تسارع ظهور القراءات الأوروبية والألمانية حول الشكل الذي يمكن أن تكون عليه خيارات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لجهة التحالفات التي عليها نسجها للتمكّن من قيادة ولاية حكومية رابعة يكون حزبها "المسيحي الديمقراطي" هو الركن الأساسي في الائتلاف الحاكم. صحيح أن حزب ميركل فاز في الانتخابات البرلمانية، يوم الأحد الماضي، لكن الصحيح أيضاً هو أنه أضعف فوز له منذ عام 1949 مع أقل من 33 في المائة من الأصوات، في ظل اختراق تاريخي حققه اليمين الشعبوي المتطرف عبر حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي حصد نحو 13 في المائة من الأصوات و89 نائباً للمرة الأولى منذ سقوط النازية. اختراق ساهم فيه انشقاق ضمني لأصوات عديدة من حزب ميركل وتصويتهم لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، أو "النازي الحقيقي"، كما يسميه وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل.
واجتمعت قيادة محافظي "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" اعتباراً من الساعة التاسعة من صباح يوم أمس، لاستخلاص العبر مما سمته صحيفة "بيلد" الألمانية "الانتصار الكابوسي" لميركل. وقال رئيس "الاتحاد المسيحي الاجتماعي" (الحزب الشقيق للمسيحي الديمقراطي في منطقة بافاريا) هورست سيهوفر: "لقد أهملنا خاصرتنا اليمينية، ويتحتم علينا الآن ردم الهوّة بمواقف حازمة". وكتبت صحيفة "سودويتشه تسايتونغ"، من يسار الوسط، أمس الإثنين: "الذهول يخيم بين صفوف المحافظين، والمسؤولة الرئيسية معروفة"، في إشارة إلى ميركل وقرارها التاريخي في فتح حدود بلدها أمام اللاجئين والمهجرين عام 2015.
وقرر الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" تعقيد المهمة أمام ميركل، عندما ارتأى الانتقال إلى المعارضة وعدم التحالف مع "المسيحي الديمقراطي" لتشكيل حكومة ائتلافية، بعدما دام تحالفهما طيلة السنوات الثماني الماضية، لتصبح خيارات ميركل محدودة، لا بل محصورة بما يسمى في ألمانيا "خيار جامايكا"، أي التحالف الثلاثي بين حزب ميركل وكل من "الحزب الليبرالي الحر"، و"الخضر". وقد جاءت تسمية "جامايكا" نسبة إلى أعلام الأحزاب الثلاثة مجتمعة، فتصبح قريبة من علم دولة جامايكا.
عودة الحزب "الليبرالي الحر" إلى البرلمان، مع 70 نائباً، على أرضية انتقاد سياسة ميركل في الهجرة واللجوء، لن تسهل البحث عن تحالفات المستشارة لتشكيل حكومة ائتلافية من دون أن يفرض الحزب متغيرات على توجّه السياسة الألمانية في هذا السياق. بالتالي، في المشهد السياسي لتشكيل حكومة المستقبل، ستكون المستشارة مضطرة للذهاب نحو المفاوضات مع "الخضر" والليبراليين. بيد أن هذا الخيار دونه عقبات كثيرة، لعل أهمها تنافر برامجي وفكري بين "الخضر" من جهة والليبراليين (في اف دي بي) من جهة ثانية، ثم مع المحافظين في حزب ميركل والحزب البافاري الشقيق، "الاجتماعي المسيحي". وعلى الرغم من أن تلك الأحزاب هي أحزاب مؤيدة لألمانيا الأوروبية، ثمة عقبات تقف أمام تشكيل هذا الائتلاف على قاعدة الاختلاف في المواقف السياسية لهذه الأحزاب في الشؤون المتعلقة باليورو، والنقد الموحّد واللاجئين والبيئة/ المناخ والسياسة الضريبية والخصخصة ودولة الرعاية والرفاهية. ويكفي التفكير في تنافر الليبراليين وحزب "الخضر" في المسائل البيئية لتجد ميركل نفسها أمام خيار يصعب فيه جمع هذه الأطراف، من دون أن تكون هناك استحالة في البراغماتية السياسية الألمانية المعهودة.
اقــرأ أيضاً
أمام ميركل، ومن يطلق عليهم المراقبون "الطبقة السياسية العقلانية"، مهام تبدو كـ"صداع داخلي وخارجي". فعدا عن مسألة تشكيل الحكومة، ثمة تحديات تقف أمام الأحزاب السياسية، وحتى في معسكر ميركل، خصوصاً للحزب البافاري الشقيق "الاجتماعي المسيحي"، فالأخير التزم سياسة صارمة سابقاً بعدم توجيه انتقادات قاسية بحق ميركل في عدد من القضايا التي كان من الممكن أن تؤثر أكثر على نتائج الانتخابات. فمطالب تشديد سياسة اللجوء باتت الآن، بعد نتائج الانتخابات، أكثر وضوحاً من خلال القيادي في "الاجتماعي المسيحي" هورست سيهوفر. وذلك أمر هام لهذا الحزب كونه يواجه تحدياً مباشراً في انتخابات العام المقبل في بافاريا مع احتمال اكتساح حزب "البديل" لهذه الانتخابات. وبتعبير وزير المواصلات عن الحزب نفسه، ألكسندر دوبريندت، بعيد النتائج الأخيرة: "بات من المطلوب الآن ردم الهوة في المواقف من تلك القضايا"، ما يشير إلى توجّه الحزب للضغط على ميركل للحصول على تنازلات سياسية منها. وبغض النظر عن خيارات تشكيل الحكومة المقبلة، فإن ميركل تواجه مهمات لا يمكن حلها بعيداً عن بقية الأحزاب والمشرعين. من بين هذه المسائل، القضايا الاقتصادية وسقف التقاعد والحاجة للأيدي العاملة، وخصوصاً أن وزارة الصحة أعلنت منذ وقت قصير الحاجة إلى 140 ألف عامل في قطاع الرعاية مع حلول عام 2025، هذا إلى جانب الحاجة لتأمين عشرات آلاف المدرسين مع تزايد نسب المواليد وأطفال اللاجئين، والحاجة لمناقشة التقنيات الجديدة وتفعيل سياسات بيئية مختلفة عن السابق.
التحدي الذي واجهته الأحزاب التقليدية الألمانية في خطاب اليمين المتطرف يتعلق أيضاً بالأوضاع الداخلية، وليس فقط بقضايا الهجرة. فمن بين المسائل التي لعب على وترها هذا اليمين، أنّ نصف الألمان يعيشون في مساكن مستأجرة، مع زيادة كبيرة في الإيجارات التي ترهق كاهل الألمان. وتُعتبر هذه القضية نقطة خلاف يمكن أن تفجّر أي تحالف، وخصوصاً مطالب بناء المزيد من الوحدات السكنية.
وربما يكون الخبر الجميل الوحيد اليوم بالنسبة لميركل، هو الانقسام السريع داخل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي حلّ ثالثاً في البرلمان، إذ قررت زعيمة الحزب، فراوكه بيتري، الانسحاب من الكتلة البرلمانية لحزبها، بشكل مفاجئ، أمس الاثنين، خلال مؤتمر صحافي عُقد لتقييم نتيجة الانتخابات. وقالت بيتري، قبل أن تنسحب من القاعة: "أعتقد أن علينا أن نقر بصراحة اليوم بوجود خلاف على المحتوى في حزب البديل من أجل ألمانيا، وأعتقد أن علينا ألا نسكت عن ذلك، لأن المجتمع يدعو لحوار مفتوح". ورفضت الإجابة عن مزيد من الأسئلة بما يشمل سؤالاً عما إذا كانت ستبقى الزعيمة المشاركة للحزب، لكنها قالت إن الناس سيسمعون أخباراً منها في الأيام المقبلة. وقال قادة الحزب إنهم لا يعرفون سبب انسحابها من المؤتمر. وكانت بيتري قد فجّرت مفاجأة في إبريل/ نيسان عندما قالت إنها لن تقود حزبها في الحملة الانتخابية بعد أن اختلفت مع أعضاء بارزين في الحزب بسبب دفاعها عن تبنّي نهج أكثر اعتدالاً.
وقرر الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" تعقيد المهمة أمام ميركل، عندما ارتأى الانتقال إلى المعارضة وعدم التحالف مع "المسيحي الديمقراطي" لتشكيل حكومة ائتلافية، بعدما دام تحالفهما طيلة السنوات الثماني الماضية، لتصبح خيارات ميركل محدودة، لا بل محصورة بما يسمى في ألمانيا "خيار جامايكا"، أي التحالف الثلاثي بين حزب ميركل وكل من "الحزب الليبرالي الحر"، و"الخضر". وقد جاءت تسمية "جامايكا" نسبة إلى أعلام الأحزاب الثلاثة مجتمعة، فتصبح قريبة من علم دولة جامايكا.
عودة الحزب "الليبرالي الحر" إلى البرلمان، مع 70 نائباً، على أرضية انتقاد سياسة ميركل في الهجرة واللجوء، لن تسهل البحث عن تحالفات المستشارة لتشكيل حكومة ائتلافية من دون أن يفرض الحزب متغيرات على توجّه السياسة الألمانية في هذا السياق. بالتالي، في المشهد السياسي لتشكيل حكومة المستقبل، ستكون المستشارة مضطرة للذهاب نحو المفاوضات مع "الخضر" والليبراليين. بيد أن هذا الخيار دونه عقبات كثيرة، لعل أهمها تنافر برامجي وفكري بين "الخضر" من جهة والليبراليين (في اف دي بي) من جهة ثانية، ثم مع المحافظين في حزب ميركل والحزب البافاري الشقيق، "الاجتماعي المسيحي". وعلى الرغم من أن تلك الأحزاب هي أحزاب مؤيدة لألمانيا الأوروبية، ثمة عقبات تقف أمام تشكيل هذا الائتلاف على قاعدة الاختلاف في المواقف السياسية لهذه الأحزاب في الشؤون المتعلقة باليورو، والنقد الموحّد واللاجئين والبيئة/ المناخ والسياسة الضريبية والخصخصة ودولة الرعاية والرفاهية. ويكفي التفكير في تنافر الليبراليين وحزب "الخضر" في المسائل البيئية لتجد ميركل نفسها أمام خيار يصعب فيه جمع هذه الأطراف، من دون أن تكون هناك استحالة في البراغماتية السياسية الألمانية المعهودة.
أمام ميركل، ومن يطلق عليهم المراقبون "الطبقة السياسية العقلانية"، مهام تبدو كـ"صداع داخلي وخارجي". فعدا عن مسألة تشكيل الحكومة، ثمة تحديات تقف أمام الأحزاب السياسية، وحتى في معسكر ميركل، خصوصاً للحزب البافاري الشقيق "الاجتماعي المسيحي"، فالأخير التزم سياسة صارمة سابقاً بعدم توجيه انتقادات قاسية بحق ميركل في عدد من القضايا التي كان من الممكن أن تؤثر أكثر على نتائج الانتخابات. فمطالب تشديد سياسة اللجوء باتت الآن، بعد نتائج الانتخابات، أكثر وضوحاً من خلال القيادي في "الاجتماعي المسيحي" هورست سيهوفر. وذلك أمر هام لهذا الحزب كونه يواجه تحدياً مباشراً في انتخابات العام المقبل في بافاريا مع احتمال اكتساح حزب "البديل" لهذه الانتخابات. وبتعبير وزير المواصلات عن الحزب نفسه، ألكسندر دوبريندت، بعيد النتائج الأخيرة: "بات من المطلوب الآن ردم الهوة في المواقف من تلك القضايا"، ما يشير إلى توجّه الحزب للضغط على ميركل للحصول على تنازلات سياسية منها. وبغض النظر عن خيارات تشكيل الحكومة المقبلة، فإن ميركل تواجه مهمات لا يمكن حلها بعيداً عن بقية الأحزاب والمشرعين. من بين هذه المسائل، القضايا الاقتصادية وسقف التقاعد والحاجة للأيدي العاملة، وخصوصاً أن وزارة الصحة أعلنت منذ وقت قصير الحاجة إلى 140 ألف عامل في قطاع الرعاية مع حلول عام 2025، هذا إلى جانب الحاجة لتأمين عشرات آلاف المدرسين مع تزايد نسب المواليد وأطفال اللاجئين، والحاجة لمناقشة التقنيات الجديدة وتفعيل سياسات بيئية مختلفة عن السابق.
التحدي الذي واجهته الأحزاب التقليدية الألمانية في خطاب اليمين المتطرف يتعلق أيضاً بالأوضاع الداخلية، وليس فقط بقضايا الهجرة. فمن بين المسائل التي لعب على وترها هذا اليمين، أنّ نصف الألمان يعيشون في مساكن مستأجرة، مع زيادة كبيرة في الإيجارات التي ترهق كاهل الألمان. وتُعتبر هذه القضية نقطة خلاف يمكن أن تفجّر أي تحالف، وخصوصاً مطالب بناء المزيد من الوحدات السكنية.