وفيما عبرت قيادات عن دعمها المسار الانتخابي، لكونه الإطار الوحيد الذي يعيد للشعب سيادته، فإن قيادات أخرى اعتبرت أن هذا المسار لا يعدو أن يكون مسرحية سياسية تمكن النظام من تجديد نفسه.
وأقر القيادي البارز في الحزب المحظور علي جدي بـ"وجود تباين في المواقف بين قيادات الصف الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
وقال جدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن البيان الأخير الذي أصدره قبل أيام كان مقرراً أن يصدر باسم مجموع "القيادة التاريخية"، لكنه أخفق في إقناع عدد منهم بتبنيه، مؤكداً أنه قام "باتصالات ومحاولات لتقريب وجهات النظر وصياغة موقف موحد، لكن للأسف لم نصل إلى ذلك".
وكان علي جدي يشير إلى بيان نشره قبل أيام بعنوان "لا للتدويل.. نعم للانتخابات الحرّة النزيهة"، اعتبر فيه أن "المسار الانتخابيّ الذي تنظم الدولة أول استحقاقاته بمرافقة الجيش هو الأسلم والأحفظ للسيادة الوطنيّة والشعبيّة، لكنّ السلطات المسؤولة لم توفّر له ضمانات نزاهة كافية سالمة من المآخذ، ولا اتّخذت لإنجاحه كلّ الإجراءات العمليّة الممكنة التي تلزم لتصفية الجوّ العامّ وتبديد مخاوف كثير من المواطنين المخلصين، الذين لا يأمنون أن تؤدّي مرافقة العسكر للانتخابات إلى تمديد عمر النظام".
وأوضح جدي، وهو من أبرز قيادات الجبهة، ويقوم بنشاط سياسي بارز في الفترة الأخيرة ضمن مجموع الفضاءات السياسية لقوى المعارضة، في تصريحاته اليوم، أنه مقتنع بأن "الانتخابات الرئاسية تعد الخيار الأقل كلفة، وأن المقاطعة تخدم مصلحة الجهات والأطراف الذين يريدون إبعادنا عن الصندوق".
وأضاف أنه سجل مجموعة مقترحات "طرحتها بصيغة نصيحة وليس بصيغة شروط، تخص تدابير توفر مزيداً من الرغبة الحسنة في المشاركة السياسية والشعبية في الانتخابات".
وبحسب علي جدي، الذي تعرض للسجن خلال الأزمة في التسعينيات، فإن السلطة التي تقع على عاتقها مسؤولية إنجاح الانتخابات يتوجب عليها اتخاذ الإجراءات العمليّة الممكنة الكفيلة بتهدئة الأوضاع وتصفية الأجواء، "حتى تزول كلّ الذرائع التي تتّخذ لصرف المواطنين عن الإقبال على المشاركة في الانتخابات، بينها استبعاد حكومة نور الدين بدوي، وإصلاح بعض الخلل في عمل وتركيبة السلطة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات، ووقف حملة الاعتقالات على ناشطي الحراك الشعبي".
لكن هذه المواقف لا تلقى الإجماع بين قيادات "جبهة الإنقاذ"، فعلي بلحاج، الرجل الثاني في القيادة التاريخية للحركة، له موقف مغاير، حيث يبدي، في تسجيلات صوتية يبثها باستمرار على موقعه، رفضه للانتخابات الرئاسية، ويعتبر أنها "مجرد مسرحية سياسية ستمكن النظام السياسي من البقاء والاستمرار".
وما يزال علي بلحاج رهين قرارات تمنعه من أداء صلاة الجمعة في غير مسجد حيه، ويتعرض للتعنيف من قبل قوات الأمن والاحتجاز في مراكز الشرطة لساعات كلما حاول ذلك، كما أنه ممنوع من الخروج خارج العاصمة الجزائرية، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن استمرار سلوك السلطة ضد علي بلحاج يعد أحد دوافع موقفه منها والخيارات التي تطرحها بشأن الانتخابات.
ويتقاسم أحمد الزاوي، وهو أحد قيادات الجبهة ويقيم في الخارج، مع علي بلحاج موقفه، إذ قال، في كلمة بثها على صفحته، إن "الانتخابات الرئاسية المقبلة ليست سوى مدخل لأزمة أخرى"، معتبرا أن "استبعاد الشعب ونخبه من كل عمليات وترتيبات الانتخابات والعملية السياسية هي قيم رجعية وعملية غير شورية".
يذكر أن القضاء الجزائري كان قد قرر، في شهر مارس/ آذار 1992، حل حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، والتي باتت بموجب هذا القرار محظورة من العمل والنشاط السياسي، وعقد قانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005 من وضعية كوادر وقواعد "جبهة الإنقاذ" في علاقة بالعمل والنشاط السياسي، حيث يمنع هذا القانون ممارسة النشاط السياسي على كل من تورط في المأساة الوطنية واستغل الدين في ذلك، برغم مطالبات مستمرة بإرجاع الحقوق المدنيّة والسياسيّة ورفع الحظر على النشاط السياسي لكوادر "جبهة الإنقاذ".