ووجه قايد صالح أوامر إلى قوات الأمن بمصادرة الرايات والأعلام التي تمثل مجموعات أو تيارات سياسية متطرفة خلال مسيرات الحراك الشعبي. وقال في خطاب هو الثالث منذ بدء زيارته الاثنين الماضي إلى المنطقة العسكرية ببشار جنوبي الجزائر إنه تم "إصدار تعليمات صارمة لقوات الأمن من أجل التطبيق الصارم والدقيق للقوانين والتصدي لكل من يحاول المساس بمشاعر الجزائريين في هذا المجال الحساس".
وأعطى قائد الجيش الانطباع بسيطرته على مجمل القرار الأمني، بما فيه القرار الميداني لقوات الشرطة ومكافحة الشغب والقوات التي تتعامل حصريا مع المظاهرات والمسيرات الشعبية في العاصمة وكل المدن الجزائرية، وهي كلها قوات تتبع لوزارة الداخلية ومستقلة عن الجيش ووزارة الدفاع.
ووصف قائد أركان الجيش "رفع رايات أخرى غير الراية الوطنية بأنها قضية حساسة، ومحاولة اختراق للمسيرات والحراك الشعبي من قبل أقلية قليلة جدا"، مشيرا إلى أنه "للجزائر علم واحد استشهد من أجله ملايين الشهداء، وراية واحدة هي الراية الوطنية الوحيدة التي تمثل رمز وسيادة الجزائر وشعبها ووحدتها الترابية".
وخلال مظاهرات الحراك الشعبي في الأسابيع الأخيرة، رفعت مجموعات سلفية علما يشبه علم تنظيم "داعش" باللون الأبيض، وشعارا يدعو إلى إقامة دولة إسلامية. كما ترفع مجموعات أخرى خاصة في مدن منطقة القبائل ذات الغالبية من السكان الأمازيغ، علم الحركة (ماك) التي يقودها المغني والناشط السياسي السابق، فرحات مهني، الذي أنشأ حكومة منفى للمطالبة بانفصال منطقة القبائل عن الجزائر.
وقامت قوات الأمن خلال الأسابيع الماضية بمصادرة بعض هذه الرايات حين يتاح لها ذلك، مع تجنب الدخول في مناوشات مع المتظاهرين تجنبا لحدوث انزلاقات، كما قامت قبل أسبوعين بسحب أعلام فلسطينية ضخمة كانت بحوزة مجموعة من المتظاهرين.
ويرتقب أن يثير قرار قائد الجيش ردود فعل سياسية وشعبية صاخبة، خاصة بالنسبة للسكان والناشطين الأمازيغ، خاصة إذا كان يشمل الراية التاريخية والثقافية للسكان الأمازيغ، والتي ترفع في المظاهرات منذ الجمعة الأولى للحراك في 22 فبراير/ شباط الماضي، وهي راية لا علاقة لها براية الحركة الأمازيغية الانفصالية.
وقال الناشط السياسي، ناصر حداد، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "تصريحات قائد الجيش بشأن الرايات غير مضبوطة وغير مناسبة ومن شأنها أن تثير مشاكل جدية وحساسية خاصة لدى السكان الأمازيغ". وأضاف حداد وهو ناشط يتبنى الدفاع عن الهوية الأمازيغية أنه "من الواضح أن تصريحات قايد صالح تستهدف تقسيم الحراك، لا خلاف بشأن الراية الوطنية الموحدة والمعروفة، لكن ذلك لا يجب أن يمنع وجود راية الهوية الأمازيغية".
وتابع أنه "في حال تم منع رفع الراية الأمازيغية في المسيرات فإن هذا سيخلق مشاكل وتوترات حقيقية بين المتظاهرين في الحراك الشعبي وقوات الأمن". واعتبر حداد أنه "بالنسبة لبعض الرايات التي تعبر عن حركات متشددة كراية المتشددين الاسلاماويين وراية حركة الماك الانفصالية، فإن المتظاهرين أنفسهم يتكفلون بطرد أصحابها من المسيرات، ولا حاجة بشأنها لاتخاذ قرار يعلنه مسؤول رفيع بمستوى قايد صالح".
وفي سياق آخر بدأت خطابات قائد الجيش تنحى باتجاه ملفات وقضايا اقتصادية في علاقة بتداعيات الأزمة السياسية. واعتبر قايد صالح أن "عجلة التنمية في بلادنا ستنطلق بوتيرة أسرع وبعزيمة وبأهداف أسمى ولا مكان لأزمة اقتصادية ولا لغيرها من الأزمات إذا ما تحررت الجزائر من العصابة والمفسدين ومنتهكي الأمانة"، في إشارة منه إلى رؤساء الحكومات والوزراء والمسؤولين الملاحقين في قضايا فساد ونهب وتبديد للمال العام، رفقة عدد من رجال الأعمال المقربين من محيط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وعلى الصعيد الأمني، تعهد قائد الجيش بمنع أية محاولة من مجموعات إرهابية أو إجرامية لتنفيذ عمليات في الجزائر. وقال إن "الجيش سيعمل في الوقت الحالي على تأمين حدودنا الوطنية، تأمينا كاملا من خلال الوقوف الدائم بالمرصاد لأي اختراق إرهابي محتمل أو أي عمل معاد مهما كان مصدره، يهدف إلى المساس بأمن الجزائر واستقرار شعبها".