ويبدو واضحاً أن المستشارة، ومن خلال كلمتها عند إعلان ترشحها مجدداً، تدرك جيداً أن الوضع في الانتخابات المقبلة ليس كما السابق، في ظل الإغراءات والاستقطابات لاستمالة الناخبين من قبل الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحاكم وغيرها من أحزاب المعارضة، فضلاً عن دخول حزب اليمين الشعبوي البديل من أجل ألمانيا في منافسة مباشرة مع الأحزاب التقليدية، ونجاحه في الدخول إلى برلمانات عشر ولايات ألمانية، بعد أن كانت معاداة السامية وكراهية الأجانب عامل الجذب في حملاته الانتخابية. ومن المتوقع، في ظل الوضع السائد والشعبية المتدهورة للائتلاف الحاكم، أن يحصد اليمين عدداً لا يستهان به من مقاعد البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) مع استمرار الأزمات التي تعاني ألمانيا منها، ناهيك عن تغيّر التركيبة الحاكمة في عدد من الدول المؤثرة، مثل بريطانيا، والترقب الذي يسود الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في فرنسا والنمسا، والخوف من وصول الأحزاب اليمينية إلى الحكم، كما وخسارة رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، الاستفتاء المقرر في 4 ديسمبر/كانون الأول الحالي. ويأتي تدهور العلاقة مع تركيا وتهديد أوروبا بطوفان من اللاجئين ليشكل عبئاً إضافياً على المستشارة، خصوصاً بعد أن صوّت البرلمان الأوروبي أخيراً بوقف المفاوضات مع تركيا، ما اعتبر أنه رسالة سياسية قوية إلى أنقرة، علماً أن القرار لا يكتسب أي قوة ملزمة، لأن المفوضية الأوروبية هي التي تقود مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد.
في المقابل، لا يستبعد المراقبون احتمال فشل ميركل هذه المرة، ولأسباب عدة، لأنه، وبحسب هؤلاء، فإن المستشارة تكرّر وعودها التي سبق أن أعلنتها في العام 2013، وبالتالي فإن الاستراتيجية القديمة لا يمكن أن تعمل هذه المرة، لأن لديها معارضين من نوع آخر وأزمات أصعب، بدءاً ممن سيكون المرشح المنافس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وتمدد حزب البديل على مساحة البلاد، في وقت وصل فيه الأمر بنائبة رئيس البديل، بيتاريكس فون شتورش، للتهديد بتشكيل لجنة تقصي حقائق لمناقشة انتهاكات المستشارة للدستور عند وصول حزبها إلى البرلمان الاتحادي السنة المقبلة. وعليه فلا شيء مضموناً لميركل، على الرغم من أن مبادئها بقيت ثابتة، واستطاعت خلال العشر سنوات الأخيرة خفض عدد العاطلين من العمل من 4.8 ملايين إلى 2.5 مليون شخص. وتأتي قضية البطالة كموضوع أساسي في مهام ميركل وضرورة العمل على التخفيف منها مجدداً، كما وحماية فرص العمل والضمان الاجتماعي والأمن الداخلي، في ظل عدم الرضى لدى الناخب الألماني، بحيث تهيمن الهواجس الأمنية على قضايا البحوث والتنمية وحماية المناخ. من هنا لا بد، بحسب المراقبين، من البحث عما يعزز المصداقية، وذلك للرد على كل المنتقدين، ومنهم زعيم الحزب الديمقراطي الحر، كريستيان ليندنر، الذي اعتبر أن ميركل ليست بالمرشحة الجيدة، وأن الاتحاد المسيحي ربما يسحب ورقته الرابحة الأخيرة، فيما اعتبر حزب اليسار أن إعادة انتخاب ميركل هي إشارة إلى أنه لا تغيير في البلاد، وهذا ما يهدد مرة أخرى بإعادة تشكيل ائتلاف موسع، علماً أن الكثير من المطلعين يرون أنه لو عمد حزب ميركل لترشيح شخص آخر من حزبها فان خسارة المنصب واقعة لا محال.
الإعلام الغربي والأخبار الملفقة
ويعتبر خبراء في علم التواصل والإعلام أنه سيكون لوسائل التواصل الاجتماعي والأخبار "الملفقة" دور مؤثر في الانتخابات المقبلة. وأكدوا على ما قاله أخيراً رئيس هيئة حماية الدستور، هانس غيورغ ماسن، من أن الاستخبارات الألمانية تتخوف من تدخل روسيا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، باعتمادها أساليب مغرضة للتأثير على الرأي العام الألماني، مذكرين بحادثة اختطاف واغتصاب فتاة (13 عاماً) من الروس الألمان من قبل مهاجرين في برلين مطلع العام الحالي والاتهامات التي وجهت للحكومة والقضاء الألماني بشأن هذا الملف، واستفاد منها اليمين المتطرف للاحتجاج ضد السلطات، فيما تبين لاحقاً أن الفتاة لم تختطف أساساً. من هنا يؤكد المراقبون على أهمية التحدث في تلك الموضوعات أمام الرأي العام لتوضيح كل الأمور.
وتّتهم الدوائر الأمنية روسيا بدعم اليمين الشعبوي في بلدان الاتحاد الأوروبي، وتضليل الإعلام وتأليب الرأي العام من خلال بث الخوف من بعض القضايا، ومنها الهجرة واللجوء، باعتباره خطراً داهماً يهدد القارة الأوروبية لانتزاع ثقة المواطنين بحكومتهم، وهو ما لفتت إليه ميركل، في خطابها أمام البرلمان أخيراً، بقولها "يجب علينا التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها إذا اقتضى الأمر"، معربة عن "دعمها للائتلاف الحكومي للقضاء على خطاب الكراهية عبر شبكات التواصل". وفي هذا الإطار، يلفت المحللون إلى ضرورة مواجهة الشائعات الكاذبة، كما حصل في الانتخابات الأميركية أخيراً، حيث تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشرها، ناهيك عما حصل خلال استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وألمانيا ليست بمأمن من هذه الآثار بهدف التشويش على الحملة الانتخابية.
الاقتصاد ونوايا بريطانيا وأميركا
يتخوف خبراء اقتصاديون ألمان من السياسات الطموحة لبريطانيا التي تسعى لتخفيض معدلات الضرائب من أجل اجتذاب شركات، خصوصاً من دول مثل إيرلندا وقبرص ومالطا، وتهدف للتأثير على ألمانيا صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، في وقت تغيب الإرادة السياسية عن الاتحاد الأوروبي من أجل مواجهة المنافسة الضريبية المدمرة. ويأتي هذا في وقت يبقى الترقب سيد الموقف لما سيقدم عليه الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، وتطبيقه ما وعد به من فرض الضرائب على البضائع المستوردة، في وقت ما زالت أزمة اليورو تثقل دولاً أوروبية، منها اليونان وقبرص، وبالتالي فإن ألمانيا ستكون أكثر البلدان تأثراً، لأن اقتصادها يعتمد وبشكل أساسي على التجارة الخارجية، والولايات المتحدة من أهم الدول المستوردة للبضائع والسلع الألمانية. مع العلم أن ميركل انتقدت، خلال المناقشة العامة لسياسة الحكومة في البرلمان الألماني أخيراً، الخطوات التي من المتوقع أن يقدم ترامب عليها، متسائلة من المستفيد بالتحديد من هذه الخطوة. ويلفت الخبراء إلى أن تلك الخطوات سترفع من نسبة البطالة وإقفال للمصانع وتدهور القدرة الشرائية للفرد، ما سيساهم في حركة ونمو الأحزاب اليمينية المحافظة، ناهيك عن انهماك أوروبا، وعلى رأسها ألمانيا، في مواجهة مخططات ترامب لحلف شمال الأطلسي، وهذا ما سيكلف ألمانيا أعباء مالية إضافية، ما سيرتد سلباً على فذلكة الموازنة والتقديمات الاجتماعية.
أما ما يتعلق بلندن، فإن خبراء أوروبيين قللوا من أهمية ما ستقدم عليه رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، في موضوع الضرائب، معتبرين أنها محاولة يائسة للتعويض عن المساوئ التي نجمت عن انسحاب بريطانيا من السوق الأوروبية الموحدة، وأن هذه الخطة ليست بجديدة، وربما تهدف أيضاً إلى تسميم مفاوضات انسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي، في ظل التوقعات بانخفاض تقديرات النمو وبالتالي الخيبة من الخروج، علماً أن بريطانيا قد تكون مضطرة، قبل خروجها نهائياً، لدفع التزاماتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي، والتي قد تصل إلى نحو 65 مليار يورو، وذلك حسب ما ذكرت المفوضية الأوروبية أخيراً.