وفي حين لم يتوقع ماكرون أن يكون حديثه خلال الزيارة مسجلاً ومباشراً، مشيراً إلى أنه ما كان يجب أن يستخدم اللغة العامية، فقد أصرّ على أنه مقتنع بجوهر ما أراد إيصاله، وهو أنه يتوجب على العمال أن يبحثوا بأنفسهم عن العمل، وأن يُنوّعوا من تجاربهم، بما فيها خضوعهم لدورات تكوين وتدريب.
من جهته، دافع المتحدث باسم الحكومة، كريستوف كاستنير عن "زلّات لسان" الرئيس الفرنسي التي أقر أنها مقصودة، فقال كاستنير "الرئيس يتحدث بصراحة، ولا يتحدث اللغة الخشبية، التي اعتاد الساسة ممارستها من قبل".
والملاحظ أن اليمين الكلاسيكي، الذي يمتلك أقوى معارضة برلمانية، إضافة إلى تحكّمه في مجلس الشيوخ، لم يكن قاسيا تجاه الرئيس، والذي يضاعف من تصريحات تثير الجدل ويعتبرها البعض مهينة، خصوصا ما تحدث به، قبل أسابيع، من أثينا، عن "الكسالى"، والذي يرفض أن يخضع لهم.
فإذا كانت هذه التصريحات التي تُدخِل الرئيس في صراع وجدل مع اليسار، تصبّ في صالحها، فهي، أيضا، لا تعترض على خطوات الرئيس ومواقفه وسياساته التي تصُبّ في اتجاهها، وهي غير بعيدة عن برامجها الليبرالية، إضافة إلى أن تصريحات ماكرون، أو "رئيس الأثرياء"، كما أصبح يصفه اليسار وقطاع من وسائل الإعلام، لا تختلف كثيرا عن القاموس الذي كان يستخدمه رئيس الجمهورية اليميني الأسبق، نيكولا ساركوزي، والذي كان يُثير، في حينه، امتعاض وانتقاد اليسار.
وفي المقابل، تلقى الرئيس الفرنسي وابلاً من الانتقادات من قبل اليسار الفرنسي، بمختلف أطيافه، من "فرنسا غير الخاضعة" إلى الحزب الاشتراكي مرورا بالحزب الشيوعي، والذين اعتبروا أن الرئيس الفرنسي يتحدث بلغةٍ تُهين مخاطبيه، وأنه لا يعرف شيئا عن الظروف الصعبة التي يعيشها العمال في الشركات والمصانع التي تعرف صعوبات في فرنسا.
ووصفت لومانيتيه، صحيفة الحزب الشيوعي، ماكرون، بأنه "شتيمة دائمة للديمقراطية". واعتبرت مود فيرنيول، في افتتاحية الصحيفة، التي حملت عنوان "فوضى جميلة"، في إشارة إلى استخدام الرئيس لكلمة "فوضى"، لوصف مجموعة من العمال كانوا يريدون التحدث إليه، أن "الرئيس فقد أعصابَه"، واعتبرت أن "الطفل المدلل لليبرالية"، والذي شدّد على "أن الديمقراطية لا يصنعها الشارع"، والذي قال يوماً "إنه يكفي أن يعمل المرء حتى يشتري بدلة فاخرة"، "جعل ناخبي اليمين الفرنسي لا يخطئون في تقدير هذه المواقف، وهو ما دفعهم للتصفيق عليه بكلتا يديهم".
ولم يكن موقف اليمين المتطرف، الذي تصوت لصالحه قطاعات عريضة من العمال الفرنسيين، الذين غادروا، قبل عقود، الحزب الشيوعي الفرنسي، مختلفاً عن اليسار، فعاب على الرئيس مواقفَه التي تحتقر الطبقة العاملة والفقراء في فرنسا.
وتحدث قياديون في حزب "الجبهة الوطنية" عن الرئيس، "مرشح الأثرياء والمصارف"، والذي "يشتغل لصالح المستشارة أنجيلا ميركل"، و"الذي لا يعير أهمية للفرنسيين الذين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة".
لا شيء يَضمَن ألّا تصدر تعليقات مؤلمة أو مثيرة للجدل عن الرئيس، الذي اعتاد على مثل هذه التصريحات، حتى حين كان وزيرا للاقتصاد، فقد تأكد الرئيس، حسب صحافيين في القناة الإخبارية، بي إف إم تيفي، التي لا تخفي دعمها للرئيس، أن مثل هذه التعليقات لا تؤثر عليه، انتخابيا، كما أنها لا تقذف إلى الشارع معارضين إضافيين.
وتضيف بأن الرئيس، والذي حقق 5 درجات إضافية في شعبيته، قبل أسبوعين، لم يتأثر، سلبا، بعد وصفه، أثناء زيارته لليونان، بعض معارضيه بالكسالى، وتصميمه على ألا يخضع لإملاءاتهم.
يبدو الرئيس إيمانويل ماكرون سعيدا ومطمئنا في هذه الوضعية، لأنه استطاع أن "يُحيّد"، بطريقة أو بأخرى، اليمين الكلاسيكي، من المعارضة، فلم يعد يجد أمامه سوى "فرنسا غير الخاضعة"، التي قال 34 في المائة من الفرنسيين، في آخر استطلاع للرأي، أن زعيمها جان-لوك ميلانشون سيكون رئيسا جيدا لفرنسا، مقابل 66 في المائة يرون فيه "رئيسا سيئا".