تستمر الانقسامات والخلافات بين القوى والأحزاب العراقية الممثلة للمكون العربي السنّي، على الرغم من مرور أكثر من خمسة أشهر على مؤتمر جامع لها في أنقرة، برعاية دول خليجية عدة وتركيا والأردن. وأحد أبرز أهداف المؤتمر تمثّل بإنهاء حالة الانقسام الداخلي وتشكيل كتلة موحدة لخوض الانتخابات، بشكلٍ ينعكس إيجاباً على مدن شمال وغرب العراق التي تتطلع للتعافي من حقبة احتلال تنظيم "داعش" لها. إلا أن مشاكل داخلية لا تزال تعيق تحقيق الهدف المنشود حتى الآن، علماً بأن ضيق الوقت المتبقي على إجراء الانتخابات البرلمانية العامة في العراق والتي من المؤمل أن تفرز حكومة وبرلماناً جديدين، يقلص أكثر فأكثر هامش التحرك من أجل تجاوز الانقسامات. كما تساهم تدخلات خارجية، بينها إماراتية، في تعقيد جهود الإعلان عن كتلة موحدة.
ويتم تداول معلومات على نطاق ضيق حول تحفظ إماراتي على بعض الشخصيات السنية العراقية القيادية في الحزب "الإسلامي" العراقي، الجناح السياسي لحركة "الإخوان المسلمين". إلا أن هذا التحفظ غير موجود لدى وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، الذي يتولى الملف العراقي حالياً.
وعقد في العاصمة التركية أنقرة مطلع شهر مارس/ آذار الماضي، مؤتمر لخمسة وعشرين شخصية سياسية سنية من أحزاب وكتل مختلفة برعاية تركية وأردنية وقطرية وسعودية وإماراتية. واستمر المؤتمر لمدة يومين، وكان يهدف لتوحيد البيت السياسي السني وإنهاء حالة التناحر والفرقة بينهم، والتي انعكست بشكل سلبي على الوضع الأمني والإنساني والاجتماعي في محافظات العراق الغربية والشمالية فضلاً عن بغداد والبصرة وبابل. وخلص المؤتمر إلى تشكيل كيان أو كتلة تجمع الأحزاب والقوى السنية العراقية لخوض الانتخابات بشكل موحد، لأول مرة منذ احتلال العراق عام 2003. واقترح أن يتم العمل لاحقاً على إيجاد تحالفات مع قوى سياسية أخرى. ونالت مقرراته ردود فعل إيجابية من مكونات سياسية عراقية عدة. إلا أنها قوبلت بهجوم عنيف من قيادات وأحزاب "التحالف الوطني" الحاكم، والذي يمثل المكوّن الشيعي العراقي، فضلاً عن انتقادات من قبل زعماء مليشيات "الحشد الشعبي".
في المقابل، قادت شخصيات سنية عراقية معروفة بعلاقتها الجيدة مع إيران وحزب "الدعوة" الحاكم في العراق، وعدد من فصائل المليشيات، حراكاً مضاداً ومفاجئاً، وعقدت مؤتمراً في بغداد مطلع يوليو/ تموز الماضي، معلنةً أنه المؤتمر الذي يمثل سنّة العراق وأنكرت شرعية مؤتمر أنقرة، الذي لم تتم دعوتها للمشاركة فيه.
وقال قيادي بارز في تحالف القوى العراقية ببغداد لـ"العربي الجديد"، إن جهود كسب الطرف السني المعارض الذي يتزعمه رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني، باءت بالفشل وتم عقد لقاءات في العاصمة الأردنية عمان، خلال الأيام الماضية، بهدف إقناعه بالانضمام إلى الكتلة الموحدة الناتجة عن مؤتمر أنقرة، والتي أطلق عليها اسم "تحالف القوى الوطنية العراقية". إلا أن هذه الجهود لم تسفر عن أي نتيجة حتى الآن، بحسب المصدر، الذي أكد أن هناك نية لتجاهل الطرف السني المعارض في حال أصر على موقفه والبدء بتنظيم عمل الكتلة التي تم بناؤها على أسس مؤتمر أنقرة. لكن القيادي نفسه كشف عن أن بعض القوى تصر على الدخول في كتلة واحدة لعدم تشتت الأصوات. وأضاف أن هذه القوى ترى أن وجود ممثلين عن السنة في حراك مضاد أو منافس "سيفتح باب الجدل مرة أخرى عندما يطرح السؤال الكلاسيكي حول من هو الطرف الذي يمثل السنّة فعلياً في البرلمان والحكومة". وبيّن أن هناك تحفظاً إماراتياً أيضاً على عدد من الأسماء الموجودة باعتبار أصحابها من "الإخوان المسلمين"، أبرزهم رئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري، والأمين العام لـ"الحزب الإسلامي" العراقي، إياد السامرائي، اللذين تعتبرهما الإمارات من صقور "الإخوان المسلمين"، بحسب المصدر نفسه. وتابع أن هذا التحفظ بحد ذاته قد يسبب حساسية ليس للكتل السياسية السنية والشارع السني الذي سيعتبر أن الكتلة التي تأسست بعد مؤتمر أنقرة، لا تمتلك قراراً سياسياً مستقلاً.
وفي هذا السياق، قال القيادي في "تحالف القوى العراقية"، مطشر السامرائي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الطبيعي وجود وجهات نظر مختلفة ومتباينة"، لكنه اعتبر أن "التحدث عن الفشل سابق لأوانه، وعلى العكس هناك لقاءات مستمرة وإيجابية في طريق توحيد الموقف العام". وأضاف "نحن على أبواب انتخابات، وبكل فترة مثل هذه الفترات تكثر الاتهامات والتحليلات". ولفت إلى أنه انطلاقاً من ذلك، لا يمكن اعتبار أن مؤتمر أنقرة فشل، "لكن وضع العراق مربك ولا تحل المشاكل بسرعة، وهناك مشاكل على مستوى جميع الكتل السياسية وليس السنية فقط، ولدينا مشاكل المدن التي يحتلها داعش والمدن المدمرة والملايين من النازحين الذين لم يعودوا لديارهم، وليس هناك قوة قادرة على حل كل ذلك بعصا سحرية"، بحسب قول السامرائي. وبيّن أن "الحديث عن أن مؤتمر أنقرة جمع إسلاميين، غير صحيح على الإطلاق، بل جمع شخصيات من جميع الأطراف، ووجود واحد أو اثنين من الإسلاميين لا يعني أنه مؤتمر جمع الإسلاميين"، بحسب تأكيده. وأعرب عن اعتقاده بأن "هناك أصواتاً لا تريد الخير، هي من تروج لذلك"، وفق تعبيره.
وكشف النائب في البرلمان العراقي عن مدينة الموصل، محمد العبد ربه، عما وصفه بالتحفظ على مؤتمر أنقرة ومقرراته، مبيناً أن هناك مؤتمراً سيعقد قريباً في بغداد، وسيضم سياسيين وممثلين عن السنة. وقال "لدينا تحفظ على هذا الخط أو المشروع، لذا لم ننخرط فيه، وكنا نتمنى أن يكون هناك انفتاح ودعم للذين يحملون الفكر المدني بدلاً من التوجه إلى خط طائفي إسلامي، ونعالج الخطأ الحاصل بالعراق بخطأ مماثل"، وفق وصفه. وأضاف أن "الكل شاهد ما هي نتائج الخطاب الطائفي بالعراق سياسياً وانعكاسه على الشارع"، مشيراً إلى أنه حاول وزملاء له إيصال "رسالة للدول الداعمة (لمؤتمر أنقرة) بأنه ليس من مصلحة العراق والسنّة تشكيل كيان طائفي بهذا الشكل وهو خطير لأنه سيدفع بالتحالفات الأخرى للتخندق مع دول أخرى تقابلها بالدين والمذهب". وأكد أن تحركهم قوبل برد مفاده بأنه "يجب أن نجمع السنة أولاً ومن ثم نتحرك على باقي الكتل والأطراف من أجل وحدة العراق". إلا أن العبد ربه قال إن "ما لمسه على أرض الواقع غير ذلك، وهو ما يدعو للتحفظ"، بحسب تعبيره. ووصف بعض الدول بأن لديها "انفصاماً بالشخصية، فهي تحارب الإخوان المسلمين بكل ما لديها في مصر وتعاديهم، لكنها تجلس معهم بالعراق"، بحسب قوله. وأعرب عن اعتقاده بأن هذا المشروع لن ينجح، كاشفاً عن مؤتمر مدني قريب عابر للطائفية سيعقد ببغداد وسيكون خارج نطاق الإسلام السياسي.
وعلى الرغم من إعلان أطراف سياسية عراقية في أكثر من مكوّن، عن دخول إيران على خط الحراك ومحاولتها تشكيل كيان سياسي سني مناوئ أو مماثل، من أجل إفساد الحراك العربي - التركي الحالي، إلا أن أياً من المصادر لم تؤكد ذلك لـ"العربي الجديد". وقال عضو "جبهة الحراك الشعبي"، محمد عبدالله، إن التسليم بتلك المعلومات معناه الحكم على الطرف الرافض للدخول في مشروع الكتلة الموحدة بأنه تبنى الخط الإيراني وهذا سيعقد المحادثات والمساعي الرامية لتوحيد الجهود، بحسب تعبيره. لكن عبدالله أضاف أنه لا يستبعد "حركة إيرانية مثل هذه من خلال دعم سياسي ومالي لشخصيات سنية لا يمكن تسميتها حالياً، تقود حراكاً لإفساد مشروع توحيد البيت السني العراقي الذي بدا قريباً من الأكراد ومن قوى شيعية معتدلة وأخرى مدنية"، وفق قوله.