يُعتبر أحمد الجلبي، من أشهر الشخصيات السياسية العراقية المثيرة للجدل، وكان من أبرز المعارضين العراقيين المعروفين في الغرب، إبان حكم النظام السابق، وأصبح محل اهتمام محلليهم وساستهم. وسُلطت عليه الأضواء بعد أن اتهمته الولايات المتحدة بتقديم معلومات غير صحيحة زعمت أن نظام صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل، وعلى صلة مع "تنظيم القاعدة"، بغية الدفع بالولايات المتحدة إلى غزو العراق. وسرت، على نطاق واسع، أحاديث عن تواطؤ الجلبي مع إيران، وخداع الولايات المتحدة، وتسريب معلومات استخباراتية أميركية إلى طهران.
لطالما كان الجلبي عراب التحالفات خلال مسيرته السياسية المعارضة، وبفضل جهوده عقدت المعارضة العراقية مؤتمراتها في فترة التسعينيات، مثل مؤتمري صلاح الدين وفيينا. كما يمتاز الجلبي بشخصية عنيدة ميالة إلى المشاكسة والتحدي، ويصفه أنصاره بالرجل الذكي الذي استطاع بدهائه إسقاط أقوى نظام شمولي في القرن العشرين، في حين يصفه منتقدوه بـ"رجل الملفات السرية والمتلوّن والمتآمر والطائفي".
ولد أحمد عبد الهادي الجلبي عام 1944، في أسرة شيعية ثرية، يُقال إن جذورها فارسية. كان جده عضواً في أول برلمان عراقي ووزيراً للتعليم لدورات متعاقبة. غادرت أسرة الجلبي العراق بعد الإطاحة بالملكية في 1958، بسبب قربها من تلك العائلة.
تنقل الجلبي بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وخلال وجوده في الولايات المتحدة، درس الرياضيات في جامعاتها المرموقة وحصل على درجة الدكتوراه. وعمل أستاذا في الجامعة الأميركية في بيروت. وهناك تزوج من عائلة عسيران اللبنانية المعروفة. ومن بيروت، انتقل إلى العاصمة الأردنية عمان، وأسس بمعية قريب له بنك "بتراء"، الذي أصبح من أنجح البنوك في الأدرن. ولكن خلال الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى انهيار سعر الدينار في الأردن، كشفت الحكومة الأردنية أن الجلبي كان سبباً في هذا الانهيار، وأنه اختلس ملايين الدولارات من أرباح البنك، كما ادعت أنه استغل تردده على العواصم الأوروبية في العمل بتجارة الأسلحة. على إثر ذلك، هرب الجلبي من الأردن، وفي عام 1992، حكمت المحكمة الأردنية عليه غيابياً بالسجن لمدة 22 عاماً مع الأشغال الشاقة. وقد دافع الجلبي عن براءته متهماً النظام السابق بتدبير القضية ضده.
جهود حثيثة لإسقاط نظام البعث
وفي منتصف التسعينيات، استقر الجلبي في كردستان العراق، وشكل قوة عسكرية للعمل مع الأكراد لقلب نظام الحكم. لكن محاولته باءت بالفشل وقتل المئات من أتباعه وأعدم عدد منهم، بعد أن دهمت قوات الأمن مقراتهم في أربيل، وفر الباقون إلى خارج العراق، كان من بينهم الجلبي.
دأب الجلبي في هذه الفترة على إقامة صداقات مع شخصيات سياسية وأمنية بارزة ورجال أعمال في الغرب، خصوصاً مع مسؤولين أميركيين ومحافظين جدد في وزارة الدفاع الأميركية. وأصبح الجلبي محور العلاقة النشطة بين هؤلاء وبين قيادات المعارضة العراقية في الخارج.
وطيلة فترة حرب الخليج، ترأس أحمد الجلبي، خلال إقامته في لندن، "المجلس الوطني العراقي"، التنظيم السياسي الذي ضم حركات معارضة لنظام صدام حسين، وسعى معهم من خلال هذا التكتل إلى كسب الدعم المالي والسياسي لقلب نظام الحكم في العراق.
شارك الجلبي في خطة لقلب نظام الحكم السابق في العراق، أطلق عليها "خطة المدن الثلاث"، التي تهدف إلى الاستيلاء على مناطق هامة لعزل نظام صدام حسين، وذلك بانطلاق قوات عسكرية من الدول العربية المحيطة بالعراق. ولكنها لم تنفذ لأنها لم تلق ترحيباً قوياً من قبل الحكومات العربية.
العزلة والفشل وتبدل المواقف
ومع احتلال العراق في مارس/آذار 2003، كان الجلبي أول معارضي الخارج الذين دخلوا مع القوات الغازية، ترافقه ميليشيا تابعة له، قيل إنها تدربت على يد الأميركيين. يقول بعض الشهود، إن هذه الميليشيا دخلت مقرات الاستخبارات والأمن العراقية والقصور الرئاسية والمؤسسات المهمة، بحثاً عن وثائق ومعلومات استخباراتية تعود إلى النظام السابق ورموزه، وإنها مسؤولة عن إحراق وزارات عدة.
تولى الجلبي وزارة النفط في فترة الحكومة المؤقئة التي تشكلت بعد الاحتلال في 2004. ثم أصبح نائباً لرئيس الوزراء في فترة الحكومة الانتقالية (2005-2006). وفشل في الفوز بأي مقعد في انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2005، وحرم من الحصول على أي منصب في التشكيلة الحكومية. وجاءت هذه العزلة والفشل السياسي، بعد تدهور علاقته مع الأميركيين على إثر مداهمة قوات خاصة أميركية أحد مقراته بحثاً عن ملفات، زعم الأميركيون أنها تثبت أنه عميل لإيران، لكن يبدو أنهم لم يعثروا عليها.
وبدأ الجلبي يعوض عزلته وفشله السياسي بالتقرب من الزعامات الدينية الشيعية وحليفتهم طهران، وأخذ يكثر من زيارته إلى مراجع الدين الشيعة في النجف، وخصوصاً المرجع علي السيستاني.
يقول أحد شيوخ العشائر البارزين في العراق، الذين يعرفون الجلبي عن قرب، لـ"العربي الجديد": "صادف أن سألت الجلبي في أحد لقاءاتنا عن سبب تقربه من إيران وهو الليبرالي العلماني، فرد علي قائلاً: تصورتُ أنني سأنجح من دون الدعم الإيراني، ولكني فشلت، حتى إنني لم أتمكن من الحصول على مقعد واحد في الانتخابات (2005)، فاكتشفتُ عندها أن الذي لا تدعمه إيران، لا يمكن أن يصبح سياسياً ناجحاً في العراق".
وفي الانتخابات الأخيرة التي جرت في 30 أبريل/نيسان الماضي، انضم الجلبي، كعضو مستقل، إلى "كتلة المواطن"، التابعة لـ"المجلس العراقي الإسلامي الأعلى" بزعامة عمار الحكيم، المدعومة من طهران، وهي إحدى الكتل الرئيسة المنضوية تحت "الائتلاف الوطني" الشيعي، على الرغم من أنه يمتلك مقعداً واحداً فقط.
نقاط القوة
1- يعتبر من الذين عانوا من فترة حكم النظام السابق، وتضرروا من بطشه. ويرى كثيرون أن الجلبي ليس المسؤول عن احتلال العراق بخداعه الأميركيين، بل على العكس، يشدد هؤلاء على أن الأميركيين كانوا يخططون لغزو العراق منذ فترة طويلة، وأنهم استخدموا الجلبي ذريعة لغزو العراق.
2- بدأ الجلبي يحشد عدداً لا بأس به من الأنصار في الفترة الأخيرة، بعد أن شرع بكشف قضايا فساد مالية كبيرة داخل المنظومة الحكومية، خصوصاً لأن الفساد أصبح من أبرز المشاكل الخطرة التي يعانيها العراق.
3- رغم أن الأحزاب الشيعية الإسلامية المنضوية تحت "الائتلاف الوطني" تعلم أن الجلبي التحق بها للحصول على مكاسب سياسية، لكنها مع ذلك، ترى أنه شخصية ذكية لها علاقات طيبة بشخصيات ومؤسسات لها نفوذ كبير في الغرب، وطّدها الجلبي على مدى سنوات طويلة خلال عمله في المعارضة في الخارج.
4- يرى بعض المراقبين أن الجلبي مرشح محتمل لرئاسة الوزراء، لأنه لا يمتلك حزباً إسلامياً كبيراً. وكانت صحيفة "نيويوك تايمز"، قد نقلت، في عددها الصادر بتاريخ 30 يونيو/حزيران الماضي، عن مدير "مركز الدراسات الاستراتيجية" في كربلاء، أحمد شريفي، قوله إن الجلبي "مرشح قوي، لأنه لا يمتلك حزبا كبيرا (كبقية الأحزاب الشيعية المنضوية تحت الائتلاف الشيعي)، وهذا يجعل منه مرشحاً تكنوقراطياً والمستقل الوحيد داخل الائتلاف الشيعي". ويتابع أنه "لا يهم إذا كانت لديه ارتباطات مع وكالة الاستخبارات الأميركية، لا أحد يهتم بهذه الأمور الآن".
5- من خلال تصريحات المسؤولين الأميركيين، يُلاحَظ أنهم غيروا موقفهم العدائي تجاه الجلبي في الفترة الأخيرة، وأصبحوا يوافقون على ترشيحه، بل يبدو أنهم يعتبرونه من أنسب الشخصيات الشيعية المطروحة، لأنه عمل معهم لسنوات طويلة.
وكان المستشار في الحكومة العراقية، مازن الأشيقر، قد كشف في الأيام القليلة الماضية، أن "العلاقة بين الجلبي والأميركيين تحسنت كثيراً في الفترة الأخيرة"، وأن السفير الأميركي كان قد زار الجلبي عدة مرات في بيته في بغداد خلال الأسبوعين الماضيين. كما كشف أن "الجلبي التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال زيارة الأخير إلى أربيل قبل نحو أسبوعين، وذلك لمناقشة التطورات الأمنية الأخيرة في العراق".
من جهته، كان السفير الأميركي السابق لدى بغداد، جيمس جيفري، قد صرح لقناة "سي إن إن" الأميركية الثلاثاء الماضي أنه "في ظل الوضع الأمني المتردي في العراق، سنبارك أي مرشح جديد يستطيع أن ينقذ العراق، حتى وإن كان الجلبي". ويعزو مراقبون عدم ممانعة الغرب بتولي الجلبي رئاسة الوزراء، إلى كونه قد تعامل مع بلدانها لسنوات طويلة، وترى أنهما يتفاهمان بشكل جيد.
انتقادات ومآخذ
1- يتهمه بعض أعضاء حزبه باستغلاله الحزب من أجل طموحاته، وأنه احتفظ بأموال تقدر بمئات الملايين من الدولارات، كانت الولايات المتحدة قد منحتها للمعارضة العراقية في نهاية تسعينيات القرن الماضي، ناهيك عن استيلائه على عدد من قصور الدولة ومبنى المخابرات العراقية.
2- يحمّله البعض مسؤولية غزو العراق الذي أدى إلى الوضع الذي هو عليه من تدهور أمني، واقتتال ودمار.
3- لا يبدو أنه يحظى بدعم كبير من قبل المرجعية الدينية الشيعية في النجف، بل هو غير محبوب من طرفها، على الرغم من محاولاته الحثيثة التقرب منها وتشكيله تكتل "البيت الشيعي" الذي أصبح نواة الائتلاف الشيعي الحالي، ناهيك عن دفاعه عن الشيعة في العراق والعالم. ويبدو أن المرجعية لا تجد الجلبي الرجل الذي يحافظ على مصلحة الطائفة، لكونه غير إسلامي سياسياً. وفي هذا الخصوص، يتساءل رجل دين مقرب من حلقة المرجع الشيعي علي السيستاني، فضل عدم ذكر اسمه: "كيف لنا أن ندعمه وهو غير متدين ويشرب الخمر؟".
4- لا تزال الاتهامات حول اختلاسه مصرف البتراء الأردني، تطارده في ذاكرة العراقيين، على الرغم من دفاعه المستميت عن براءته ومرور سنوات طويلة على هذه القضية.
5- يعتبر بعض السنّة العرب أنه المسؤول عن تأجيج الطائفية بسبب تشكيله تكتل "البيت الشيعي"، ومن ثم انضمامه إلى "الائتلاف الوطني" الشيعي، على الرغم من خلفيته الليبرالية غير الإسلامية، فيما يصف البعض خطوته هذه بالوصولية، لأنه يرون اصطفافه الطائفي طريقة ناجعة للكسب السياسي.
6- كان الجلبي وراء قانون "اجتثاث البعث" الذي أقره الحاكم الأميركي للعراق، بول بريمر، بعد الاحتلال، والذي تستخدمه حكومة المالكي سيفاً مسلطاً على رقاب معارضيها، رغم أن الجلبي بدأ يطالب بإلغاء هذا القانون، من أجل "التقريب بين الطوائف"، على حد قوله. ويرى المراقبون أن دعوته هذه جاءت لمجرد الدعاية.