"قبل أن يستملكوا أرضنا عليهم أن يستملكوا قناعاتنا ورغباتنا التي لا تقدر بثمن"، يعلق عبد الرؤوف القرعان، الذي وقعت أرض عائلته ضمن الأراضي التي أعلنت الحكومة الأردنية عزمها استملاكها لأغراض مد أنبوب لنقل الغاز الإسرائيلي.
ففي 24 يناير/كانون الثاني، نشرت صحف أردنية إعلاناً صادراً عن دائرة الأراضي والمساحة لاستملاك واستئجار أراضٍ لأغراض وزارة الطاقة الأردنية، تمهيداً للشروع بمد أنبوب الغاز. وبموجب الإعلان سيصار إلى استملاك 344 دونماً و166 متراً، واستئجار 611 دونماً و763 متراً، غالبيتها أراضٍ زراعية، من بينها أرض عائلة القرعان الواقعة في قرية أبسر أبو علي التابعة لمحافظة إربد الشمالية. وحسب المعلن سيمتد الأنبوب من نقطة التزويد على الحدود الأردنية، بالقرب من معبر الشيخ حسين، ولغاية نقطة الربط في قرية الخناصري التابعة إلى محافظة المفرق شمال شرق المملكة، مخترقاً 18 قرية وبلدة أردنية، يمتهن غالبية سكانها الزراعة.
وقع الإعلان كان صادماً على عائلة القرعان، فالأنبوب يخترق أرضهم البالغة مساحتها 10 دونمات من المنتصف. ويقول عبد الرؤوف القرعان "يعني ذلك أن أرضنا ستموت. هذه الأرض يزرعها والدي، الذي ورثها عن والده الذي كان يزرعها أيضاً". وحسب المخططات سيتم استملاك دونمين ونصف الدونم من الأرض، في رقعة مزروعة بأشجار الزيتون المعمر، لكن ذلك يعني عملياً تدمير كامل مساحة الأرض، يقول عبد الرؤوف.
وقرية أبسر أبو علي، التي تبعد أقل من 20 كيلومتراً عن الأرض الفلسطينية المحتلة، كانت هدفاً للعدوان الإسرائيلي خلال الحروب العربية-الإسرائيلية، كما يروي سكانها، الذين يغضبهم اليوم أن تدمر أراضيهم لصالح مشروع يهدف لرفد خزينة دولة الاحتلال بأموال الأردنيين. وأبرمت شركة الكهرباء الوطنية، في 26 سبتمبر/أيلول 2016، صفقة مع شركة "نوبل إنرجي" الأميركية، مشغل حقل "لفيتان" للغاز الطبيعي قبالة السواحل الفلسطينية، ستستورد الشركة الأردنية بموجبها الغاز الإسرائيلي لمدة 15 سنة، اعتباراً من العام 2019، وبكلفة إجمالية للصفقة تبلغ 10 مليارات دولار. وفيما بررت الشركة الصفقة بأسباب اقتصادية، إذ أعلنت أنها ستحقق وفراً يتجاوز 300 مليون دولار سنوياً مقارنة مع الغاز الطبيعي المسال المستورد من الأسواق العالمية، يؤكد مناهضو الصفقة أن بواعثها سياسية بحتة، خصوصاً في ظل توفر بدائل للطاقة.
وسبق توقيع الصفقة وأعقبها أصوات مناهضة لرهن ملف الطاقة بيد العدو، ورفض تمويل آلة القتل الصهيونية من جيوب دافعي الضرائب الأردنيين. لكنها أصوات صمت الحكومة آذانها عنها، رغم عشرات الفعاليات الاحتجاجية التي نفذها مناهضو الصفقة تحت شعار #غاز_العدو_احتلال، لثني الحكومة عن المضي بتنفيذها. ويشعر عبد الرؤوف القرعان بالمرارة على نحو غير مسبوق، وهو يرى الألم الذي يعتصر والده السبعيني حزناً على أرضه. ويقول "من خير هذه الأرض درست أنا وإخواني. من دخل الموسم الزراعي كان والدي يدفع رسوم دراستنا الجامعية. أنا وأربعة إخوة وشقيقتان أنهينا دراستنا الجامعية، وبعضنا أكمل دراسات عليا من خير هذه الأرض". ويضيف "دون أن نتحدث في السياسة ومخاطر التطبيع مع العدو، ودون الخوض في موقفنا الرافض للتعامل مع العدو، نقول لهم فقط احترموا الأرض التي بفضلها أصبح في الأردن أطباء وعلماء ومتعلمون في جميع الاختصاصات". ويؤكد رفض عائلته لقرار الاستملاك، وعزمها الذهاب إلى أبعد خطوة في مواجهته، معتبراً أن ما يتعرضون له يتجاوز احتلال الأرض الذي عجزت عنه إسرائيل خلال الحرب، موضحاً "الآن يحتلون العقول والضمائر والرغبات".
وصنفت الصفقة ضمن الوثائق السرية للدولة. ورغم إقدام الحكومة، في مارس/آذار 2017 على تسليمها إلى مجلس النواب، فإنها ما تزال في غياهب السرية، نتيجة تهرب لجنة الطاقة النيابية من مناقشتها، بذريعة عدم توفر الترجمة العربية، الأمر الذي دفع مناهضيها لاتهام مجلس النواب بالتواطؤ على إخفائها. وفي قرية المنشية، الواقعة في الأغوار الشمالية، أول القرى التي سيخترقها الأنبوب، يسيطر القلق على عائلة نصر الله، حول مصير أرضهم البالغة مساحتها قرابة 200 دونم، والمزروعة بكاملها بالحمضيات. ويقول المهندس الميكانيكي، رامي نصر الله، "علمنا أنهم سيستملكون 12 دونماً من مساحة أرضنا لبناء محطة، إضافة إلى استئجار ما يعادل 550 متراً من واجهة الأرض لمرور الأنبوب". والأرض التي يمتلكها والد رامي واثنان من أعمامه، والمزروعة بالحمضيات منذ أربعينيات القرن الماضي، مهددة اليوم بالدمار. ويقول رامي "المحطة التي سيتم بناؤها والأنبوب سيتسببان بإفساد الأرض. من المؤكد أن لهما أضرارا ستطاول المحصول الزراعي بأكمله ولن تتوقف عند الأشجار التي ستقطع لتنفيذ المشروع". وعلمت العائلة عن نية استملاك أجزاء من أرضها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما زار المنطقة موظفون من وزارة الطاقة لأغراض مسحها تمهيداً لتحديد مسار أنبوب الغاز. ويقول رامي "أخبرناهم منذ اللحظة الأولى برفضنا للمشروع، كما أخبرناهم بوجود أراض قاحلة في القرية يمكن استخدامها للمشروع إذا لم يكن هناك مهرب من إلغائه". ويعبر عن استغرابه من الدراسات الهندسية التي أجريت لتنفيذ المشروع، مضيفاً، بخبرة المهندس، "ما يجري لا يمت للهندسة بصلة، المهندس يضع عشرات المخططات لتفادي الأضرار التي قد تنجم عن تنفيذ مشروعه. ما فعلوه استسهال يريدون منه تدمير ما تبقى من الأراضي الزراعية القليلة في الأردن".
ويشير رامي نصر الله إلى أن مخطط أنبوب الغاز يقع على مقربة من خط نفط الموصل-حيفا المتوقف عن العمل منذ حرب 1948. ويتساءل "لماذا لا يعتمد مسار خط النفط الواقع في أراضٍ تمتلكها الدولة لمد خط الغاز بدلاً من استملاك أرض زراعية وتدميرها"؟ ويؤكد "لن نستسلم للمشروع. تواصلنا مع محامين سنوكلهم بالقضية بهدف الحفاظ على أرضنا. وفي حال خسرنا حقنا برفض المشروع سنطالب عبر القضاء بتعويضنا عن جميع الخسائر التي ستطاول كامل الأرض وليس ما يريدون استملاكه واستئجاره". وتبنت حملة "الأردن تقاطع" عريضة إلكترونية كتبها المتضررون من المشروع، تدعو فيها الأردنيين على العموم وأهالي القرى والمدن والبلدات المقرر أن يخترقها أنبوب الغاز خصوصاً للتوقيع رفضاً للمشروع. ويقول ناشطون في حملة "BDS الأردن"، إن "الصفقة انتقلت من رهن ملف الطاقة بيد العدو إلى تدمير الأرض الزراعية في الأردن"، مؤكدين أن أسعار الأراضي ستتراجع بشكل كبير نتيجة للمشروع، وذلك رداً على أصوات قليلة باركت المشروع حالمة بارتفاع أسعار أراضيها "البخسة" بعد مرور أنبوب الغاز.