عجز دولي يعمّق إبادة الغوطة...والأمم المتحدة تخشى "اتفاق تهجير"

أحمد حمزة

avata
أحمد حمزة
22 فبراير 2018
91D52C22-8224-4A57-BB6F-99EC54A98A4F
+ الخط -


"مجزرة"، "فاجعة إنسانية"، "اعتداءات مرعبة"، وغيرها من الأوصاف التي استُخدمت في اليومين الأخيرين لوصف جرائم النظام السوري وروسيا في الغوطة الشرقية لدمشق، مع اقتراب عدد القتلى من 300 خلال أيام، ولكن من دون أي تحرك دولي حقيقي لوقف هذه المجازر، ليظهر عجز المنظمات الدولية واكتفاء الدول الكبرى بالتصاريح. في المقلب الآخر، كانت روسيا تؤمن غطاء للنظام السوري لاستكمال جرائمه، بإسقاطها مقترحاً أممياً لـ"هدنة إنسانية" لمدة شهر في سورية، ومحاولة إبعاد المسؤولية عنها، فيما لم يكتف النظام بالاستمرار بالقصف الممنهج على المدنيين والمراكز الحيوية والطبية في الغوطة، بل حاول الإيحاء بأنه الضحية، موجّهاً رسالة للأمم المتحدة طالب فيها بإدانة القصف على دمشق.

عدم اتخاذ أي إجراءات فعلية لوقف محرقة الغوطة، والأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها المدنيون، لم تترك لسكان الغوطة سوى القول إنهم "ينتظرون دورهم في الموت"، كما نقلت وكالة "رويترز" عن مواطنين في دوما. كما أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر توقعت "أن يزداد الوضع سوءاً"، على الرغم من دعوتها كل من يقاتلون إلى ضبط النفس واحترام القوانين الإنسانية الدولية عند استخدام أسلحتهم. وطلبت المتحدثة باسم اللجنة يولاندا جاكيمي، السماح بنقل المساعدات إلى الغوطة، خصوصاً للمصابين الذين هم في حالة خطيرة والذين يحتاجون للعلاج.


وجاء بيان "يونيسف" الأخير المتعلق بالكارثة الإنسانية في الغوطة الشرقية، ليؤكد مدى عجز كبرى المنظمات الدولية عن التحرك لوقف الجرائم ضد المدنيين في المنطقة، إذ إن "يونيسف" التي تُعنى بحماية حقوق الأطفال حول العالم، افتتحت بيانها بـ"ليس هناك كلمات تنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم"، واختتمته بعد ترك ستة أسطر فارغة بأنه "لم يعد لدينا كلمات لوصف معاناة الأطفال وحدّة غضبنا". وعلى هذا المنوال، جاءت المواقف الدولية خلال اليومين الماضيين، وخلت من أي مبادرة تتبنّى إجراء حقيقياً، يُخفف الكارثة المتفاقمة، ما خلا دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى هدنة إنسانية في الغوطة الشرقية "للسماح بإجلاء المدنيين". وحذا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذو ماكرون، فوجّه، أمام مجلس الأمن الدولي، مساء أمس، "نداءً إلى جميع الأطراف المعنية لوقف فوري للقتال لإفساح المجال أمام وصول المساعدة الانسانية إلى جميع من يحتاجون إليها". أما الموقف الأكثر وضوحاً، فصدر في بيان عن مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين جاء فيه إنه "يجب على المجتمع الدولي إنهاء حملة الإبادة الوحشية" في الغوطة الشرقية، مشيراً إلى أن "أي اتفاق سياسي بشأن الغوطة الشرقية يجب ألا يتضمن النزوح القسري للمدنيين"، في إشارة إلى رغبة النظام تهجير أهل المنطقة على غرار ما فعله في باقي المناطق السورية، من حمص وداريا والزبداني وحلب... وتحدث الأمير زيد في بيانه عن توثيق الأمم المتحدة "مقتل 346 مدنياً وإصابة 878 في الغوطة الشرقية منذ 4 فبراير معظمهم في ضربات جوية على مناطق سكنية".

وبعد ثلاثة أيامٍ من قصف النظام المدفعي والصاروخي والجوي العنيف، والذي أدى لمقتل أكثر من مائتين وخمسين شخصاً بينهم نساء وأطفال، تجددت منذ صباح أمس الأربعاء، الهجمات الكثيفة في الغوطة الشرقية، وأدت إلى مقتل أكثر من 55 شخصاً، وكان أعنفها القصف الذي أدى إلى مقتل أكثر من عشرة مدنيين في بلدة كفربطنا كحصيلة أولية ظهر الأربعاء، في الوقت الذي طاولت فيه الهجمات الصاروخية والجوية، مدناً وبلدات أوتايا، عربين، سقبا، حزة، جسرين، حمورية، وغيرها، وأسقطت قتلى وجرحى. جاء ذلك بعد يومٍ دامٍ عاشته معظم قرى وبلدات ومدن الغوطة الشرقية، إذ وثّق الناشطون مقتل مائة وعشرة مدنيين، يوم الثلاثاء، بحسب توثيق وكالة "داماسكي" التي يديرها ناشطون في الغوطة، والتي أحصت شن طائرات النظام الحربية لأكثر من مائة وثلاثين غارة، بالإضافة لإلقاء الطيران المروحي نحو خمسةٍ وأربعين برميلاً متفجراً، فضلاً عن عشرات القذائف الصاروخية والمدفعية.

هذا التصعيد غير المسبوق لجهة أعداد الضحايا منذ سنوات في الغوطة الشرقية، تبرره روسيا بأنه عمليات تستهدف القضاء على "جبهة النصرة" في الغوطة، وتتجاهل أن أعداد عناصر الجبهة محدودة وتُقدر بالعشرات، ولا نفوذ حقيقياً لها، إذ إن فصيلي "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، يملكان القدرة العسكرية الكبرى بالغوطة، ووقّعا اتفاقيتين لـ"خفض التصعيد" مع الجانب الروسي قبل أشهر. وحاولت موسكو تبرئة نفسها نافية ضلوعها في القصف على الغوطة. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين أمس "إنها اتهامات لا أساس لها"، بعدما اتهمت الخارجية الأميركية الثلاثاء روسيا بانها "مسؤولة" عن هذه الهجمات وعن "الوضع الإنساني الرهيب في الغوطة".

وكانت موسكو قد رفضت مقترح الأمم المتحدة لبدء "هدنة إنسانية" لمدة شهر في سورية، في الوقت الذي قالت فيه على لسان نائب وزير خارجيتها سيرغي ريابكوف، إنها تعمل على إعداد مشروع قرارٍ في مجلس الأمن حول الغوطة الشرقية. وقال ريابكوف أمس الأربعاء، إن "القرار (الذي تعتزم بلاده تقديمه) هو حول المسائل الإنسانية بشكل عام"، مضيفاً "في ما يتعلق بالهدنة الإنسانية فهذا يعتمد على كيفية سير إعداد مشروع القرار هذا، أعتقد أن هذه المسألة ستحل أيضاً".

أما النظام السوري، فلم يكتف بتغييب كل الأخبار عن سقوط ضحايا مدنيين في الغوطة عبر وسائل إعلامه الرسمية، بل حاول لعب دور الضحية، بتوجيه وزارة خارجيته رسالة إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، طالبت فيها بـ"الإدانة الفورية، والشديدة" للقصف الذي تتعرض له مدينة دمشق منذ يومين بقذائف الهاون. واعتبرت الخارجية في رسالتها التي وجهتها الثلاثاء للأمين العام للأمم المتحدة، أن "بعض المسؤولين الغربيين وغيرهم شركاء في الجرائم التي ينفذها الإرهابيون بحق المواطنين الأبرياء في مدينة دمشق وريفها، ولا سيما أنهم ينكرون حق الدولة السورية في الدفاع عن مواطنيها ومكافحتها للإرهاب والتصدي لمن يمارسه ويموله ويدعمه بالسلاح"، مضيفة أن "هذا التصعيد الإرهابي الخطير من قبل التنظيمات الإرهابية المتواجدة في الغوطة الشرقية وقصفها مدينة دمشق بأكثر من 45 قذيفة صاروخية خلال ساعات أدت إلى استشهاد ستة مدنيين وإصابة أكثر من 29 غيرهم حتى ساعة إعداد هذه الرسالة" التي نشرتها وكالة "سانا" مساء الثلاثاء.


في المقابل، فإن التصعيد الممنهج ضد مستشفيات ونقاط طبية خلال اليومين الماضيين، لم يُقابل سوى بمواقف دولية اكتفت بالتعبير عن القلق من تصاعد العنف، والدعوة لوقف التصعيد. واعتبر منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية، بانوس مومتزيس، أن التقارير حول الأوضاع في الغوطة الشرقية "مرعبة"، قائلاً: "أفزعتني وأحزنتني جداً تقارير حول اعتداءات مرعبة ضد ستة مستشفيات في الغوطة الشرقية خلال 48 ساعة، ما خلّف قتلى وجرحى"، مشيراً إلى أن ثلاثة مستشفيات خرجت عن الخدمة.

وبعد يومين من دعوة الأمم المتحدة لوقف العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية "فوراً"، ذكر المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن "الأمين العام يشعر بقلق عميق من تصعيد الوضع في الغوطة الشرقية والأثر المدمر لذلك على المدنيين"، مضيفاً أن "نحو 400 ألف شخص في الغوطة الشرقية تعرضوا لضربات جوية وقصف بالمدفعية... يعيشون في ظروف قاسية، بما في ذلك سوء التغذية". وسبق موقف "القلق" هذا، بيانٌ لـ"يونيسف"، بكلماتٍ قليلة وفراغات كثيرة، عبّرت فيه عن عجزها حيال المجازر اليومية في الغوطة الشرقية، والتي أدت إلى مقتل عشرات الأطفال في الأيام الثلاثة الماضية، إذ إن البيان المذكور، قال بما معناه أن المنظمة الدولية لا قدرة لديها على التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. من جهته، قال المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث الثلاثاء، إنه "لا يجوز الادعاء، في حين يحاصر الأسد المدنيين في الغوطة الشرقية ويقصفهم بلا هوادة، ويقصف أيضاً مستشفياتهم، أن هذه حرب: إنها مجزرة. وبوتين يجعل ذلك ممكناً".

أما الدول الكبرى ودائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فكررت مواقفها السابقة حيال المجازر الحالية في الغوطة الشرقية، إذ عبّرت الخارجية الأميركية عن "بالغ قلقها"، وقالت المتحدثة باسمها هيذر نويرت الثلاثاء، إن "وقف العنف يجب أن يبدأ الآن"، فيما قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إن "الوضع في سورية يتدهور بشكل ملحوظ... إذا لم يطرأ عنصر جديد فإننا نتجه نحو فاجعة إنسانية". وخرجت جامعة الدول العربية عن صمتها، بموقفٍ خجول، استنكرت فيه التصعيد العنيف في الغوطة الشرقية، إذ قال المتحدث باسمها محمود عفيفي، إن الهجمات التي يشنها النظام في الغوطة لا تميز بين المدنيين والعسكريين، و"لا تتناسب وطبيعة المناطق السكنية الآهلة بالسكان، وتؤدي حتماً إلى إسقاط ضحايا كثر بين المدنيين".

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى عضو الأمانة العامة لـ"المجلس الوطني السوري"، عبد الرحمن الحاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ضعف المواقف الدولية وشبه غياب مواقف من يطلق عليهم أصدقاء الشعب السوري، إنما يعبر عن عجز كل هؤلاء عن مواجهة قوة عالمية كبرى مثل روسيا، خصوصاً أن هذه القوة تتواجد عسكرياً على الأرض في سورية، وتمنع بحكم صلاحياتها في مجلس الأمن استصدار أي قرارٍ يخالف توجهاتها ولا يخدم مصالحها".

وأضاف المعارض السوري أن "الصوت المنخفض في مواقف الدول الغربية والقوى الإقليمية، يعطي مؤشراً على أن هذه الدول غير قادرة فعلياً على فعل أي شيء، أو اتخاذ أي إجراء حقيقي يوقف جرائم محور النظام وإيران وروسيا في سورية، خصوصاً أن لروسيا القدرة على إيقاف أي إجراءات قانونية دولية في هذا الإطار"، معتبراً أن "الدولة الوحيدة القادرة على اتخاذ إجراء حقيقي هي الولايات المتحدة، ولا يبدو أنها تتحرك في هذا الاتجاه حتى الآن".

وأشار الحاج إلى أن روسيا "تعتبر أن كل مناطق غرب الفرات في سورية مستباحة بالنسبة لها"، وأن "العامل الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في الغوطة الآن، هو قدرة الفصائل العسكرية على التصدي للهجمة الوحشية الحالية، وإفشال أي عمل عسكري بري محتمل، وهذا ما يحدث حتى الآن"، لافتاً إلى أن "مقاربة ما جرى في شرقي حلب مع ما يجري حالياً في الغوطة الشرقية ليس دقيقاً، فأهالي الغوطة وفصائلها العسكرية، ورغم وضعهم المأساوي، تكيفوا مع وضع الحصار الممتد منذ أربع سنوات على الأقل، وأعدوا العدة لمواجهة طويلة، أما مناطق شرقي حلب فلم تكن مُعدة لحصار طويل، ولم تتوفر مقومات الصمود أمام الحصار الذي ضرب عليها قبل اسابيع فقط من بدء الهجوم البري" نهاية سنة 2016.

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة