وكان الرئيس السوداني، عمر البشير، قد اتخذ قراراً مفاجئاً بإقالة عثمان المعروف بنفوذه الواسع داخل النظام السوداني، في الوقت الذي كان عثمان يعد الرجل الثاني في نظام البشير، إذ أوفده لتمثيله في القمة الأميركية الإسلامية في الرياض، ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي السياق، كشفت مصادر سودانية سياسية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن عثمان أدى خلال الفترة الأخيرة التي سبقت إبعاده محاولات واسعة لإفشال العلاقات السودانية القطرية، في قت تربطه علاقات متطورة للغاية بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والمملكة العربية السعودية. ولفتت المصادر إلى أن محاولات عثمان زادت بشكل كبير مع بداية الأزمة الخليجية وقطع العلاقات من جانب محور الرياض - أبوظبي - المنامة - القاهرة مع الدوحة، وتشديد الحصار عليها من خلال دعوة عدد من الدول الأفريقية إلى قطع علاقاتها مع قطر.
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن "الأمر لم يرُق كثيراً للرئيس عمر البشير، في ظل علاقات قوية مع قطر، مفضلاً عدم الانحياز لطرف دون آخر، وهو ما أغضب أبوظبي والرياض، اللتين كانتا تريدان موقفا صريحاً بالانحياز لهما ضد الدوحة".
في السياق نفسه، كشف مصدر دبلوماسي سوداني رفيع المستوى في القاهرة، أن تعليمات صدرت لقيادة الجيش فور إبعاد عثمان من منصبه برفع درجة التأهب القصوى داخل الجيش وفروعه المختلفة، كذلك صدرت قرارات من وزير الخارجية إبراهيم غندور إلى سفراء السودان في العواصم المهمة بضرورة توخي الحذر من أي تحركات تقوم بها جهات مناوئة للنظام من دون أن يوضح تفاصيل بشأن تلك التحركات.
وأوضح المصدر أن نحو 12 قيادة أمنية بارزة تم توقيفها في الخرطوم بالتزامن مع قرار إطاحة عثمان، إضافة لفتح تحقيقات موسعة مع رؤساء عدد من البنوك في السودان بشأن تحويلات بنكية وصفت بالمشبوهة.
وكشف المصدر أن هذا اليوم شهد منح الرئيس السوداني عمر البشير، صلاحيات أمنية واسعة للفريق محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، وهو قائد المجموعات المسلحة الموالية للنظام في دارفور، وتكليفه بمهام لها علاقة بملاحظة أداء بعض الفرق العسكرية في الجيش والتدخل في الوقت اللازم، بحسب المصدر.
جاء ذلك في وقت تداول فيه عدد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً يحمل تفاصيل بشأن واقعة إطاحة عثمان، فبحسب التسجيل "فإن مدير جهاز الأمن الفريق محمد عطا والفريق أسامة مختار، قاما بإحضار مستندات تثبت تورّطه في تجاوزات مالية مشبوهة".
وجاء في التسجيل أن الحساب البنكي لعثمان يحوي 47 مليون دولار، إضافة إلى مستندات تثبت ملكيته لعدد من الفيلات في منطقة جميرا بإمارة دبي في الإمارات.
ذكْر اسم الإمارات لم يكن فقط قاصراً على ملكيته عدداً من الفيلات بها فقط، ولكن المصدر السوداني كشف أنه عشية إطاحته من منصبه، وصل إلى أجهزة الأمن السودانية ما يفيد بتلقي حساب الرجل الثاني في النظام الذي زعم كثيراً أن علاقته بالبشير تشبه علاقة الأب بابنه 30 مليون دولار تم تحويلها عبر بنك أبوظبي الوطني.
واستطرد المصدر أن "أجهزة الأمن خلال الفترة الماضية كان لديها معلومات عن تحركات إقليمية بهدف زعزعة الأوضاع في السودان، لكن الأمر قاصرٌ على التفكير في أطراف لها علاقة بجنوب السودان ومصر بحكم العلاقات المتوترة بسبب ملف حلايب وشلاتين، ومطالبة القاهرة بتسليم الخرطوم قياديين من جماعة الإخوان المسلمين المصريين لجأوا إليها عقب 30 يونيو/حزيران 2013. وأشار المصدر إلى أن تصريحات البشير بشأن ضبط ومصادرة مدرعات مصرية كانت بصحبة متمردين في دارفور خلال هجوم أفشلته القوات المسلحة السودانية، كانت في إطار تحذير القاهرة من التمادي في تلك المحاولات.
وأوضح المصدر "بعد ذلك وصل إلى السودان معلومات موثقة بشأن تورط دولة خليجية، في إشارة للإمارات، بتحركات مشبوهة داخل السودان مدعومة بجهود من دولة جارة، في إشارة إلى مصر، وهو ما عجّل بسرعة إطاحة الفريق عثمان، وسرعة طلب البشير لقاء العاهل السعودي الملك سلمان، لإطلاعه على الأمر برمته بحسب المصدر، وليس كما أشارت وسائل الإعلام في الخرطوم بأن زيارة البشير تأتي لأداء العمرة ومناقشة الوساطة لحل الأزمة بين محمور أبوظبي الرياض، والدوحة.
وكان سفراء كل من السعودية والإمارات ومصر قد طلبوا السبت الماضي، بعد أيام قليلة من إطاحة عثمان من الخارجية السودانية توضيح موقف الخرطوم من الأزمة الخليجية القطرية.
وذكرت وكالة الأنباء السودانية وقتها أن وزير الخارجية إبراهيم غندور عقد لقاء مع السفراء المعنيين أبلغهم خلاله بحرص السودان على إصلاح ذات البين بين الأشقاء، من خلال دعمه ومساندته لمبادرة أمير الكويت"، مشدداً على "أن الخرطوم اتخذت موقفاً محايداً تجاه الأزمة بين دول الخليج".
وتوجه الرئيس السوداني عمر البشير، يوم الاثنين، إلى مكة لأداء مناسك العمرة وفقاً لوسائل الإعلام السودانية. وأفادت وكالة أنباء السودان الرسمية (سونا) بأن "البشير توجه للسعودية برفقة وزير خارجيته إبراهيم غندور، ووزير الدولة برئاسة الجمهورية حاتم حسن بخيت ابن عمة البشير، الذي خلف الفريق طه عثمان في منصبه.