في هذا السياق، تضمنت كلمة البغدادي هجوماً على السعودية وتركيا والإخوان المسلمين وفصائل المعارضة السورية في حلب، ووصفهم بالكفر والردة. كما كان معظم كلمته المسجلة موجهاً لمقاتلي التنظيم، لرفع معنوياتهم، على الرغم من التراجع الأخير في العراق وسورية. وهاجم البغدادي أبناء الطائفة السنية في العراق، واتهمهم بـ"الذلة والمهانة"، مؤكداً ألا خيار أمامهم إلا "دعم دولة الخلافة" أو التعرض لـ"إجرام الحشد الشعبي"، من دون أن يسمّيه.
وعلى عكس كلمة أبو محمد العدناني، المواكبة لمعركة الفلوجة العراقية، قبل أشهر، لم يحاول البغدادي في كلمته تهيئة عناصر "داعش" لخسارة الموصل، بل على العكس من ذلك، أكدت الكلمة أهمية المعركة، وحشد عناصر التنظيم لخوضها.
وكانت تقارير إعلامية قد نشرت في وقت سابق، معلومات متضاربة حول موقف تنظيم "داعش" من معركة الموصل، بين تقارير أكدت نقل التنظيم لمقاتليه من سورية إلى العراق، للدفاع عن الموصل، وسط تقديرات لوجود ما بين خمسة وستة آلاف مقاتل في المدينة، في مقابل تقارير أخرى معاكسة، كانت تلمح إلى تسليم التنظيم للمدينة، استجابة لدعوات رجال دين محليين، ولتجنيب المدنيين الموت، والمدينة الدمار. لكن البغدادي قطع كل ذلك، من خلال التسجيل الأخير، بتأكيده أن "داعش سيحتفظ بالمدينة".
وتكتسب الموصل أهمية مضاعفة بالنسبة للتنظيم، باعتبارها ثاني أكبر المدن العراقية، وأكبر المدن التي يسيطر عليها. وتفوق بذلك أهمية الفلوجة التي خسرها التنظيم قبل أشهر. ويمكن من خلال كلمة البغدادي التنبؤ بمعركة طويلة في الموصل، إذ من الواضح أن "داعش" لن يتخلى عنها بسهولة.
وكان لافتاً في خطاب البغدادي هجومه على أبناء الطائفة السنية في العراق، الذين من المفترض أنهم "رعايا دولة الخلافة"، حسب رأيه، الأمر الذي يشير إلى صحة التقارير التي تشير إلى تململ السنة العراقيين من التنظيم، وعملهم ضده، حتى في الأماكن التي يسيطر عليها. وحاول البغدادي تبيان ألا خيار أمام سنة العراق إلا التعرض للإبادة على يد مليشيات "الحشد الشعبي"، في حال تخليهم عن "دولة الخلافة".
وقال في هذا الصدد: "ألا ترون الرافضة (في إشارة إلى الحشد الشعبي والحكومة العراقية) يغزون بلادكم بحجة محاربة الدولة الإسلامية، ثم لا يبرحون حتى يقتلوا رجالكم ويأسروا نساءكم وذراريكم"، في إشارة إلى الجرائم التي ارتكبتها مليشيات الحشد الشعبي في المناطق التي تم تحريرها من داعش في الأنبار. واعتبر أن "أهل الموصل سينالون المصير ذاته"، إذا خسر التنظيم "معركة الدفاع عن المدينة".
وسعى البغدادي إلى استثمار الاحتقان الطائفي في المنطقة، بالحد الأقصى، محاولاً التحشيد حول "دولة الخلافة"، لا في الموصل فقط، بل على امتداد المنطقة. وظهر ذلك بقوله: "أنظروا إلى راياتهم وهم يقاتلونكم. اسمعوا شعاراتهم وهم يحيطون ببلادكم، تأملوا في صنيعهم حين يخرجونكم من دياركم. اسمعوا نداءاتهم وهم يصرخون بالدعوة إلى غزو أراضي السنة كلها، من عراقكم إلى شامكم إلى نجدكم بل إلى يمنكم".
قدم البغدادي نفسه، و"داعش"، باعتباره "الممثل الوحيد للطائفة السنية"، والقادر على الدفاع عنهم. وهنا منح لنفسه هذه الشرعية من خلال أمرين: إقامة الخلافة "التي يجب على المسلمين الخضوع لها"، بحسب أدبيات التنظيم، ومهاجمة الدول والجماعات الأخرى التي يمكن أن تنافسه في "دور الدفاع عن الطائفة السنية في المنطقة". لذلك بعد أن تحدث عن "الجرائم التي ترتكب في حق السنة في العراق وسورية"، عمد البغدادي إلى مهاجمة السعودية وتركيا، وجماعة الإخوان المسلمين، والفصائل السورية المقاتلة في حلب، باعتبار هذه الجهات "تتبنّى خطاباً مدافعاً عن السنة في المنطقة".
في هذا الصدد، قال البغدادي: "لقد مارس زعماؤكم في المنطقة أحط وأحقر صور الخيانة عرفها التاريخ، فباعوا القضية وسلموا أمركم وأرضكم إلى عدوكم". وحرّض على تركيا، وحث عناصر التنظيم على مقاتلة الجيش التركي في سورية، ونقل المعركة إلى الداخل التركي. وفي هذا السياق، لفت إلى أن "تركيا دخلت اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادكم، فاستيعنوا بالله واغزوها واجعلوا أمنها فزعاً ورخائها هلعاً ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة"، واصفاً النظام التركي بـ"النظام الكافر العلماني"، وأفراد الجيش التركي بـ"المرتدين".
وهاجم البغدادي السعودية، داعياً إلى استهداف رجال الأمن والشرطة والإعلاميين والوزراء. كما هاجم الإخوان المسلمين، وكفّرهم، واعتبر أن "الإخوان المرتدين رأس حربة مسموم يحملها الصليبيون لحرب الخلافة، فلم تقتصر على شركها بالله في الدساتير والتشريعات الباطلة، بل غدت ذراعاً عسكرياً وثيقاً في منظومة التحالف الصليبي على الإسلام وأهله".
وكان الحزب الإسلامي في العراق، التابع للإخوان المسلمين، داعماً لعمليات تحرير الموصل، الذي أعلن انطلاقها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، ويشارك فيها الحشد الشعبي، جنباً إلى جنب، مع الدعم الأميركي المقدم عبر التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، والمليشيات الكردية.
وكانت السعودية وتركيا رفضتا مشاركة "الحشد الشعبي" في عمليات تحرير الموصل، باعتبارها "مليشيات طائفية ترتكب جرائم بحق المدنيين". لذا عمد البغدادي لانتقاد كل من الرياض وأنقرة، ليظهر أن موقفهما السياسي ضد "الحشد لا يجعلهم مدافعين عن السنة في العراق وسورية".
من المثير للانتباه في خطاب البغدادي، تأكيده على أهمية "السمع والطاعة" لقادة التنظيم، وإشارته إلى أهمية الثبات في المعارك، ما يعطي مصداقية للتحليلات التي تشير إلى صعوبات يواجهها التنظيم في التحكم بأماكن سيطرته في سورية والعراق، وأن هناك محاولات لتحدي سلطته. وأعلن في هذا الإطار أن "النزاع مدعاة للفشل وتسلط العدو، والاختلاف سبب للشر ووقوع العداوة بينكم. إياكم والاختلاف على أمرائكم. اسمعوا لهم قربة وأطيعوا لهم عبادة".