أزمة بغداد- أربيل: وساطات لمنع الانفجار

15 أكتوبر 2017
الشرطة العراقية على مداخل كركوك (علي مكرّم غريب/الأناضول)
+ الخط -
يبدو الصراع بين الحكومة العراقية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان في أربيل، مفتوحاً على احتمالات عدة وسط سباق بين التصعيد العسكري ومحاولات الحل، في ظل تمدد الاشتباكات بين قوات الطرفين، بعدما كان الخلاف قد انتقل من مجرد التراشق بالتصريحات بداية، مروراً بالاستعراضات في مدينة كركوك (شمال العراق) قبل أن يتحول إلى اشتباكات مسلحة وصلت أمس السبت إلى بلدة طوزخورماتو المجاورة. وتزامنت التطورات الميدانية مع وصول قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى محافظة السليمانية في إقليم كردستان، والمساعي الأميركية لمنع وقوع الحرب بين بغداد وأربيل، مع انتشار آلاف المقاتلين من البشمركة والقوات العراقية و"الحشد الشعبي" على تخوم كركوك.

وانعكس التوتر السياسي على الوضع الأمني، مع إعلان بغداد أنها أمهلت قوات البشمركة حتى الساعة 12 من منتصف ليل السبت ـ الأحد، للتراجع إلى حدود ما قبل 9 يونيو/حزيران 2014 (تاريخ سيطرة تنظيم داعش على تلك المناطق). كما أطلقت مليشيات عراقية، أمس السبت، تهديدات شديدة اللهجة ضد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، إذ قال القيادي في مليشيا "بدر" كريم النوري إن مدينة كركوك (شمال العراق) ستعود قريباً إلى الوضع الذي كانت عليه قبل دخول تنظيم داعش الإرهابي الموصل ومدن عراقية أخرى منتصف عام 2014". وأضاف "ننصح مسعود البارزاني بألا يتمادى كثيراً، ومن يفتح النار فإنه سيفتح أبواب جهنم على نفسه، وعليه ألا يتصرف بطريقة خاطئة، فمدينة كركوك ستعود كما كانت بيد السلطة الاتحادية قريبا وعليه أن يفهم ذلك".


وسبق انتهاء المهلة التي حددتها حكومة بغداد اندلاع الاشتباكات المسلحة في طوز خورماتو، التي تضاربت الأنباء بشأن تفاصيلها، وكشفت عن عنصر آخر في معادلة الصراع بين بغداد وأربيل هو "حزب العمال الكردستاني" التركي المعارض الذي يتخذ من شمال العراق مقراً لوجوده.

وذكر عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، علي البياتي، أن "عناصر من حزب العمال الكردستاني شاركوا في الاشتباكات التي اندلعت في طوزخورماتو ليل الجمعة – السبت الماضي"، مطالباً القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بـ"إرسال قوات اتحادية لحماية المدنيين هناك". وأشار إلى أن "مقاتلي حزب العمال شاركوا إلى جانب القوات الكردية في هجمات استهدفت حسينيات ومقار لمليشيا (الحشد الشعبي) في طوزخورماتو"، داعياً في بيان البرلمان إلى "إصدار قرار يفوض بغداد بنشر قوات مسلحة في المناطق المتنازع عليها".

لكن لدى الأطراف الكردية روايات مختلفة للاشتباكات التي حدثت في طوز خورماتو، إذ أكد قادة عسكريون من إقليم كردستان لوسائل إعلام كردية أن "الاشتباكات اندلعت بعد أن هاجم مسلحون ينتمون للمليشيات مقر الاتحاد الوطني الكردستاني في البلدة".

ورأى القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل، أن "الحكومة العراقية تتجه نحو الحرب تنفيذاً لأوامر إيرانية"، مبيّناً في حديث لـ"العربي الجديد" بأن "تحرّك الحشد الشعبي والجيش العراقي في كركوك، جاء بتوجيه من إيران لخلق الفوضى في البلاد". وأشار إلى أن "الحكومة العراقية تنفي في الإعلام وجود نية للحرب، لكن الخطوات المتخذة هي خطوات حرب"، مضيفاً أن "الجيش العراقي للأسف أصبح لطائفة واحدة والحشد معه يتلقى أوامره من الخارج".

في المقابل، اعتبر القيادي في مليشيا "الحشد الشعبي" جبار المعموري، أن "عودة كركوك إلى السلطة الاتحادية في بغداد مسألة وقت"، موضحاً أن "رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني دخل في مغامرة فاشلة". وأضاف "لن تكون هناك هيمنة لمكون أو قومية بل ستكون إدارتها بيد أبنائها وثرواتها ستدار من قبل وزارة النفط وفقاً للإطار القانوني"، لافتاً إلى أن "مؤامرة إقليم كردستان لتقسيم البلاد فشلت في تحقيق أهدافها".
وبات واضحاً أن الحكومة العراقية تسعى لإعادة فرض سيطرتها في المناطق المتنازع عليها والتي كانت قوات البشمركة قد انتشرت فيها.

وساطات لمنع الانفجار

في غضون ذلك، وصل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى محافظة السليمانية في إقليم كردستان. وأكدت مصادر سياسية من داخل الإقليم أن "سليماني جاء بنصائح للاتحاد الوطني الكردستاني، تدعوه للتخلي عن موقفه الداعم لانفصال كردستان عن العراق"، موضحة لـ"العربي الجديد" بأن "قيادات في الاتحاد وعدت بدراسة ما جاء في النصائح بشكل معمق".

وذكر بيان عن الاتحاد الوطني الكردستاني، بأن "سليماني وصل أمس السبت إلى السليمانية وزار قبر الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني"، ونُقل في البيان عن سليماني قوله إن "الرئيس مام جلال أدى دوراً كبيراً في معالجات الأزمات والمشاكل التي واجهت العراق، كما ساهم في تعزيز الأخوة والوئام والسلام بين جميع المكونات والطوائف".

في هذا السياق، أكد عضو البرلمان العراقي السابق، السياسي الكردي محمود عثمان لـ"العربي الجديد"، أن "الصراع المتفاقم قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، لافتاً إلى أن التزمت لا يمكن أن ينفع أحد لحلّ الأزمة"، موضحاً أن "الحوار هو المخرج الوحيد من المشاكل الحالية". وأضاف أنه "يجب اللجوء للدستور لحلّ المشاكل العالقة بين الطرفين"، مبيناً أن "صوت التطرف هو الذي يسود حالياً، ولا مجال لأصوات العقل الصادرة من المستقلين". وشدّد على "ضرورة تفاهم العراقيين فيما بينهم وعدم فسح المجال للآخرين، لأن القوى الخارجية تعمل على تأجيج الأوضاع".



بدوره، كشف وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أن "بلاده تعمل من أجل ضمان عدم تصاعد التوتر بين قوات الحكومة العراقية المركزية والقوات الكردية حول مدينة كركوك". وأضاف: "نحاول تخفيف الأمر كله، والتوصل إلى كيفية المضي قدماً من دون أن نرفع أعيننا عن العدو". وشدّد على "ضرورة أن يبقى تركيز الجميع على هزيمة تنظيم داعش. لا يمكن أن ننقلب على بعضنا بعضا الآن. لا نريد أن نصل إلى وضع إطلاق نار".

وكانت الحكومة العراقية من جهتها قد أغلقت جميع سبل الحوار مع أربيل ما لم يلغ إقليم كردستان استفتاء الانفصال الذي أجري في 25 سبتمبر من الشهر الماضي. ووفقا لمسؤول مقرّب من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فإن إلغاء نتائج الاستفتاء لا يزال شرطاً لأي حوار مع الإقليم.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن المسؤول العراقي قوله إن "أية حوارات مستقبلية لن تتناول أي شيء يتعلق بنتائج الاستفتاء"، موضحاً أن "إصدار المحكمة الاتحادية حكماً بعد إجراء الاستفتاء جعله غير دستوري. الأمر الذي يترتب عليه اعتبار نتائج الاستفتاء لاغية".

ورأى عضو "تحالف القوى" محمد المشهداني، أن "الجهود السياسية المبذولة لحل الأزمة بين بغداد وأربيل قد لا تثمر شيئاً في ظل تمسك جميع الأطراف بمواقفها"، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "القوى السياسية لديها فرصة أخيرة لاحتواء الصراع الذي بدأ ينتقل من البيانات والتصريحات إلى الأرض التي تشهد احتقاناً غير مسبوق بين الأطراف الكردية من جهة، والأطراف الحكومية من جهة أخرى".