أكد باحثون وأكاديميون أنّ الحراك الشعبي الدائر في الجزائر، يتجاوز النخب السياسية، وتوقعوا أن يتواصل لمدة قد تصل إلى عامين، حتى يتحقق التحول الديمقراطي على أرض الواقع، وأشادوا بإجماع الجزائريين ضد أي طرح حول التدخل الخارجي.
جاء ذلك في ندوة نظمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، في مقرّه بالعاصمة القطرية الدوحة، اليوم السبت، بعنوان "آفاق الحركة الاحتجاجية ومستقبل التحول الديمقراطي في الجزائر".
وتناولت الجلسة الأولى "ديناميات الحركة الاحتجاجية في الجزائر"، وتحدّث فيها الأكاديمي المختص بالتاريخ الحديث والمعاصر ناصر الدين سعيدوني، حول الخلفية التاريخية للحراك الشعبي في الجزائر.
وأوضح أنّ "الثورة الجزائرية لم تكن قضية نخبة، ولم يكن لديها فكر نخبوي، فقد انطلقت من إرادة شعبية تجاوزت تلك النخب"، لافتاً إلى أنّ "المثقف الحقيقي الفاعل المغير المفجر للمجتمع الذي يرصد ضمير الأمة ويعبّر عنه، ويدفع الثمن مقابل ذلك، قلّما يوجد في الجزائر".
وذهب إلى أنّ "النخبة الجزائرية تعيش مأزقاً تاريخياً لا يمكن التهرّب منه، فهي ظرفية استهلاكية مرتبطة بدواعي الحكم، وهي نخبة هشة محاصرة بعيدة عن إجراء النقد الذاتي، بل هي متغربة عن مجتمعها وتعيش العزلة في المنفى".
وعدّد سعيدوني فوائد الحراك؛ "فقد تجاوزت الاحتجاجات العمل السياسي الحزبي والطرح الأيديولوجي الضيّق الذي يعوّل عليه النظام، وجاء التحرك على شكل إجماع وطني يخاطب الضمير الجمعي للجزائريين، ويتجاوز الأطر التقليدية كالزعامات وغيرها"، كما قال.
وخلص سعيدوني إلى أنّ "الحراك الشعبي أوجد حلولاً لمشاكل مزمنة، فقد وحّد كلمة الجزائريين وكان ذلك مستحيلاً، وأوجد بديلاً للشرعية الثورية التي لم يعد لها وجود بعد الاستقلال، وطريقاً للتحرك دون الاصطدام بالآلة العسكرية أو تفتيت الحراك، كما أوجد طريقة تتجاوز تزوير الانتخابات".
وتحت عنوان "بنية الحركة الاحتجاجية وقواها المجتمعية"، قدم الأستاذ بجامعة التكوين المتواصل بالجزائر نور الدين بكيس، مداخلة أكد فيها أنّ "الحراك الشعبي لم يكن وليد اللحظة، بل ثمة تحضير مسبق، لكن لم يكن أحد يعرف متى سينطلق"، مذكّراً بأنّ "المجتمع الجزائري كان دائماً يشهد آلاف الحراكات، ولم يكن هادئاً كما يظن البعض، فخلال السنة الماضية خرجت أزيد من ألف حركة احتجاجية"، معتبراً أنّ "الحراك الحاصل في السابق أقوى من الحراك الحالي".
وأشار بكيس إلى أنّه "في عام 2011 حدثت احتجاجات في 32 ولاية خلال ثلاثة أيام، وأسس لشيء جديد لم يحدث سابقاً في الجزائر، وهو استهداف المؤسسات التربوية والقضاء ومحاصرة مراكز الشرطة والمؤسسات الأمنية، وكأن الشارع يرى أنّ هذه الجهات كان لها تأثير سلبي في حياته".
وتطرّق إلى دور الملاعب الرياضية في الحراك، "والتي تحوّلت إلى موطن المحاكمة السياسية للنظام، وقد كانت المنتج لكثير من الشعارات التي تبناها الحراك الآن"، لافتاً إلى "استغلال أحداث الربيع العربي بشكل كبير في الجزائر".
كما ناقشت الجلسة الثانية "القوى الفاعلة في المشهد السياسي الجزائري"، وتناول الأستاذ المتقاعد في كلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر عمار جفال، "مواقف القوى الدولية والإقليمية ومصالحها".
وتحدّث عن "وجود علاقات عميقة بين الجزائر والصين وروسيا، واستمرار التناغم الأيديولوجي بعد الاستقلال"، مشيراً إلى "التعاون الاقتصادي مع الصين، واحتكار روسيا التسليح بالكامل".
وذكّر بأنّ "الاتحاد الأوروبي أصدر بياناً دبلوماسياً محايداً فور بدء الاحتجاجات في الجزائر، إضافة إلى تصريحات من قبل المفوضية تدعو إلى حرية التعبير والاجتماع، ولم يتجاوز رد الفعل ذلك".
وأشار المحاضر إلى أنّ "الموقف الفرنسي تجاه الحراك لم يكن راضياً عن عهدة خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ 2016، وبرز ذلك في إشارات غير رسمية أو شبه رسمية".
وقدم الخبير في القانون الدستوري الجزائري فوزي أوصديق، مقاربة قانونية ودستورية للحراك الجزائري، مشيراً إلى أنّ "أغلب الصراع الحالي هو صراع قانوني ودستوري"، موضحاً أنّه "من الناحية البنيوية ما يحدث هو حراك شعبي لاعتبارات عدة، فهو استكمال للمشروع الوطني الذي بدأ مع الثورة الجزائرية"، وطالب بـ"إيجاد حلول سياسية ذات طابع دستوري، وليس حلولاً دستورية ذات أثر سياسي".
وتمحورت الجلسة الختامية حول "مستقبل الانتقال الديمقراطي في الجزائر"، وقال أستاذ العلاقات العامة والإعلام بجامعة قطر محمد قيراط، إنّ "الوضع الحالي في انسداد، وثمة فراغ سياسي في الجزائر، رغم وجود نحو 67 حزباً سياسياً".
وأشار إلى "تحديات كبيرة يجب أخذها بعين الاعتبار"، مطالباً "النخبة السياسية بالتحرّك للعمل على الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي".
وقدّم الإعلامي والمعلّق الرياضي الجزائري حفيظ دراجي، مداخلة قال فيها إنّ "مكر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جعل الكثير منبطحين وخائفين ومتخوفين، عندما قال جملته الشهيرة: أنا الجزائر"، معرباً عن فخره بالحراك الشعبي، ومشيراً إلى أنّ "الوعي الجماهيري مكسب كبير لأنّه جعل من يفكّر في أن يتولّى منصباً في الجزائر، أن يعيد التفكير ألف مرة قبل أن يفعل ذلك".
وختم دراجي بالقول إنّ "الجزائر اليوم لن تكون كجزائر الأمس، وجزائر الغد لن تكون كالجزائر ما قبل شهرين، كل شيء سيتغير بسرعة".