وقال الإبراهيمي، في حوار مسجّل بثته الإذاعة الجزائرية، اليوم الإثنين، إنه يتحرك في الجزائر لحلحلة الأزمة السياسية، من دون أن تكون له أيّ صفة رسمية، مذكراً بأنه "ليس وسيطاً ولا مبعوثاً، ويبذل جهود مواطن جزائري قلقٍ على بلاده".
ورأى الإيراهيمي أنه "لا مخرج من الأزمة سوى بالحوار. الرئيس وضع خطة للخروج منها، وعلى الحكومة والشعب وضعها على الطاولة ومناقشتها".
وحذّر وزير الخارجية الجزائري الأسبق من التشدد في المطالب الشعبية المتصلة برحيل النظام ورموزه، من دون وضع ترتيبات منظمة وآمنة، مستدعياً في السياق الحالة العراقية، في إشارة إلى قانون اجتثاث حزب "البعث".
وقال الإبراهيمي، في هذا الصدد، إن "مطلب ارحلوا جميعاً هو الذي دمر العراق"، مشيراً إلى أنه إذا كان المقصود بذلك كل النظام، مؤسسات وأفراداً، فهذا يعني أن مطلب ارحلوا جميعاً يشمل الشرطة والأساتذة وعمال الإدارة". ورأى أن "المطالبة برحيل الجميع سهلة، لكن تطبيقها صعب، لأن الجزائر تحتاج إلى رجال يُبقون على الاستقرار والأمن، هل تريدون عراقاً آخر في الجزائر؟ صحيح أن الحالة الجزائرية مختلفة، لكن علينا الحذر".
ونفى الإبراهيمي عن نفسه أيّ صفة رسمية في مجمل الجهود واللقاءات السياسية التي يقوم بها مع عدد من الشخصيات والناشطين، وردّ على انتقادات حادة وُجهت إليه بشأن عدم اطلاعه الكافي على الوضع والمعطيات الصحيحة المتصلة بالمأزق في البلاد، قائلاً "لا أعرف الكثير عن الجزائر، ولكن لم أقاطع أبداً بلدي، لم تمر سنة من دون زيارتها".
وانتقد المبعوث الأممي بعض الشعارات التي تطالب بتجميد وحلّ الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، باعتبار أنه الأداة والجهاز السياسي الذي تدير من خلاله السلطة مؤسسات الحكم. وتساءل "لماذا يجب أن يرحل، والتعددية هي التي فشلت في احتواء الشارع والتأثير فيه، وليس حزب جبهة التحرير الوطني".
وغادر الإبراهيمي إلى العاصمة الفرنسية باريس لأسباب خاصة لم يعلن عنها، لكن مقرّبين منه أكدوا، في تسريبات خاصة لـ"العربي الجديد"، أنه أبدى استياءً لافتاً، بسبب معلومات وتقديرات موقف مغلوطة تمّت إفادته بها من قبل السلطة، وكذا سوء إدارة عمله الاتصالي وبرمجة مقابلات تلفزيونية له بشكل متواصل، قبل أن يقوم بالجهد السياسي الكافي مع الأطراف الفاعلة في الأزمة الراهنة، ما أعطى الانطباع للرأي العام في الجزائر بأن السلطة بصدد فرضه كخيار، وهو ما أفشل مهمته السياسية قبل بدايتها، وعرّضه لانتقادات حادة من قبل القوى السياسية والناشطين، وما ظهر من خلال تعبير المتظاهرين عن رفضهم له للعب أي دور في المستقبل السياسي للبلاد.
تصاعد التمرد داخل الحزب الحاكم
إلى ذلك، تتصاعد حالة التمرد داخل الحزب الحاكم في الجزائر، "جبهة التحرير الوطني"، على قيادة الحزب الموالية لبوتفليقة، ودخلت "الجبهة" في أزمة داخلية باتت تهدد كيان الحزب السياسي مع استمرار المطالبات بحلّه واستعادة "الجبهة" كرمز تاريخي وقاسم مشترك بين كل الجزائريين، لكونها قادت ثورة التحرير.
وأكد القيادي السابق في "جبهة التحرير" رشيد عساس أن عدداً كبيراً من قيادات وكوادر الحزب تسعى في الوقت الحالي للانقلاب على المنسق العام للحزب ورئيس البرلمان معاذ بوشارب، لكونه منسقاً لا يستند إلى أي شرعية، وتمّ تعيينه بطريقة غير قانونية.
وقال عساس لـ"العربي الجديد" إن "قيادات بارزة في الحزب عقدت اجتماعاً اليوم الإثنين في مقر الحزب بمنطقة البويرة شرقي الجزائر، وقررت بدء الخطوات القانونية لإنهاء هيمنة المجموعة الحالية على الحزب". وأضاف "نسعى لاسترجاع الجبهة من قبضة هذه المجموعة التى اختطفتها، عبر الدعوة إلى اجتماع عاجل للجنة المركزية وانتخاب أمين عام ومكتب سياسي بالصندوق، وفتح نقاش مسؤول حول الراهن السياسي واتخاذ الخطوات المناسبة بكل روح مسؤولية مهما كلفنا ذلك"، مشيراً إلى أن "الروح المسؤولة تعني الإقرار بالمسؤولية السياسية المشتركة مع الجميع، وضرورة الاستماع لمطالب الشعب".
"مباركة" للحراك الشعبي
وفي السياق، نشر قادة بارزون في الحزب بياناً، أعلنوا فيه "مباركة الحراك الشعبي ودعم كل مطالبه الشرعية والتبرؤ من جميع التصريحات الصادرة عن رئيس الهيئة غير الشرعية للحزب"، معتبراً أن "حزب جبهة التحرير الوطني هو جزء لا يتجزأ من الشعب، ويحيي وعي الجماهير وسلوكها الحضاري المعبر بكل صدق عن طموح الشعب الجزائري في بناء دولة ديمقراطية عصرية تسودها العدالة والحرية".
ودعا البيان اللجنة المركزية للحزب للاجتماع في دورة عادية، في القريب العاجل، من أجل انتخاب قيادة جديدة، خلفاً لبوشارب الذي يتولى تسيير شؤون الحزب منذ الاستقالة المفاجئة للأمين العام السابق جمال ولد عباس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وسبق هذه التطورات، عقد المنسق العام للحزب ورئيس البرلمان معاذ بوشارب اجتماعا مع إطارات في الحزب، شهد توترا ومشادات كلامية حملت فيها الإطارات قيادة الحزب مسؤولية استفزاز الشعب بتصريحات مثيرة، في إشارة الى تصريحات سابقة للأمين العام السابق للحزب جمال ولد عباس والمنسق الحالي معاذ بوشارب، بالغا فيها في تمجيد الرئيس بوتفليقة، وخلال الاجتماع تعهد بوشارب بعقد مؤتمر للحزب في شهر مايو/أيار المقبل لحل الأزمة الداخلية.
وقبل أسبوعين أصدر 100 من كبار قيادات الحزب الحاكم، بيانا طالبوا فيه باعادة تفعيل المؤسسات الشرعية للحزب، اللجنة المركزية والدعوة إلى انعقادها في أقرب وقت "بهدف إعادة الحزب إلى المناضلين"، وانتخاب قيادة شرعية وفقا لقوانين الحزب. كما أعلن عدد من القيادات والنواب في البرلمان والوزراء السابقين في الحزب استقالتهم من الحزب، واستبقت قيادة الحزب الحاكم في الجزائر، جبهة التحرير الوطني، الذي يرأسه الرئيس المنتهية ولايته عبدالعزيز بوتفليقة، ويشغل رئيس البرلمان معاذ بوشارب منسقه العام، هذا الوضع بقرار استرضائي للكوادر والقيادات حيث تم توسيع القيادة الحالية لحزب جبهة التحرير الوطني من خمسة أعضاء، إلى 22 عضوا.
وتتزامن الأزمة الداخلية مع تزايد الضغوط السياسية والشعبية لحل الحزب الحاكم او دفع قيادته لتغيير اسمه، وسحب اسم " جبهة التحرير الوطني" من المعترك السياسي، وتحويلها إلى رمز وقاسم مشترك محمي بنص الدستور، باعتبارها رصيدا وطنيا قادت ثورة التحرير، وإضافة إلى الشعارات التي يرفعها المتظاهرون في الحراك الشعبي ضد الحزب الحاكم، طالب 14 قياديا في الحزب أعلنوا استقالتهم من الحزب، بينهم عبدالقادر شرار وامحمد بوعزارة وعيسى خيري وبوعلام جعفر وحكيمي صالح ونادية حناشي وعبد الرحمن السهلي، رئيس الجمهورية المقبل، باسترجاع "جبهة التحرير الوطني كملك للأمة".