في العادة، تمر ساعات عدّة أو أيام قبل أن تتسرب الردود والتلميحات عن مثل هذه الجلسة، هذه المرة تسربت على الفور وبصيغة تؤكّد مسؤولية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الجريمة. "لو كان أمام هيئة محلفين لكان الحكم بتجريمه قد صدر في غضون نصف ساعة"، كما قال السناتور بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية. بينما كان السناتور ليندسي غراهام أكثر صراحة عندما عقّب على ما سمعه من هاسبل بقوله إنه "لم يكن هناك دخان بارود بل دخان منشار". وكرر شرطه بضرورة محاكمة ولي العهد قبل استئناف التعامل مع السعودية.
كلام يزيد من إحراج البيت الأبيض وعزلته بسبب "دفاعه الذي يتحدى المنطق" في هذه القضية، حسب جون برينن مدير "سي أي إيه" السابق، خاصة أن هذه التصريحات صادرة عن أركان من الجمهوريين، بما يسرّع في تآكل حيثيات الإدارة التي تتلطى بأهمية "الشراكة مع المملكة وبغياب الدليل الدامغ" ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
تحت هذه العناوين قدمت الإدارة مرافعتها أمام الكونغرس على لسان وزيري الخارجية مايك بومبيو وجيمس ماتيس قبل أيام لكن من غير جدوى. واليوم جاءت مديرة "سي آي إيه" لتزيد الطين بلّة، فيما تتوالى الملاحقة الإعلامية على شكل تقارير وتحليلات شبه يومية في كبريات الصحف والبرامج المتلفزة، والمُعزّز بعضها بمعلومات استخباراتية مسرّبة تدعم تقييم "سي آي إيه" حول دور مباشر لبن سلمان في جريمة خاشقجي.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعوّل على الجمهوريين في مجلس الشيوخ وبالتحديد على زعيم الأغلبية السناتور ميتش ماكونيل المتعاطف معه، لابتداع حبكة تؤجل التصويت في المجلس على وقف الدعم الأميركي للسعودية في حرب اليمن.
المأتم الرسمي للرئيس جورج بوش الأب في واشنطن والذي ينتهي بعد ظهر اليوم الأربعاء، فرض ترحيل التصويت حتى الأسبوع المقبل على الأقل. وحتى ذلك الحين قد تتفجر بعض قنابل التحقيقات الروسية وتقضي بالمزيد من التأجيل. هذا إذا لم ينفجر الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية والذي تسارعت الإشارات والتحذيرات الأميركية الإسرائيلية بشأنه في اليومين الأخيرين من خلال موضوع "الأنفاق" والتي لا يستبعد المراقبون أن تكون بمثابة "مقدمة وتمهيد لعمل عسكري" ضد لبنان و"حزب الله". تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على دعم سيادة لبنان، عزز مثل هذه المخاوف. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الزاوية ولجوءه إلى خيار الحرب قد يصرف الأنظار عن متاعبه واستطراداً عن متاعب ترامب ولو إلى حين.
لكن بغض النظر عن حصول أي التفاف أو وقوع أي طارئ، فإن الملف السعودي بات على صفيح ساخن في واشنطن. جريمة خاشقجي كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير. تسويغات ترامب بشأنها "صارت مضحكة" بحسب تعبير دافيد آرون ميلر، نائب رئيس مؤسسة "وودرو ويلسون" للدراسات في واشنطن.
كما يبدو الكونغرس وكأنه قرر فعلاً المضي في إعادة تركيب العلاقة مع الرياض، بحيث "لا تتفرد" بعد الآن بقرارات كبيرة تؤذي المصالح الأميركية في المنطقة، مقابل توفير الحماية لها. كانت هذه المعادلة ضمنية ورخوة في السابق. الآن يجب أن تصبح واضحة ومنضبطة. ترامب لا يرغب في مثل هذا التوجه. وحتى الآن هو يقوى على اجتنابه، لكن نجاح اعتراضه ليس مضموناً في الأيام المقبلة.