تدل الأحداث المتسارعة في ليبيا على أن مراحل خارطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، قد سقطت، ولم تتبقَ منها إلا المرحلة الأخيرة المتمثلة بالانتخابات. فقد فشلت الجهود المكثفة لتعديل الاتفاق السياسي بهدف إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، فيما يبدو أن المرحلة الثانية المتمثّلة في عقد مؤتمر وطني جامع، تشظّت إلى مسارين، أحدهما تُحضّر له الأمم المتحدة، والآخر تصرّ أطراف ليبية داخلية على التحضير له وعقده بعيداً عن المنظمة الأممية.
لكن الانتخابات التي تمثّل أمل الليبيين الوحيد حالياً بحل سياسي للأزمة، تمرّ أيضاً بخلافات بين الأطراف القديمة نفسها، فمجلس النواب في طبرق الذي ماطل لسنتين لعرقلة تنفيذ الاتفاق السياسي وطالب بتعديله، عاد ليعلن بشكل مفاجئ قبل أسبوعين عن فشل جهود تعديله، مطالباً بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وعزا رئيس لجنة الحوار في مجلس النواب، عبد السلام نصية، أسباب مطالبة المجلس بالانتخابات إلى تعثّر جهود تعديل الاتفاق السياسي. وقال نصية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك إصراراً من قِبل بعض أعضاء المجلس الرئاسي على البقاء في مناصبهم بالمجلس، فما الجدوى من إعادة تشكيله، وبالتالي فخيار الذهاب إلى الانتخابات سيكون هو السبيل الأفضل حالياً"، مضيفاً أن الانتخابات ستسهّل طريق إنتاج أجسام سياسية جديدة بكوادر ووجوه أخرى وستكون فيها الكلمة للشعب.
ويقترح مجلس النواب، بحسب نصية، أن تجري الانتخابات على أساس الدستور بعد الاستفتاء عليه، أو على أساس مقترحات لجنة فبراير التي أقيمت على أساسها الانتخابات البرلمانية السابقة منتصف عام 2014، بعد أن تتولى لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة إجراء تعديلات طفيفة على مقترحات لجنة فبراير. لكن نصية رأى أن المسار الثاني أقرب للتحقيق، فـ"الوقت لا يسمح بإقامة انتخابات على أساس الدستور، لأن الاستفتاء عليه يحتاج وقتاً لإنشاء قانون استفتاء، ثم إن إقراره من قبل الشعب أمر غير مؤكد فربما يُرفض وبالتالي سنحتاج وقتاً أطول لإعادة صياغته مجدداً".
أما مجلس الدولة، فلا يزال يتحفّظ على التوجّه إلى الانتخابات من دون أساس قانوني، فمقترحات لجنة فبراير حكمت المحكمة العليا ببطلانها في سبتمبر/أيلول 2014، وهو الحكم الذي عاد بموجبه المؤتمر الوطني وقتها للواجهة السياسية مجدداً بعد بطلان انعقاد جلسات مجلس النواب في طبرق، بحسب رئيس لجنة الحوار عن مجلس الدولة فرج موسى. وقال موسى في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "إجراء انتخابات على أساس الدستور بعد الاستفتاء عليه لا يمثّل سنداً قانونياً فقط، بل يُمكّن البلاد من الخروج من الوضع الانتقالي إلى حالة الاستقرار الدائم، بالإضافة إلى أن الدستور ضامن لنتائج الانتخابات وملزم لكل الأطراف بقبولها".
اقــرأ أيضاً
الخلاف القانوني الذي عبّر عنه نصية وموسى، يشبه إلى حد كبير الخلاف السابق حول الاتفاق السياسي الذي تعثّر تنفيذه، على الرغم من أن كل الأجسام السياسية الموجودة الآن (مجلس النواب، مجلس الدولة، المجلس الرئاسي) تستمد شرعيتها منه.
وبالإضافة للخلاف حول الأساس القانوني للانتخابات المقبلة، فالمرحلة الراهنة لا تزال تحتفظ بالعوامل المعرقلة السابقة نفسها، على رأسها طموح اللواء خليفة حفتر بالحسم عبر السلاح. كما أن أسباباً جديدة بدت تطفو على السطح ممثلة في غياب الأحزاب التي قد تفرز وجوهاً سياسية جديدة، مما يتيح المجال أمام عودة شخصيات جدلية إلى المشهد، ومنها سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، والذي تناقلت العديد من المصادر معلومات عن رغبته في الترشح للانتخابات المقبلة.
ولا يتوقع المحلل السياسي الليبي، جمعة بوسعدة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يتقدّم حفتر للترشح لشغل أي منصب سياسي فـ"حظوظه بدت ضئيلة في الآونة الأخيرة، مع تهاوي شعبيته أخيراً لا سيما في شرق البلاد، إضافة إلى وجود نصوص في الدستور المنتظر الاستفتاء عليه تحوي موانع قانونية تحد من رغبته في الترشح"، موضحاً أن حفتر يحمل الجنسية الأميركية والدستور يمنع مزدوجي الجنسية من شغل مناصب سياسية في البلاد. كما أن نصوص الدستور تفرض على العسكريين التخلي عن مناصبهم العسكرية قبل الترشح في مدة لا تقل عن السنتين.
ولفت بوسعدة إلى خطاب حفتر الأخير بعد عودته من رحلته العلاجية في باريس، والذي استخف فيه بمبادئ الديمقراطية والانتخابات، بل أكد أن "الجيش هو من سيحقق آمال الليبيين واستقرار بلادهم"، مديراً ظهره لكل الجهود السياسية الحالية عبر شن حرب جديدة على مدينة درنة، بحسب بوسعدة.
ورأى المحلل السياسي أن "أهم تحديات الانتخابات المقبلة غياب الأرضية اللازمة لها، إذ تغيب الأحزاب التي يمكن أن تقدّم مرشحيها، وحتى الآن لم نسمع عن أية شخصية مستقلة عرضت برنامجها الانتخابي، وبالتالي فالوقت لم يعد يسمح بكل هذا، كما أن الاستفتاء على الدستور ومن ثم الانتظار حتى يقدّم المرشحون أنفسهم وإجراء الانتخابات بعدها سيستغرق وقتاً أكثر مما تبقى من هذا العام"، مشيراً إلى أن إمكانية إجراء الانتخابات هذا العام أمر شبه مستحيل.
واعتبر بوسعدة أن الخلاف بين مجلسي النواب والدولة يتجه إلى تمديد فترة الأزمة مع تعنّت كل منهما في مطالبه. وحول نجل القذافي، قال "لا تختلف حظوظ سيف الإسلام عن حظوظ حفتر، فأنصار والده وقاعدته الشعبية متشظية بشكل كبير، كما أن القبول به في أي منصب سياسي سيواجَه بالرفض من قبل معارضي نظام والده وهم كثر"، متسائلاً عن وضعه القانوني، فهو ملاحق من قبل القضاء المحلي والمحكمة الجنائية الدولية.
في المقابل، رأى الصحافي والمحلل الليبي، الجيلاني ازهيمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العراقيل القائمة لن تصمد أمام الإرادة الدولية التي بدأت تتجه للضغط بشكل كبير على الأطراف المحلية للقبول بالانتخابات. وعرض ازهيمة مثالاً على ذلك بلقاء رئيس حكومة الوفاق فائز السراج مع القائمة بأعمال السفارة الأميركية في تونس ستيفاني ويليامز قبل أيام، مشيراً إلى أن "السراج المدعوم دولياً أكد أن لقاءه بويليامز انتهى إلى الاتفاق على ضرورة وجود قاعدة دستورية متينة للانتخابات والخروج من مرحلة الانتقال السياسي"، معتبراً أن ذلك يعني انتخابات على أساس الدستور لأنه الأساس لخروج البلاد من مرحلة الانتقال السياسي.
وعن مواقف الفرقاء المحليين، قال ازهيمة "اعتدنا على وجود مشاورات وضغوط تجري في الكواليس، وترجيحي أن عودة واشنطن بقوة للملف الليبي أخيراً تعني أنها تمتلك رؤية ربما ستفرضها على الأقل على المؤثرين الإقليميين كمصر والإمارات، وبالتالي لا قيمة لآراء الفرقاء الداخليين المرتبطين بالأطراف الإقليمية". ولفت إلى أن "لقاء رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري لأول مرة بلجنة توحيد المؤسسة العسكرية في حكومة الوفاق يوم الأربعاء الماضي يعكس بشكل واضح وجود تغييرات في المشهد العسكري دفع بمجلس الدولة للانخراط في لقاءات القاهرة التي تشارك فيها هذه اللجنة لتوحيد مؤسسة الجيش"، لافتاً إلى أن الجميع يقر بأن عقبة التوافق السياسي والخروج من الأزمة تتمثل في وجود حفتر.
ورجح ازهيمة أن يكون داعمو حفتر الإقليميون "فقدوا الثقة في وضعه الصحي، وبالتالي لا يمكنهم المجازفة بالتورط أكثر معه، ولذا فإن بديلاً عنه سيبرز قريباً بكل تأكيد"، معتبراً أنه "مع زوال عقبة حفتر الأولى والوحيدة في المشهد الليبي، ستختفي كل الموانع القانونية والسياسية"، مشيراً إلى التقارب الذي حدث بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، في الرباط المغربية، حين غاب حفتر لأيام فقط عن المشهد.
وعزا رئيس لجنة الحوار في مجلس النواب، عبد السلام نصية، أسباب مطالبة المجلس بالانتخابات إلى تعثّر جهود تعديل الاتفاق السياسي. وقال نصية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك إصراراً من قِبل بعض أعضاء المجلس الرئاسي على البقاء في مناصبهم بالمجلس، فما الجدوى من إعادة تشكيله، وبالتالي فخيار الذهاب إلى الانتخابات سيكون هو السبيل الأفضل حالياً"، مضيفاً أن الانتخابات ستسهّل طريق إنتاج أجسام سياسية جديدة بكوادر ووجوه أخرى وستكون فيها الكلمة للشعب.
أما مجلس الدولة، فلا يزال يتحفّظ على التوجّه إلى الانتخابات من دون أساس قانوني، فمقترحات لجنة فبراير حكمت المحكمة العليا ببطلانها في سبتمبر/أيلول 2014، وهو الحكم الذي عاد بموجبه المؤتمر الوطني وقتها للواجهة السياسية مجدداً بعد بطلان انعقاد جلسات مجلس النواب في طبرق، بحسب رئيس لجنة الحوار عن مجلس الدولة فرج موسى. وقال موسى في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "إجراء انتخابات على أساس الدستور بعد الاستفتاء عليه لا يمثّل سنداً قانونياً فقط، بل يُمكّن البلاد من الخروج من الوضع الانتقالي إلى حالة الاستقرار الدائم، بالإضافة إلى أن الدستور ضامن لنتائج الانتخابات وملزم لكل الأطراف بقبولها".
الخلاف القانوني الذي عبّر عنه نصية وموسى، يشبه إلى حد كبير الخلاف السابق حول الاتفاق السياسي الذي تعثّر تنفيذه، على الرغم من أن كل الأجسام السياسية الموجودة الآن (مجلس النواب، مجلس الدولة، المجلس الرئاسي) تستمد شرعيتها منه.
وبالإضافة للخلاف حول الأساس القانوني للانتخابات المقبلة، فالمرحلة الراهنة لا تزال تحتفظ بالعوامل المعرقلة السابقة نفسها، على رأسها طموح اللواء خليفة حفتر بالحسم عبر السلاح. كما أن أسباباً جديدة بدت تطفو على السطح ممثلة في غياب الأحزاب التي قد تفرز وجوهاً سياسية جديدة، مما يتيح المجال أمام عودة شخصيات جدلية إلى المشهد، ومنها سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، والذي تناقلت العديد من المصادر معلومات عن رغبته في الترشح للانتخابات المقبلة.
ولا يتوقع المحلل السياسي الليبي، جمعة بوسعدة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يتقدّم حفتر للترشح لشغل أي منصب سياسي فـ"حظوظه بدت ضئيلة في الآونة الأخيرة، مع تهاوي شعبيته أخيراً لا سيما في شرق البلاد، إضافة إلى وجود نصوص في الدستور المنتظر الاستفتاء عليه تحوي موانع قانونية تحد من رغبته في الترشح"، موضحاً أن حفتر يحمل الجنسية الأميركية والدستور يمنع مزدوجي الجنسية من شغل مناصب سياسية في البلاد. كما أن نصوص الدستور تفرض على العسكريين التخلي عن مناصبهم العسكرية قبل الترشح في مدة لا تقل عن السنتين.
ولفت بوسعدة إلى خطاب حفتر الأخير بعد عودته من رحلته العلاجية في باريس، والذي استخف فيه بمبادئ الديمقراطية والانتخابات، بل أكد أن "الجيش هو من سيحقق آمال الليبيين واستقرار بلادهم"، مديراً ظهره لكل الجهود السياسية الحالية عبر شن حرب جديدة على مدينة درنة، بحسب بوسعدة.
ورأى المحلل السياسي أن "أهم تحديات الانتخابات المقبلة غياب الأرضية اللازمة لها، إذ تغيب الأحزاب التي يمكن أن تقدّم مرشحيها، وحتى الآن لم نسمع عن أية شخصية مستقلة عرضت برنامجها الانتخابي، وبالتالي فالوقت لم يعد يسمح بكل هذا، كما أن الاستفتاء على الدستور ومن ثم الانتظار حتى يقدّم المرشحون أنفسهم وإجراء الانتخابات بعدها سيستغرق وقتاً أكثر مما تبقى من هذا العام"، مشيراً إلى أن إمكانية إجراء الانتخابات هذا العام أمر شبه مستحيل.
واعتبر بوسعدة أن الخلاف بين مجلسي النواب والدولة يتجه إلى تمديد فترة الأزمة مع تعنّت كل منهما في مطالبه. وحول نجل القذافي، قال "لا تختلف حظوظ سيف الإسلام عن حظوظ حفتر، فأنصار والده وقاعدته الشعبية متشظية بشكل كبير، كما أن القبول به في أي منصب سياسي سيواجَه بالرفض من قبل معارضي نظام والده وهم كثر"، متسائلاً عن وضعه القانوني، فهو ملاحق من قبل القضاء المحلي والمحكمة الجنائية الدولية.
في المقابل، رأى الصحافي والمحلل الليبي، الجيلاني ازهيمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العراقيل القائمة لن تصمد أمام الإرادة الدولية التي بدأت تتجه للضغط بشكل كبير على الأطراف المحلية للقبول بالانتخابات. وعرض ازهيمة مثالاً على ذلك بلقاء رئيس حكومة الوفاق فائز السراج مع القائمة بأعمال السفارة الأميركية في تونس ستيفاني ويليامز قبل أيام، مشيراً إلى أن "السراج المدعوم دولياً أكد أن لقاءه بويليامز انتهى إلى الاتفاق على ضرورة وجود قاعدة دستورية متينة للانتخابات والخروج من مرحلة الانتقال السياسي"، معتبراً أن ذلك يعني انتخابات على أساس الدستور لأنه الأساس لخروج البلاد من مرحلة الانتقال السياسي.
ورجح ازهيمة أن يكون داعمو حفتر الإقليميون "فقدوا الثقة في وضعه الصحي، وبالتالي لا يمكنهم المجازفة بالتورط أكثر معه، ولذا فإن بديلاً عنه سيبرز قريباً بكل تأكيد"، معتبراً أنه "مع زوال عقبة حفتر الأولى والوحيدة في المشهد الليبي، ستختفي كل الموانع القانونية والسياسية"، مشيراً إلى التقارب الذي حدث بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، في الرباط المغربية، حين غاب حفتر لأيام فقط عن المشهد.