لم يتغيب عن المحجّ اليهودي الفرنسي (العشاء السنوي)، هذه السنة، والذي ينظمه المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية، من القيادات السياسية الفرنسية المهمة غير ثلاثة مرشحين رئاسيين لم تُوجَّه إليهم دعوة العشاء، التي حضرها نحو 700 شخص في أحد فنادق مونبارناس الفخمة.
وهؤلاء الثلاثة هُم جاك لوك ميلينشون، الذي انتقد، جهارا، قبل أشهر، الدورَ المتعاظم للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في السياسة الفرنسية ومحاولة التأثير على السياسيين، ومارين لوبان، التي يعتبر انفتاحها الأخير على اليهود الفرنسيين وعلى إسرائيل وتبرؤها، حديث العهد، من تصريحات والدها العنيفة في ما يخص المحرقة، غير كاف، وإن "كانت على الطريق الصحيح"، كما صرح بعض ممثلي الجالية اليهودية في فرنسا، والثالث هو المرشح الإيكولوجي يانيك جادو، بسبب دعم الخضر الإيكولوجيين لحركة (بي دي إس BDS)، التي تدعو لمقاطعة إسرائيل.
وقد حضر الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند، ضيف الشرف، في هذا اللقاء السنوي الخامس والثلاثين، بحضور رؤساء جمهورية سابقين وحاضرين وأيضا من يتطلع منهم للحُكم، غدا، في إشارة إلى المرشحين الثلاثة الحاضرين، فرانسوا فيون وإيمانويل ماكرون وبونوا هامون.
وأعلن هولاند عن دعمه "لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين"، وأضاف "من دون دولة فلسطينية لن يكون هناك سلام. ولن يتمَّ فرض السلام أبدا من قبل المجتمع الدولي".
ولكنه طمأن الإسرائيليين بأن فرنسا "لن تَقبل نفي أو حتى مناقشة الحضور والتاريخ اليهودي في القدس"، إلا أنه اعتبر "البناء الإسرائيلي في القدس الشرقية استيطانا".
من جهته، كرّر رئيس المجلس اليهودي، فرنسيس خليفة، جزائري الأصل، والذي انتخب سنة 2016، ما قاله سلفه روجي كوكيرمان، قبل سنتين (يجب أن نقول الأشياء كما هي، وهو أن العنف في فرنسا يقترفه شباب مسلمون...)، وجرّ عليه غضب مسلمي فرنسا وبعض ممثليهم، من "حضور معاداة السامية لدى قسم متزايد من مسلمي فرنسا".
وأضاف خليفة بأن"نسبة تمثيل المعادين للسامية وسط مسلمي فرنسا، وفي أوساط ناخبي الجبهة الوطنية، وأيضا لدى ناخبي اليسار المتطرف، كبيرةٌ جدا"، ولهذا طالب "بوضع سدّ أمام مرشحي اليمين واليسار المتطرفين".
وقد استغل خليفة المناسبة لشنّ انتقاد لاذع ضد "الإسلاموية التي ستكون الحربُ ضدها طويلةً"، ولم يُخف دعمه التقليدي لإسرائيل وتبني مواقفها، كما يفعل مسؤولو المجلس التمثيلي للمؤسسة اليهودية في فرنسا، في كل مناسبة، وخاصة مواقف بنيامين نتنياهو.
وقال إن "من لديهم مشكلة في فرنسا مع اليهود ومع إسرائيل لديهم، تقريبا، مشاكل دائمة مع الديمقراطية ومع دولة القانون، والحريات الفردية"، مشدداً على أن إسرائيل "ديمقراطية ودولة قانون وبلد حريات، ولاحظ أن المشكلة الحقيقية في فرنسا تكمُنُ في النظر إلى إسرائيل، في كثير من الأوقات، باعتبارها دولة خارجة عن القانون".
وقد أثار موقف إقصاء ميلينشون ومارين لوبان من العشاء اليهودي السنوي، غضب وحفيظة ميلينشون، فعبّر عن صدمته، ورأى في موقف التجمع اليهودي منه "خطأ أخلاقيا وسياسيا"، كما رأى فيه موقفا "معاديا للجمهورية"، في حين أن "الجبهة الوطنية" رأت في استثنائها المُزمن من هذا العشاء السنوي "عشاء طائفيا وتمييزيا وعقيما".
وتجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء السنوي، الذي كان خجولا في بداياته، في الثمانينيات من القرن الماضي، أصبح محطة ضرورية لكل السياسيين الفرنسيين، من اليمين ومن اليسار، حيث ينصت فيها الحضور لخطب تمجّد سياسات إسرائيل وقياداتها، وتنتقد أحيانا مواقف رسمية فرنسية، دون أن يرف لهم جفن.