وأعلن الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، منذ البداية، انحيازه للأغلبية الصامتة ضد النُّخَب، واعترف بأن فترة حكمه كانت "في ظل أزمة غير مسبوقة"، ولكن ظروف فرنسا الحالية "سيئة وغير مسبوقة منذ عام 1945، وفي كل المجالات".
في المقابل، اعتبر الوزير السابق في حكومة ساركوزي، برونو لومير، أنّ النظام السياسي الفرنسي، أظهر فشله، ليضيف "أنا أمثّل التجديد والنهضة". فيما أكّدت المرأة الوحيدة المرشحة، ناثالي كوسيسكو موريزي، عن "تمثيلها لخطّ يميني، يمين التقدّم، وغير محافظ، وهو يمين مفتوح ومُشرَع على الوسط"، على حدّ قولها.
أما المرشح الذي يحتل الصدارة في كل استطلاعات الرأي، رئيس الحكومة السابق، آلان جوبيه، فأشهر "هويته السعيدة"، بعد سنتين كاملتين جاب فيها ربوع فرنسا للقاء الفرنسيين. في حين اقترح رئيس الحكومة الأسبق، فرانسوا فيون، طريقة أخرى للحكم، معتبراً أن بلاده في "حالة إفلاس وبيروقراطية خانقة، فرنسا بلد يتفكك"، مقترحاً إجراء تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة.
وأشهر الزعيم السابق لحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الذي تحوّل إلى حزب "الجمهوريون"، فرانسوا كوبي، سلاح "القطيعة الحقيقية مع الحكم اليساري، لأنها لم تتمَّ حين كنّا في الحكم"، معتبراً أنّ "فرض سلطة الدولة وهيبتها يجب أن يتم بواسطة مراسيم حكومية تُجنّب فرنسا تأثير النقابات وأي محاولة لشل البلد".
أما المرشح السابع ممثل "الحزب المسيحي الديمقراطي"، جان فريديريك بواسون، أعلن أنّه لم يشارك من قبل في ما يعتبره "تخلّي" اليمين، في الماضي، عن قيمه.
وإذا كان المتتبع الفرنسي للجزء الأول من هذا النقاش أتعبته لغة الاختلافات التي لا يكاد غير المتخصصين والخبراء يلمسونها، فإن الجزء الثاني من المناظرة، والذي خصّ قضايا الأمن والتهديد الإرهابي والمهاجرين ثم التجمع العائلي والإسلام والاندماج والتذويب، هو الذي شهد تنافساً ومزايدات بين المرشحين.
ولم يكن الأمر مثيراً للمفاجأة، فمثل هذه المواضيع هي التي لا تزال حاضرة في النقاش السياسي والإعلامي، ولا يبدو أنها مرشحة لمغادرة المشهد.
وكالعادة تميّز ساركوزي بمواقفه النارية، فذكّر الفرنسيين بمسؤولية تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عن مقتل أكثر من 200 فرنسي. كما دافع عن موقف سجن كلّ الخطرين في قائمة "س".
وتجنباً للوقوع في الخطأ الذي سبق وارتكبه، اعترف ساركوزي أنّ "مشكلتنا ليست مع الإسلام ولكن مع الإسلام السياسي"، مقترحاً "سحب المساعدات الاجتماعية من كل من ترتدي النقاب وعن ذوبان الوافدين الجدد في المجتمع الفرنسي"، مطالباً بوقف "التجمع العائلي".
بدوره، رأى برونو لومير أنّه يجب تطبيق "قضاء استثنائي" على كل شاب غير فرنسي يزور مواقع جهادية، وهو ما يعني الطرد الفوري، ساخراً من وضعية فرنسا كـ"تابع" للولايات المتحدة، إذ "لا مكان لنا في المفاوضات حول سورية".
وأظهر لومير قلقه الشديد من "الإسلام السياسي الذي لا يتوقف عن الانتشار، ولا يحترم ما نمثله كفرنسيين"، معتبراً النقاب "جنحة وسأحظره في حال وصولي للرئاسة لا سيما في الجامعات والمدارس". وأيّد تشديد الشروط بخصوص "التجمع العائلي"، وبأنّه "لا يؤمن بالهوية ولكن بالثقافة، والثقافة الفرنسية متحركة لكنها غير قابلة للتفاوض".
أما المرشحة كوسيكسو موريزي، طالبت بتوفير الوسائل القانونية لمحاربة السلفيين ووضعهم خارج القانون، مقترحةً فرض "ضريبة على اللحم الحلال".
كما اقترحت اللجوء إلى نظام الحصص في ما يخص المهاجرين، عبر خلق معايير خاصة، منتقدةّ "عدم طرد السلطات الأمنية لـ80 في المائة من طالبي اللجوء الذين تُرفض طلباتهم خارج فرنسا"، مشددةً على أنّها مع الهوية الوطنية فقط.
من جانبه، سخر فرانسوا كوبي من كل الاقتراحات التي يقدمها منافسوه حول الأمن ومحاربة الإرهاب، معتبراً أنّ الحل هو "توظيف 50 ألف شرطي ودركي ورجل قضاء، كوسيلة استثنائية لمواجهة حالة استثنائية تعرفها فرنسا".
وافتخر بأنّه كان وراء "التصويت على قانون حظر النقاب في الأماكن العامة"، مشدداً على أنّ "الجنسية الفرنسية لا يجب أن تمنح بصفة تلقائية، لمن ولد في فرنسا من أبوين غير فرنسيين".
أما جوبيه، فكانت مواقفه أكثر اعتدالاً، إذ في ما يخص الأشخاص الذين تعتبرهم الحكومة موضع شبهة، اقترح مراقبتهم وتتبعهم، وليس بالضرورة طردهم أو اعتقالهم، إلا الخطرين منهم.
ولفت إلى موقف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأخير من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبراً أنّه "غير مشرّف"، معرباً عن شكوكه بخصوص التحالف مع إيران إذ "يجب الحذر من الأمر لأنها متحالفة مع حزب الله ونظام الرئيس السوري بشار الأسد". وقال إنّه "مع الاندماج وليس مع التذويب، ويجب احترام تنوع المجتمع الفرنسي فهو ثراء".
من جهته، أيّد فرانسوا فيون "سحب الجنسية الفرنسية من كل المقاتلين في سورية والعراق وبتطبيق القانون الجنائي لمن يرتبط بعلاقة مع العدو، وطرد الأجانب الذين يهددون الأمن القومي"..
وأعاد التذكير بمواقفه المقربة من الروس، مضيفاً "يجب إرساء تحالف دولي، ومع روسيا وإيران"، مضيفاً "إنها الحرب، وفي سورية لا يوجد سوى طرفين الإسلاميون وغيرهم، وعلينا أن نكون مع هؤلاء".
كما طالب بـ"حظر السلفيين في فرنسا والإخوان وبحظر التمويل الأجنبي للمساجد في فرنسا"، معرباً عن تأييده لنظام الحصص في ما يخص استقبال المهاجرين.
في المقابل، كانت مواقف جان فريدريك بواسون متميزة عن منافسيه، وربما يفسر الأمر تمثيله لحزب غير حزب "الجمهوريون"، إذ رفض، بشكل حازم، فكرة اعتقال جميع من يمثل شبهة التطرف. وكان موقفه من العلمانية مختلفاً عن مواقف معظم منافسيه، فرأى فيها "ضماناً للحرية الدينية ولحياد الدولة"، ساخراً من رافضي البوركيني والحجاب "أنا لست مؤيّداً لشرطة الملابس، ولا أفهم حظر البوركيني".
واعتبر بواسون أنّ "الحضارة الإسلامية متناقضة مع الثقافة الفرنسية، وبالتالي فلدينا مشكل مع الإسلام، وليس مع المسلمين". وسخر من المنادين بمحاربة السلفية قائلاً "لكن كيف يمكن أن نعارض السلفية وهي فكرة"، طالباً من المسلمين أنّ "يتصدوا بأنفسهم لإنجاز إصلاحاتهم".
وعن جدل "الاندماج" و"التذويب"، اعترف أنّه لا يفهم ما المقصود منهما، متسائلاً في ما يخص حالة اليهود، "هل هم مندمجون أم مُذوَّبون في المجتمع الفرنسي؟!". وأظهر اختلافاً جوهرياً مع جوبيه، حين قال "لست مع الهوية السعيدة لأنها تعني مجتمعاً متعدد الثقافات، أريد فرنسا كريمة ومتفتحة، ولكن بثقافة واحدة".