثلاث ساعات، ليسفر الحادث عن مقتل طفل لحظة مروره من جانب المحل، وثلاثة أشخاص من العناصر المسلحة، وإصابة عدد آخر. ولم تنته المشكلة رغم تطويق قوات الأمن لمداخل ومخارج الحي، إلى أن وصل محافظ اللاذقية ومعه قائد الشرطة، للتوسط بين الطرفين.
بموازاة ذلك، بدأ يطغى الحضور القوي لمليشيات الدفاع الوطني، مقابل تخافت دور أفرع الأمن التقليدية مثل الاستخبارات الجوية والأمن السياسي والعسكري وأمن الدولة. والدفاع الوطني هو جيش رديف تأسس في أواخر عام 2012، لقمع الاحتجاجات الشعبية، بناء على اقتراح بتشكيل لجان من السكان المحليين للدفاع عن مناطقهم. ويقدّر عدده بنحو بـ 70 ألف عنصر من المتطوعين في كافة أنحاء سورية. وتوسع مفهوم الدفاع الوطني ليصبح قاعدة خلفية للنظام السوري يحمي قواعده من خلالها. كما يضم مقاتلين يشاركون في المعارك إلى جانب النظام. وخصصت لهذا الجيش مراكز تطويع ورواتب ومكافآت للمهام القتالية.
وسرعان ما أضحى دور مليشيات الدفاع الوطني يتحول إلى سيف مسلط على رقاب الناس، بحيث تصول وتجول في مدن المحافظة كيفما تشاء. وبحسب ناشطين من مدينتي اللاذقية وجبلة، فإن هذه المليشيات طلبت من التجار وأصحاب رؤوس الأموال تخصيص مبالغ شهرية كرواتب لمقاتلي الدفاع الوطني، بحجة أنهم يدفعون الشر عن المحافظة، فضلاً عن حملات السرقة والابتزاز. ولم يملك هؤلاء التجار سوى الخضوع، لأن تهمة الاعتقال قد تكون جاهزة؛ واستتبع كذلك فساد في معظم موظفي القطاع الحكومي؛ فموظف حماية المستهلك بحسب البقال أبو أحمد يأتي في كل أسبوع لشراء ما يلزم من حاجيات لأسرته دون أن يدفع قرشاً واحداً، مشيراً لـ "العربي الجديد" إلى أنه "لا يستطيع مناقشته، لأنه يدّون أي مخالفة يريدها، ويدفع مقابل ذلك أضعاف ما قد يأخذه في أسبوع".
تزايد الخطف
وقد شهدت محافظة اللاذقية خلال الأعوام الماضية تزايداً كبيراً في أعداد الخطف، وخصوصاً ضدّ الطائفة السنية، من قبل الشبيحة الذين كانوا يعمدون إلى خطف أبناء التجار وأصحاب رؤوس الأموال بغية الحصول على فدية مالية. وتطورت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة لتستهدف المسيحيين، بحسب ناشطين من اللاذقية.
وتقول الناشطة الإعلامية، بنان الحسن، لـ "العربي الجديد" إن "عناصر الشبيحة اتجهوا إلى خطف أبناء التجار والصاغة المسيحيين، وطلب فدية مالية كبيرة لتحريرهم. كما لجأت عناصر الشبيحة كذلك إلى مصادرة ممتلكات المعتقلين بعد إخطار عائلاتهم وتشميع معظم محالهم ومنازلهم بالشمع الأحمر، وذلك على الرغم من عدم الاعتراف بأن هؤلاء المعتقلين موجودون في سجون النظام".
يشار إلى أن محافظة اللاذقية تحوي ميناء كبيراً، ومعظم أراضيها تغطيها الغابات والبساتين ولها حدود مع تركيا ومع محافظة إدلب ومحافظة طرطوس. ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، وتملك الكثير من مناطق الاصطياف، التي تهدم بعض أجزائها في المناطق المحررة نتيجة قصف قوات النظام السوري.
اقرأ أيضاً: شركاء الحرب يتسابقون على كهرباء سورية