بعد أيام من إعلان الحكومة اليمنية انتهاء أزمة سقطرى مع الإمارات، يبدو أن السعودية دخلت على خط الأزمة لتتسلم زمام المبادرة في الجزيرة اليمنية الاستراتيجية، لا لتعيدها إلى الجانب اليمني بالضرورة، بل بما يعزز حضورها، من بوابتي حل أزمة الحكومة ــ أبو ظبي وإعادة الإعمار والتنمية، في ظل المصير الغامض للتواجد الإماراتي العسكري في الجزيرة، ومغادرة الحكومة اليمنية إلى الرياض. وأكدت مصادر محلية في سقطرى، لـ"العربي الجديد"، أن القوات الإماراتية، التي كان من المفترض أن تغادر بعد تسليم مطار وميناء المدينة للقوات اليمنية، لم تغادر، وسط شكوك بالتزامها المعلن يمنياً بإعادة الجزيرة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل مجيء القوات الإماراتية، وفقاً لمضامين الاتفاق الذي أعلنت عنه الحكومة اليمنية، برعاية اللجنة السعودية العسكرية.
وبدلاً من تأكيد الانسحاب الإماراتي من الجزيرة، بعد إعلان الحكومة الإثنين الماضي نهاية الأزمة، غادرت الأخيرة بكامل الوفد المرافق لرئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، بسرعة قصوى، متوجهة إلى عدن، لكنها ولأسباب غير معروفة، لم تبق في المدينة سوى لساعات، لتتوجه إلى الرياض، الأمر الذي أثار علامات استفهام كبيرة، خصوصاً أن رئيس الوزراء اليمني، كان في الرياض حتى إبريل/نيسان الماضي، قبل العودة إلى عدن، ومنذ عودته طاف المحافظات الجنوبية والشرقية، وختمها بمغادرة لم يُعلن عنها مسبقاً إلى الرياض. وبالتزامن مع مغادرة الحكومة، كانت المعادلة قد تغيرت إلى حد ما في جزيرة سقطرى. فبعد أن أعلن التحالف عن إرسال قوات سعودية إلى الجزيرة لتقوم بمهام تدريبية للقوات اليمنية وبالتنسيق مع الحكومة، أرسلت الرياض وفداً رفيع المستوى، برئاسة السفير السعودي محمد آل جابر، والذي يشغل أيضاً منصب مدير مركز "إسناد" العمليات الإنسانية الشاملة المعلنة والمسؤول عن ملف الإعمار في البلاد.
وفي سقطرى، بدا السفير السعودي والوفد المرافق له، من سعوديين ويمنيين بمن في ذلك وزراء، كبديل للحكومة التي غادرت بإعلان حل الأزمة. وشرع آل جابر في عقد الاجتماعات مع مسؤولي السلطة المحلية في المحافظة لمناقشة الاحتياجات التنموية والصعوبات التي يلاقيها سكان الجزيرة في الجانب الخدمي، الأمر الذي كان العنوان الأبرز خلال زيارة الوفد الحكومي، برئاسة بن دغر. وأعلن السفير السعودي عن افتتاح مكتب لبرنامج إعادة إعمار اليمن في سقطرى، بصفته المكلف من بلاده في هذا الملف، علماً أن المشاريع التنموية والخدمية كانت ذاتها البوابة التي دخلت منها أبو ظبي إلى الجزيرة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، إثر الأضرار التي تعرضت لها نتيجة إعصاري "تشابالا" و"ميغ" اللذين ضرباها أواخر العام 2015.
وفي هذا السياق، عكس نشاط الوفد السعودي في سقطرى، كيف أن المشاريع الخدمية هي مفتاح الصراع في هذا الجزء الاستراتيجي في اليمن، إذ إن الحكومة ذاتها، ومنذ وصول رئيسها بن دغر إلى سقطرى قبل أكثر من أسبوعين، شرعت في افتتاح المشاريع الخدمية والتنموية، على غرار طرقات ومكاتب حكومية وأمنية، الأمر الذي أثار حفيظة أبو ظبي، التي تحضر هي الأخرى باسم المشاريع التنموية والخدمية والإغاثية وعبر الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة "خليفة بن زايد" للأعمال الإنسانية وغيرها. ومن المفارقات أن مستوى الخدمات في الجزيرة، التي تعد محافظة في التقسيم الإداري لليمن، لا يبدو على النحو الذي يتناسب مع حجم المشاريع المعلنة، بقدر ما إنه بوابة للنفوذ ولتسجيل الحضور في الجزيرة.
ومن زاوية أخرى، أظهرت تطورات الـ72 ساعة الماضية، على الأقل، أن الرياض تدخلت في سقطرى لتسجل حضورها المباشر، عسكرياً وسياسياً، ومد خيوط العلاقات مع الوجهاء والسلطات المحلية من خلال المشاريع والمكتب الذي تم الإعلان عن افتتاحه لبرنامج إعادة الإعمار، وغيرها من العناوين، التي تخلص في المجمل، إلى أن الرياض عززت حضورها في الجزيرة التي تحتل موقعاً استراتيجياً عالمياً في ملتقى المحيط الهندي والبحر العربي. ومن الجانب اليمني، فإن الحكومة، التي أظهرت الأسابيع الماضية قدرتها على قول "لا" بوجه أبو ظبي ورفض ممارساتها والتصعيد إعلامياً ودبلوماسياً لرفض ما تقوم به، لا تفعل الأمر ذاته مع الرياض، التي تعد المقر المؤقت للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وأغلب مسؤولي حكومته. ويبقى السؤال، عما كان إذا الجانب اليمني حقق إرادته بفرض سيادته على الجزيرة ورفض الخطوات الإماراتية، أم أنه عزز الوجود الإماراتي بالسعودي. لكن المؤكد أن أبو ظبي خسرت في الحد الأدنى، أطماعها بأن يكون لها الكلمة الأولى والأخيرة في الجزيرة، وسيغدو بقاؤها محور رفض يمني في كل الأحوال.