واستعانت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بنواب حزبها في البرلمان، مساء أول من أمس الثلاثاء، لتمرير تعديل قانوني برلماني يفوضها بالعودة إلى بروكسل وإعادة التفاوض على خطة المساندة الأيرلندية وطلب استبدالها بترتيبات بديلة تسمح بإبقاء الحدود في أيرلندا الشمالية وأيرلندا على حالها.
ونجح هذا التعديل في الحصول على دعم البرلمان بفارق 16 صوتاً، إذ صوّت 317 نائباً لصالحه، و301 ضده، لتنال ماي بذلك تفويضاً من البرلمان بالتوجه إلى بروكسل لإعادة التفاوض على خطة المساندة، وهو ما يمنحها مهلة أسبوعين قبل أن تعود إلى البرلمان من جديد.
كما تمكنت ماي من إسقاط عدد من مقترحات التعديلات القانونية الأخرى التي كان يمكنها أن تسحب قرار بريكست من حكومتها لصالح البرلمان، وأن تؤجل موعد بريكست حتى نهاية العام الحالي، وذلك بعد أن شهدت الأيام القليلة الماضية عدداً من المبادرات البرلمانية الساعية لتجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، أو منح البرلمان حق التصويت على عدد من خيارات الـ"بريكست" الأخرى المتاحة، ومنها البقاء في عضوية الاتحاد الجمركي مع أوروبا.
وقال وزير بريكست، ستيف باركلي، أمس الأربعاء: "رأينا في التصويت تفويضاً واضحاً للعودة إلى أوروبا والقول إن هذا ما يدعمه البرلمان". ولفت إلى أن ما "تجلى في النقاشات السابقة أن هناك قلقاً مركزياً حول خطة المساندة". إلا أن باركلي لم يتقدم بتفاصيل بشأن الترتيبات البديلة التي تسعى الحكومة للتفاوض عليها، رغم أن فصول التفاوض بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في العامين الماضيين فشلت في التوصل إلى أية ترتيبات بديلة لخطة المساندة. واقتصر رد باركلي على استخدام التقنيات الحديثة أو ما يُعرف بـ"تسوية مالتهاوس". وكان النائب المحافظ، كيت مالتهاوس، وهو من مؤيدي "بريكست المشدد"، قد تقدم إلى جانب خمسة من زملائه من نواب المحافظين في مجلس العموم، بتسوية نالت دعم عدد من وزراء الحكومة البريطانية، وتقضي بأن تستبدل خطة المساندة بتمديد الفترة الانتقالية. كما تنص على استخدام التقنيات الحديثة في إدارة المعابر الحدودية، وهي خطة كان قد دافع عنها وزير الخارجية السابق بوريس جونسون سابقاً، إلا أن عدداً آخر من وزراء ماي عبّر عن عدم تفاؤله.
لكن الرد على ما جرى أتى سريعاً وحاسماً من بروكسل، إذ قال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، "إن خطة المساندة جزء من اتفاق الانسحاب واتفاق الانسحاب ليس مطروحاً لإعادة التفاوض". كما أكد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف بريكست، ميشال بارنييه، أمس أن "مؤسسات الاتحاد الأوروبي تظل موحدة، ونحن نتمسك بالاتفاق الذي توصلنا إليه مع المملكة المتحدة، والذي ليس موجها ضد المملكة المتحدة".
كذلك، عكست ردود الفعل الأولى للتكتلات السياسية في البرلمان الأوروبي التي يجب أن تقر اتفاقية الانسحاب، مدى الغضب من ماي. وقال نواب الكتلة الاشتراكية والديمقراطية: "لن نعرّض للخطر اتفاق الجمعة العظيمة (للسلام في أيرلندا) أو السوق الموحدة". وأكد رئيس الكتلة، الألماني أودو بولمان: "لقد عملنا بشكل بنّاء ومسؤول للتخفيف من أوخم عواقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". وأضاف: "اليوم، لم تفعل تيريزا ماي بالمِثل. امتثلت مجدداً للمتطرفين في حزبها وقدمت وعوداً غير واقعية بدلاً من أن تتحلى بدور القائد الحقيقي".
كما أكد مسؤول بريكست في البرلمان الأوروبي، غي فيرهوفشتات، أن أفضل الطرق لتجنب خطة المساندة هي أن تبقى بريطانيا في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي. ولفت إلى أن "خطة المساندة سياسة ضمان. وهي ضرورية لضمان الغياب الكلي للحدود بين أيرلندا الشمالية والجمهورية الأيرلندية. لا نريد أن يتم استخدام خطة المساندة، ولكنها خطة أمان. وتعتمد على طبيعة العلاقة المستقبلية". وأضاف: "إذا كانت العلاقة المستقبلية على سبيل المثال نوعاً من الاتحاد الجمركي، فستكون الأمور مختلفة كلياً. آمل أن نرى مقترحاً يشمل حزبَي المحافظين والعمال، وبين ماي وكوربين، ويمكنه أن ينال دعم مجلس العموم". وحول تأجيل موعد بريكست، أضاف: "لقد هزم هذا التعديل. أعتقد أنه ليس في مصلحة أحد تمديد هذه العملية، لأنه يحيط مستقبل الأعمال والأفراد بالمزيد من الغموض".
من جهته، شدد وزير الخارجية الأيرلندي، سيمون كوفيني، على أهمية خطة المساندة في اتفاق بريكست، فيما جددت الحكومة رفضها إعادة التفاوض في بيان رسمي.
ويعزز الوضع الراهن من الاعتقاد أن ماي تستمر في تأجيل التعامل مع المشاكل التي تواجهها على أمل أن يقوم معارضوها بالعدول عن رأيهم، مستغلة قلق البرلمان من نفاد الوقت أمام بريطانيا ومغادرة الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
وبالنسبة إلى كثر، فإن ماي عادت إلى مناوراتها السابقة، والتي وصلت بالوضع إلى الطريق المسدود الحالي؛ فبدلاً من أن تسعى ماي للحصول على حل عملي وواقعي ينال دعم الأغلبية البرلمانية، اختارت أن تسلك طريق المصلحة الحزبية، وحماية المحافظين من الانقسام، من خلال تقديم وعود مختلفة لمعارضي خطتها داخل حزبها، وذلك رغم إدراكها الرفض المتكرر من الجانب الأوروبي لإعادة التفاوض.
وكانت ماي وعدت مؤيدي الاتحاد الأوروبي في حزبها بأن يحصل البرلمان على فرصة أخرى للتصويت على سياستها لبريكست في شهر فبراير/ شباط، وذلك لدرء تمردهم على خط الحزب الرسمي، وردعهم عن دعم التعديل القانوني الذي تقدمت به النائب عن حزب العمال إيفيت كوبر والذي يفرض على الحكومة البريطانية طلب تأجيل موعد بريكست من الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام 2019، في حال كان بريكست من دون اتفاق الخيار الأكثر احتمالاً. كما حاولت ماي كسب دعم عدد من نواب العمال من خلال تقديم المزيد من الضمانات القانونية حول حقوق العمال بعد بريكست. وكان لتعديل كوبر إن نجح أن يفرض على رئيسة الوزراء أن تطلب تأجيل موعد بريكست حتى نهاية العام الحالي، في حال فشلها في التوصل لاتفاق بريكست جديد ينال دعم البرلمان مع نهاية فبراير/ شباط.
وكان البرلمان البريطاني قد صوّت لصالح تعديل آخر مساء الثلاثاء، يرفض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وذلك بتصويت 318 نائباً لصالحه مقابل 310 ضده. هذا التعديل المشترك الذي تقدم به نواب من العمال والمحافظين غير ملزم قانونياً للحكومة، لكنه يعبّر عن رفض برلماني لبريكست من دون اتفاق ويزيد من الضغوط على ماي للتوصل إلى اتفاق بريكست ينال الأغلبية البرلمانية.
كما كان التعديل الذي تقدم به زعيم حزب العمال، جيريمي كوربين، ويطالب بالسماح للنواب بالتصويت على عدد من خيارات بريكست، ومنها خطة العمال الخاصة بالخروج من أوروبا، قد هزم بفارق 31 صوتاً، حيث صوّت ضده 327 نائباً. وعلى الرغم من أن كوربين وصف ماي وحكومتها بأنهما العقبة الحقيقية أمام التوصل إلى حل، قال الأخير إنه مستعد لمناقشة "حل منطقي لبريكست يخدم مصلحة البلاد كاملة". وبينما كان كوربين قد رفض سابقاً الدخول في محادثات مع ماي ما لم تسحب بريكست من دون اتفاق من على الطاولة، فإن هزيمة جهوده البرلمانية، وتصويت البرلمان ضد عدم الاتفاق بالتأكيد ساهما في عدوله عن موقفه السابق. وقال: "لقد صوّت البرلمان هذا المساء لصالح إزالة الخطر الداهم في الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق في 29 مارس/ آذار. بعد أشهر من رفضها سحب خيار عدم الاتفاق الفوضوي من على الطاولة، يجب أن تواجه رئيسة الوزراء الحقيقة الآن، بأن عدم الاتفاق ليس خياراً".
أما وزير بريكست العمالي، كير ستارمر، فقد اتهم رئيسة الوزراء بأنها تسعى وراء صفقة مستحيلة مع بروكسل في محاولة لتهدئة روع المتمردين في المقاعد الخلفية لحزبها. وقال: "إن الخطر واضح. قد تبني رئيسة الوزراء اليوم إحساساً مؤقتاً بالوحدة في صفوف حزبها، ولكنها في الحقيقة ترفع من سقف توقعات لا تستطيع تحقيقها". وكانت ماي قد تعهدت بوضع الاتفاق الجديد أمام البرلمان للتصويت في أسرع وقت ممكن. أما في حال فشلها في التوصل إلى اتفاق بحلول يوم 13 فبراير/ شباط المقبل، فإنها ستتقدم ببيان أمام النواب حول الخطوات التالية، والسماح لهم بالتصويت عليها اليوم التالي.