وبينما تدفع بروكسل باتجاه التزام بريطانيا بالقوانين الأوروبية، والقبول بالقوانين الجديدة التي يتم تشريعها في هذه الفترة، إضافة إلى سلطة محكمة العدل الأوروبية، يرغب المفاوض البريطاني في الاتفاق على الفترة الانتقالية، والانتقال إلى المفاوضات التجارية مع حلول شهر مارس/آذار المقبل.
ويعكس هذه الأجواء من التفاؤل الحذر استطلاع للرأي أجري لصالح صحيفة "إندبندنت"؛ فعلى الرغم من تراجع نسبة "المتشائمين" من المفاوضات، لا يزال ثلثا المستطلعة آراؤهم حديثاً يعتقدون بأن المفاوضات تسير بشكل سيئ، بينما يعارضهم الرأي ربع العينة.
وتأتي نتائج الاستطلاع هذا في وقت أطلق فيه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تصريحات حاسمة بعدم إمكانية حفاظ بريطانيا على وضعها الحالي في السوق المشتركة ومغادرتها الاتحاد الأوروبي في الوقت ذاته.
فقد صرح ماكرون لشبكة "بي بي سي" البريطانية، يوم أمس، أن أي علاقة تربط بريطانيا ببروكسل في المستقبل "ستكون حتماً أضعف مما هي عليه الآن". وأضاف أن "أوثق العلاقات الممكنة تكون في البقاء عضواً في الاتحاد الأوروبي".
إلا أن ماكرون ترك الباب مفتوحاً للمفاوضات لتحديد طبيعة العلاقة النهائية بين الطرفين: "يمكن الحصول على علاقات أوثق من غيرها. فمثلاً، نمتلك علاقة مع النرويج أوثق من تلك التي تربطنا بكندا. وهو ما يعتمد على حصيلة المفاوضات".
كما أن ماكرون ترك المجال مفتوحاً أمام صياغة اتفاق خاص ببريطانيا، بعكس الموقف المسبق الصادر عن الفريق الأوروبي المفاوض، والذي خيّر بريطانيا بين النموذجين النرويجي أو الكندي. فتيريزا ماي أعربت عن رغبتها في التوصل إلى علاقة خاصة ووثيقة تجمع بين النموذجين المطروحين، كون بريطانيا تنطلق من موقع تتوافق فيه مع التشريعات والقوانين الأوروبية الخاصة بالسوق المشتركة.
إلا أن البعض يرى في فسحة الأمل التي فتحها ماكرون في هذا الباب المغلق مجاملة لا تعني الكثير. ويذكّر هؤلاء بأن ماكرون كان قد أكد، خلال زيارته إلى بريطانيا أيضًا، أنه يجب عدم تقويض السوق المشتركة، وأنه لا يمكن أن تكون دولة عضواً جزئياً فيها، مشيراً إلى إمكانية منح ميزات السوق المشتركة للخدمات المالية البريطانية.
ولكن طبيعة عمل حكومة ماي، حتى الآن، أثبتت قدرتها على تجاوز العقبات أمامها، وإن كانت بصورة مخيبة للآمال. وهكذا فإن فتح باب التفاوض أمامها قد يسمح لها بتحقيق "بريكست" متواضع، في مكان ما بين النموذجين الكندي والنرويجي، وإن كان لا يرقى لآمال المعسكرين، المؤيد لـ"البريكست" والمعارض له.
أما من جهة "حزب العمال"، فكانت صحيفة "ذي غارديان" قد أجرت استطلاعاً آخر للرأي تستهدف فيه قاعدة الحزب الشعبية، وخلص إلى وجود تباين واسع بين رغبات مؤيدي الحزب وقيادته، وهو ما دفع عدداً من نواب الحزب إلى استنتاج عدم إمكانية منافسة "حزب العمال" على زعامة بريطانيا والحفاظ على موقف يخالف رؤية ناخبيه.
دلالة ذلك أنه بين جمهور الناخبين اليافعين، يرى 63 في المائة ضرورة تغيير موقف كوربن الحالي من عضوية السوق المشتركة والاتحاد الجمركي. حتى بين جمهور العمال الذي صوت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن 37 في المائة منهم يريدون من كوربن دعم البقاء في السوق المشتركة والاتحاد الجمركي، بينما يعارض ذلك 25 في المائة منهم. كما أن 51 في المائة من مؤيدي الحزب يدعمون إجراء استفتاء ثان حول صفقة "بريكست" النهائية، بينما يعارض هذه النقطة 23 في المائة.
وعلى الرغم من حالة الاعتراض هذه بين جمهور العمال، والذي بدأ يؤثر على مواقف نواب الحزب في البرلمان، لا يزال كوربن مصراً على موقفه الرافض لعضوية السوق الأوروبية المشتركة أو الاتحاد الجمركي، اللذين تتطلب عضويتهما الالتزام بحرية الحركة والبضائع والخضوع لسلطة محكمة العدل الأوروبية، كما يرفض أيضاً فكرة الاستفتاء الثاني على "بريكست".
وتتلخص سياسة "حزب العمال" الحالية حيال "بريكست" في الحفاظ على عضوية بريطانيا في السوق المشتركة والاتحاد الجمركي خلال الفترة الانتقالية بعد "بريكست" لفترة لا تتجاوز أربع سنوات. ويمكن لبريطانيا بعدها أن تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي على علاقة توفرها الميزات ذاتها التي تتمتع بها حالياً.