وقال وزير العدل، محمد أحمد سالم، الذي أودع المرسوم والأوامر الملحقة أمام الجلسة الطارئة للبرلمان، إنّ "حالة الطوارئ معنية في الأساس بمحاربة الممارسات الضارة بالاقتصاد، كتهريب السلع المدعومة والمحروقات إضافة للذهب، إلى خارج البلاد". وتعهد سالم بالتزام الحكومة الضوابط الدستورية والقانونية وعدم المسّ بالحريات ومنح حق التقاضي. وأوضح الوزير أنه تم إخطار الأمم المتحدة بالإعلان، مشيراً إلى أنّ الحالة سيتم إلغاؤها مباشرة متى انتفت الدواعي لذلك.
لكن عضو البرلمان كمال عمر، وصف في تصريحات صحافية الحيثيات المقدمة من الوزير بأنها "مشوّهة تماماً"، معتبراً أنّ "إعلان الطوارئ أنهى وثيقة الحوار الوطني، وقضى على الانتخابات، وتعدّى على الدستور ووثيقة الحريات، وعلى التعهدات والالتزامات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان". وأكّد عمر الذي يمثّل حزب "المؤتمر الشعبي"، الشريك في الحكومة، أنّ "حالة الطوارئ عادت بالبلاد للقرون الوسطى"، مبدياً دهشته مما اعتبره "خيانة" من قانونيين لمهنتهم بتقديم ذلك الحديث المشوه. وأوضح عمر أنّ حالة الطوارئ "تعلن في حالات استثنائية، مثل الأخطار الدائمة وانتشار الأوبئة"، معتبراً أنّ "الحكومة تستهدف بإعلانها الأخير للطوارئ الاحتجاجات الشعبية في الشارع".
وأجاز دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ عند حدوث أو استشعار أي خطر طارئ يهدّد البلاد، أو أي جزء منها، حرباً كان أم غزواً أم حصاراً أم كارثة طبيعية وأوبئة، أو يهدد سلامتها أو اقتصادها. وألزم الدستور رئيس الجمهورية في حالة إعلان حالة الطوارئ عرضها على الهيئة التشريعية القومية المكوّنة من المجلس الوطني ومجلس الولايات، خلال 15 يوماً من إعلانها، وإذا لم تكن الهيئة التشريعية منعقدة، فيجب عقد جلسة طارئة، وهو ما حدث أمس، إذ إن البرلمان دخل منذ مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي في إجازة، لكنه دُعي للجلسة الطارئة الحالية، اعتباراً من أمس.
كذلك أجاز الدستور لرئيس الجمهورية أثناء سريان حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب القانون أو الأمر الاستثنائي، أي تدابير لا تقيّد أو تلغي جزئياً أو تحدّ من آثار مفعول أحكام الدستور، بما في ذلك تعليق وثيقة الحقوق، من دون الانتقاص من الحق في الحياة أو الحرمة من الاسترقاق أو الحرمة من التعذيب أو عدم التمييز على أساس العرق أو الجنس أو المعتقد الديني أو حق التقاضي والحق في المحاكمة العادلة. كذلك أجاز الدستور للرئيس حلّ أو تعليق أي من أجهزة الولايات، أو تعليق أي سلطات ممنوحة للولايات.
وفي السياق، قال الخبير القانوني السوداني، ساطع الحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "من حق البرلمان رفض المصادقة على إعلان حالة الطوارئ، إذا لم تقتنع الأغلبية المطلقة، بالأسباب التي حددتها رئاسة الجمهورية لإعلان ذلك"، مشيراً إلى أنّه في تلك الحالة "يصبح الإعلان كأنه لم يكن". وأوضح الحاج أنه "من الممكن كذلك تقديم طعن دستوري ضدّ إعلان الطوارئ أمام المحكمة الدستورية، التي ستنظر بمدى انتهاك الطوارئ للحقوق الدستورية". وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإنّ مجموعة من المحامين السودانيين، المحسوبين على المعارضة، يدرسون حالياً فرص تجهيز مذكّرة طعن للمحكمة الدستورية ضد حالة الطوارئ، في حال مصادقة البرلمان عليها".
من جهتها، استبعدت رئيسة القسم السياسي في صحيفة "المجهر"، فاطمة مبارك، احتمال رفض الهيئة التشريعية القومية المصادقة على حالة الطوارئ، مشيرةً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّه وفق تركيبة البرلمان، يستحوذ حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم على الأغلبية الميكانيكية، لافتةً إلى أنه "رغم الحديث عن فكّ الارتباط بين الحزب والبشير، إلا أن نواب المؤتمر الوطني لن يتوانوا عن التصويت لصالح الطوارئ".
وأشارت مبارك إلى أنّه "حتى الكتل البرلمانية الأخرى، استبقت جلسات البرلمان بإصدار بيانات تأييد لكل قرارات البشير"، موضحةً أنه "ليس من الممكن أن يقدم البرلمان على رفض المصادقة، مع استمرار الاحتجاجات الشعبية والإضرابات والاعتصامات التي تدعو لها المعارضة".
وتوقعت مبارك فقط أن يقلّص البرلمان مدة الطوارئ المحددة سنة كاملة، كما جاء في المراسيم الجمهورية، إلى 6 أشهر، استرضاءً لحزب "المؤتمر الشعبي" الشريك الرئيس في الحكومة، والذي أيّد كل خطوات البشير الأخيرة باستثناء حالة الطوارئ.
وكان تحالف "إعلان الحرية والتغيير" المعارض قد تعهّد في بيان له بمواصلة الاحتجاجات الشعبية وأشكال الرفض كافة "حتى تكتمل الثورة وتحقّق أهدافها كاملة غير منقوصة في الحرية والسلام والعدالة وإعادة تأسيس وطن جديد". وكشف التحالف عن تكوينه ثلاث لجان لبناء المستقبل، هي لجنة لتطوير إعلان الحرية والتغيير والترتيبات الانتقالية، ولجنة لصياغة الدستور الانتقالي، ولجنة للسياسات البديلة والبرنامج الإسعافي.
كما أعلن "تجمّع المهنيين السودانيين" المعارض، أمس، عن تنفيذ حملات للتوعية بـ"أساليب المقاومة السلمية في العاصمة الخرطوم والولايات". وكان البشير أعلن حالة الطوارئ في 22 فبراير/ شباط الماضي لمدة عام، وأعقب ذلك بأوامر حظر بموجبها التجمع والتظاهر وتهريب عدد من السلع، وحدّد عقوبة بالسجن تصل لـ10 سنوات للمخالفين. وانتقدت المعارضة السودانية قرارات البشير، واعتبرتها محاولة لقمع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتنحيه، والتي لا تزال مستمرة في البلاد منذ 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
من جهة أخرى، دعا تحالف أحزاب 2020 إلى تشكيل مجلس انتقالي تحت قيادة البشير. وأوضح نائب رئيس التحالف، رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان السوداني، الطيب مصطفى، أن مقترح التحالف الذي سيدفع به للقوى السياسية يقضي بتأجيل الانتخابات العامة العام المقبل، على أن تشكل حكومة انتقالية مكونة من مجلس رئاسي ومجلس وزراء، تستمر لمدة عامين تجرى بعدها الانتخابات.
وأضاف مصطفى، وهو خال البشير، أن ما يجري في الشارع السوداني من احتجاجات مطالبة بتنحي الأخير، لا يمثل كل الشعب السوداني، محذراً مما جرى في دول الربيع العربي مثل اليمن وسورية وليبيا. يذكر أن تحالف 2020 يتكون من أحزاب شاركت في حكومة الوفاق الوطني الأخيرة.