استيقظت النمسا، اليوم الاثنين، وقد تنفست الصعداء، بعد أن حبست أنفاسها، تحت ضغط حملة انتخابية، بدت وكأنها قد تقود إلى كابوس صيفي آخر، كما حدث في انتخابات الصيف الماضي.
فبفوز مرشح التوافق اليساري الليبرالي ألكسندر، فان دير بيلين، على منافسه اليميني، نوربرت هوفر، يكون الكابوس قد تلاشى، حيث يقول الناشط في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، نيكلاس فيرنر، لـ"العربي الجديد" إن "الحزب وقف بقوة إلى جانب المرشح بيلين مثل أكثر من نصف المصوتين بقليل"، تلك النسبة المئوية البسيطة الفارقة وفقا لنيكلاس "تريح مجتمعنا الآن، ولكنها تفتح نفاشا، لن يتأخر كثيرا حول ما جرى ويجري من تحولات في بلادنا".
وفي ذات الاتجاه توقفت السيدة الستينية، فراوكا، عند نجاح بيلين لتقول لـ"العربي الجديد"، صباح اليوم، إن "ما فعله النمساويون أمس الأحد هو خدمة لأنفسهم قبل غيرهم، لن نقبل أن يحكمنا النمط الترامبي، ما يجري في أوروبا جنون حقيقي، لا يمكن أن نعود إلى الوراء وأن نسمح للفاشية أن تهيمن على عقول وتوجهات الناس".
معظم الصحف الصادرة، صباح اليوم، لم تخفِ ارتياحا لفوز الرئيس فاندير بيلين، بحسب ما عنونت يومية كوريير الواسعة الانتشار "لقد انتصر الرئيس بيلين".
وعنونت صحيفة "كرونين زايتونغ" على صدر صفحتها الأولى، مع صورة كبيرة لبيلين وزوجته، قائلة "وأخيراً رئيساً" مع ابتسامة عريضة لبيلين، أما صحيفة "هيوتا" فلم تذهب بعيدا عن باقي الصحف في نشر صورة كبيرة لبيلين رافعاً يديه كتعبير عن الانتصار وسط مؤيديه بعنوان غطى الصفحة يقول "فان دير رئيساً"، والمثير وضع صورة في كادر على يسار الصورة للمرشح اليميني هوفر بشكل يبدو عليه الانهزام مع زوجته الباكية وهي تميل على كتفه.
يبدو واضحاً أن ما أرادت الصحف عكسه اليوم هو حالة الارتياح التي عاشتها مساء أحياء فيينا، وهي بالمناسبة مقسمة بين مؤيد لمن يطلق عليهم اسم "الزرق" (المحافظون واليمين) والحمر والخضر (اليسار ويسار الوسط)، وكان للنمساويين من أصل مهاجر ارتياحهم الذي عبر عنه بعض العرب في وقت متأخر من مساء الأحد بعد ثبوت النتيجة، كان يمكن سماع بعض أبواق السيارات والأعلام الحمراء وصور بيلين تخرج من نوافذها كتعبير عن فرحة بهزيمة اليمين المتطرف.
فكما قالها في كلمتين بسيطتين الناشط العربي في اليسار النمساوي نشأت ماضي للعربي الجديد :" قصر هوفربورغ بقي بعيدا عن تلويثه، ولكنّ نقاشا داخليا لا بد منه حول مآلات تصويت فوق الأربعين بالمئة لهوفر".
لم يبق الأمر داخليا فمعظم الصحف الأوروبية، وخصوصا الألمانية اهتمت بالحدث النمساوي وكأنه يهم كل أوروبا. فقد رأت صحيفة "زودادوتش زايتونغ" الألمانية أن "النمسا قامت بالحرص على نفسها وحل معضلتها بيدها". وأضافت زايتونغ أن "ما حدث مساء الأحد هو خبر مفرح لكل أوروبا"، هذا رغم التنغيص الذي جلبته أخبار الاستفتاء الإيطالي.
يتوقع المراقبون، المحليون، والقادمون من الخارج خصيصا لأجل هذه الانتخابات، أن يندلع "صراع من نوع ما في معسكر اليمين إثر هزيمة هوفر. وربما يبرز اسم هاينز كريستيان شتراخا منافسا قويا في معسكر اليمين".
ورأت من جانبها "شبيغل أونلاين" الألمانية أن " الشعارات الشعبوية بدت بمثابة لعب بالنار، حين لمّحت حملتهم الانتخابية القاسية إلى أشياء مقلقة للشعب النمساوي وبقية القارة كالحديث عن Öxit (أوكزيت) (فالنمسا بالنمساوية اوستريخ)". حيث تفصل شبيغل وغيرها كيف أن أوساط اليمين المتطرف كانت تعد بأنه بعد وصول نوربرت هوفر إلى سدة الرئاسة، وتقدم جزب الحرية في الاستطلاعات لأية انتخابات برلمانية تفوق الثلاثين بالمئة، "سيجري طرح إعادة العمل بأحكام الإعدام على استفتاء شعبي مثل الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك الخطاب العدواني الذي اعتبر أن "المسلمين لا يمكن أن يكونوا جزءا من القيم الأوروبية". هذا إلى جانب عدوانية كبيرة ضد تركيا وانضمامها للاتحاد الأوروبي.
ويعترف كثيرون بأنه رغم انتخاب فاندر بيلين، إلا أن القارة ما تزال على مفترق طرق فـ"التأثير السلبي للخطاب القومي المتطرف والخطاب العدواني الحامل للنفس الإثني والقومي ما يزال يطل برأسه وبقوة".
حيث قالت صحيفة "نيو زوريخ زايتونغ" إن "النمسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى ينتظرها انتصارات اليمين القومي برلمانيا، فالمحنة النمساوية انتهت ربما باختيار من يمثل وجه بلدهم من خلال طريقة بيلين الودية والهادئة، على نقيض هوفر الذي لم يستطع إقناع الجميع بأنه الممثل الأفضل لمصالحهم".
لكن الصحيفة تضيف أيضاً "للنمسا مشاكلها الأخرى التي لن تحل بمجرد وصول بيلين إلى الرئاسة، فحزب الحرية الشعبوي ببساطة يمكن له أن ينغص كل شيء باكتساحه أية انتخابات برلمانية قادمة".