بتبادل الابتسامات والتصافح بالأيدي، التقى كيم ومون في المنطقة منزوعة السلاح شديدة التحصين بين البلدين، وتعهّدا بالسعي لتحقيق السلام بعد عقود من النزاع وسط ارتياح إقليمي ودولي واسع لخصته تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب قال فيها "الحرب الكورية تضع أوزارها".
ووقّع الزعيمان إعلاناً يتضمن الموافقة على العمل من أجل "نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية". وخلال أول قمة بين الجانبين منذ أكثر من عقد أعلن الزعيمان أنهما سيعملان على التوصل إلى اتفاق لتحقيق سلام "دائم" و"راسخ" في شبه الجزيرة. وشمل الإعلان تعهّدات بالحد من التسلّح ووقف "الأعمال العدائية" وتحويل الحدود المحصنة بين البلدين إلى "منطقة سلام"، والسعي من أجل إجراء محادثات متعددة الأطراف مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة.
وأصبح كيم أول زعيم لكوريا الشمالية تطأ قدماه الجنوب منذ الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953 بعد أن صافح مون فوق حاجز خرساني قصير يرسم الحدود بين البلدين في قرية بانمونجوم، المعروفة باسم "قرية الهدنة". وفي لفتة عفوية، دعا كيم الرئيس الكوري الجنوبي لعبور الخط إلى الشمال لفترة وجيزة قبل أن يعود الاثنان مرة أخرى إلى الجانب الكوري الجنوبي من الحدود. وقال كيم الذي ارتدى بذلته السوداء التقليدية "كنت متحمساً للقاء في هذا المكان التاريخي وإنه لأمر مؤثر بالفعل أن تأتي (مون) كل هذه المسافة إلى خط ترسيم الحدود للترحيب بي بنفسك". وكتب كيم باللغة الكورية في دفتر الزوار ببيت السلام في كوريا الجنوبية قبل بدء المحادثات "تاريخ جديد يبدأ الآن. عهد من السلام".
وزرع الزعيمان شجرة صنوبر وكشفا عن حجر كتب عليه "زرع السلام والازدهار". ثم سارا قليلاً بجانب الحدود وجلسا على مقعدين على ممشى خشبي أزرق اللون وتحدثا بأريحية لنحو نصف ساعة. ثم عادا وسارا مسافة طويلة، وعقدا خلوة قبل إعلان البيان. وبعد محادثات استمرت أكثر من ساعة ونصف الساعة خلف الأبواب المغلقة عاد كيم إلى الجانب الكوري الشمالي من الحدود قبيل الظهر في سيارة ليموزين سوداء رافقها الحرس الشخصي. وانتهت القمة بعد عشاء ومشاهدة فيلم، قبل عودة الرئيس الشمالي إلى دياره. وشاركت زوجتا الزعيمين في العشاء إضافة إلى مغنين من الكوريتين وعدد من كبار الشخصيات. وكانت كيم يونغ جونغ، شقيقة كيم، إلى جانبه طوال الحفل، وقدّمت له قلماً للتوقيع في سجل الزوار، وأعطاها الزهور التي قدمها له تلاميذ المدرسة وكانت تدون الملاحظات في بداية المحادثات مع مون.
وتناقضت مشاهد مون وكيم وهما يمزحان ويسيران معا بشدة مع لقطات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية العام الماضي وأكبر تجربة نووية أجراها الشمال والتي أدت إلى عقوبات دولية واسعة ومخاوف من نشوب صراع في شبه الجزيرة الكورية.
وقال كيم لمون عند بداية الاجتماع "أشعر وكأنني أطلق شارة انطلاق السباق في اللحظة التي تكتب فيها الكوريتان تاريخاً جديداً في العلاقات بين الشمال والجنوب، والسلام والازدهار". أجاب مون بأن "هناك توقعات كبيرة بالتوصل إلى اتفاق يكون هدية كبيرة للأمة الكورية كلها وكل شخص محب للسلام في العالم". واعترف كيم بالشكوك التي تحيط بقمتهما، قائلاً "توصلنا لاتفاقات كبيرة من قبل لكننا لم نتمكن من الوفاء بها. هناك آراء متشائمة بشأن ما إذا كان الاجتماع سيحقق نتائج ذات مغزى. إذا كنا أصحاب إرادة حازمة وتقدمنا يداً بيد، سيكون من المستحيل على الأقل أن تسوء الأمور عما هي عليه الآن".
وقال كيم قبل أن يبدأ هو ومون وكبار مساعديهما المحادثات "إننا عند خط بداية حيث يسطر تاريخ جديد من السلام والرخاء والعلاقات بين الكوريتين". وأضاف أحد المسؤولين أن "كيم أخبر مون في جلستهما الخاصة بأنه جاء إلى القمة لإنهاء تاريخ من الصراع". وقف كيم أمام منصة إلى جانب مون بعد انتهاء المحادثات ليواجه حائطاً من الكاميرات التي بثت صورته على الهواء مباشرة إلى العالم وأعلن أن الكوريتين "ترتبطان بالدم كعائلة ومواطنين لا يستطيعون العيش منفصلين". ومزح الزعيم الكوري الشمالي مع رئيس الجنوب قائلاً إنه "يأسف لإيقاظه بسبب تجارب إطلاق الصواريخ"، التي كان يجريها في الصباح الباكر. وتابع المسؤول قائلاً إن "كيم قال لمون إنه مستعد لزيارة البيت الأزرق الرئاسي في سيول، داعيا مون لزيارة بيونغ يانغ، كما قال إنه يود لقاءه على فترات أكثر تقارباً في المستقبل. وأعلن الزعيمان الكوريان أن "مون سيزور بيونغ يانغ في وقت لاحق من العام الحالي"، حسبما جاء في البيان المشترك بعد القمة.
وقبل أيام من القمة أعلن كيم تعليق التجارب النووية والصاروخية بعيدة المدى وتفكيك موقع التجارب النووية الوحيد المعروف في كوريا الشمالية. وأخفقت قمتان سابقتان بين زعيم الشمال ورئيس الجنوب، كانتا في بيونغ يانغ في عامي 2000 و2007، في وقف برامج الأسلحة الكورية الشمالية أو تحسين العلاقات بشكل دائم.
وتأتي القمة قبل أسابيع من لقاء مقرر بين كيم والرئيس الأميركي دونالد ترامب لبحث نزع السلاح من شبه الجزيرة الكورية. وفي هذا السياق، غرّد ترامب على صفحته على موقع "تويتر"، أن "الحرب الكورية تضع أوزارها! الولايات المتحدة وشعبها العظيم بأسره يجب أن يفخرا بقوة بما يحدث في كوريا الآن". ووصف اللقاء بـ"التاريخي"، لكنه حذّر من أن "الأمور لن تتضح إلا بعد مرور بعض الوقت". وأضاف أنه "بعد سنة عاصفة من إطلاق الصواريخ وإجراء التجارب النووية، يجري الآن لقاء تاريخي بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية". وأشاد ترامب بـ"المساعدة الكبيرة التي قدمتها الصين".
كما أشاد الكرملين بالقمة والمحادثات معتبراً أنها "أخبار إيجابية جداً". وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في تصريح صحافي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شدّد مرات عدة على أن "تسوية دائمة وثابتة للوضع في شبه الجزيرة الكورية لا يمكن أن تقوم إلا على أساس حوار مباشر، واليوم نلاحظ أن حواراً مباشراً قد أُطلق". كما أعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف، أن "موسكو مستعدة لتسهيل التعاون بين الكوريتين في السكك الحديدية والغاز والطاقة".
بدوره، رحّب رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي بالقمة الكورية، آملاً أن تسفر عن "أعمال ملموسة". مع العلم أن اليابان تُعتبر من أكثر الأطراف تضرراً في أي اتفاق لا يوقف التجارب الصاروخية من جهة، ولا يحلّ مشكلة المخطوفين اليابانيين لدى النظام الكوري الشمالي من جهة أخرى. كما أن للكوريين عموماً ذاكرة جماعية مناهضة لليابانيين، لكونها احتلت البلاد بين عامي 1910 و1945 وارتكبت قواتها العديد من الفظائع.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)