يخفي الصمت المدوي لوزراء حزب الليكود وعدم مسارعتهم للدفاع عن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مع بدء فصول نهاية مسيرته السياسية، وراءه حالة هلع وخوف كبيرين في صفوف المستوى الأول من ساسة حزب الليكود ووزراء الحكومة، من المصير الذي ينتظر من يجرؤ على انتقاد نتنياهو، أو يدعوه، ولو باسم الحفاظ على حزب الليكود ومكانته في سدة الحكم، إلى التضحية بنفسه والاستقالة من منصبه، حتى يبقى الليكود في الحكم ويكمل المسيرة.
هذا هو حال الليكود اليوم، مع الإعلان عن تمكّن الشرطة من تجنيد شاهد ملك ضد نتنياهو، شاهد من قلب الليكود ومن أهله، هو مدير ديوان نتنياهو الأسبق، أريك هارو. لكن حالة الصمت هذه لم تأت من فراغ، إذ يبدو أن نتنياهو في صراعه الأخير، الذي ينتظره الآن، قد وضع، قبل كل شيء وقبل إعداد خطة دفاعه واختيار طاقم محامي الدفاع في ملفات الفساد المشتبه بها، خطة هجوم استباقية لمنع أي انتقادات له من داخل الليكود نفسه، خصوصاً أن الشاهد الملك المعلن عنه قد سلَّم للشرطة الإسرائيلية والنيابة العامة، مقابل صفقة حصوله على مكانة شاهد ملك، معلومات من شأنها إدانة نتنياهو في الملف 1000 الذي يتصل بتلقي أموال ومبالغ طائلة خلافاً للقانون، والملف 2000 المرتبط بصفقة إلغاء ملحق صحيفة "يسرائيل هيوم"، مقابل تعديل خط تحرير صحيفة "يديعوت أحرونوت" لصالحه.
كان المفروض أن تثير هذه التطورات، خصوصاً مسألة الوصول إلى شاهد ملك، حرباً ضروساً على وراثة نتنياهو، أو في المقابل تجند لصالح نتنياهو من قبل وزراء الحكومة، لكن أياً من ذلك لم يحدث حتى الآن، لما يبدو أنه خوف كبير في صفوف المستوى السياسي من تبعات الخروج على نتنياهو. هذا الخوف غذته وعززته تصريحات رئيس الائتلاف الحكومي، عضو الكنيست، دافيد بيطان، عندما قال، أول من أمس، في برنامج حواري على القناة الثانية، "سنحاسب في الانتخابات التمهيدية المقبلة كل من تسول له نفسه للخروج على نتنياهو أو انتقاده ودعوته إلى الاستقالة". وأكمل عضو الكنيست من كتلة الليكود، دافيد أمسالم، ما كان بدأه بيطان عندما وصف وزراء الليكود بالمنافقين الناكرين للجميل، بفعل صمتهم وعدم تجندهم للدفاع عن نتنياهو. فيما تفرّد الوزير يسرائيل كاتس، في الدفاع، ولو بلهجة مخففة عن نتنياهو، عندما قال إنه لا يتم تغيير رئيس حكومة لمجرد نشر عنوان في الصحيفة.
وحتى لا يبقى مجال للشك، أو التباس لما ينتظر من يخرج على نتنياهو وقيادته لليكود، فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الأحد، أن محافل في اليمين المتطرف، وتحديداً في اليمين اليهودي الأميركي المساند لنتنياهو، قد بدأت تطلق على الشاهد الملك الجديد أسوأ لقب يمكن لشخص أن يحظى به، خصوصاً إذا اقترن بالوشاة الذين سلموا اليهود للنازية في أوروبا. وهذا بالضبط ما أطلق على أريك هارو بحسب "يديعوت أحرونوت"، فقد استخدم اليمين اليهودي الأميركي، مع الإعلان عن الصفقة بين هارو والشرطة، لقب "مويسر". و"مويسر" كلمة عبرية الأصل وتعني من يسلّم شخصاً للسلطات، أو ببساطة واشياً، لكنه ليس أي واشٍ، بل هو اليهودي الذي يشي بيهودي في أوروبا النازية للسلطات. ودليل ذلك هو استخدام التعبير المعمول به في لغة "اليديش"، لغة اليهود في وسط وشرق أوروبا، وهو استخدام لم يأت عبثاً، بل قصد منه استحضار كل تبعات هذا التعبير في الوعي الجمعي لليمين الإسرائيلي تحديداً. وأضافت "يديعوت أحرونوت" إلى هذا التعبير تعبير وصف اليمين لأريك هارو بأنه يهوذا الأسخريوطي، الذي سلم المسيح للرومان. ويؤشر هذا النعت لأريك هارو، وتقبله في أوساط اليمين الشعبي، أو الأوساط الشعبية لليكود إلى ما هو قادم في الديماغوجية التي سيعتمدها نتنياهو، أو من يدافع عنه، في وجه خصومه المحتملين من داخل الليكود، بما يضمن إسكات أي صوت، أو حتى مجرد طرح فكرة للتداول بشأن من الذي يجب أن يكمل مسيرة الليكود بعد نتنياهو، باعتبار أن طرح هذه الفكرة لن يكون أقل من الهرطقة ذاتها.
هذه إذاً المعركة الاستباقية الأولى لنتنياهو في حربه لصراع البقاء على رأس الليكود، حتى لو قدمت ضده لائحة اتهام. ترهيب الخصوم هو الأداة الأولى التي تضمن إبقاءهم في الظل، أو وراء الكواليس، كي لا يغذي أي تصريح مناهض، أو منتقد، أو متحفظ، لدحرجة كرة ثلج، من شأنها أن تخلق أجواء شعبية تطالب نتنياهو بالاستقالة من منصبه في حال تم فعلاً تقديم لائحة اتهام، والالتزام بـ"تقاليد حركة بيتار" الخلقية المتخيلة لدى أنصارها من القدامى والمخضرمين، الذين لم يبق منهم عملياً كثيرون في صفوف الليكود الشعبوي اليوم. والواقع أن نتنياهو يبني هذه الاستراتيجية في الحرب الاستباقية داخل البيت أولاً، لأنه يدرك، كآخرين في إسرائيل، عمق الفجوة بين المستوى السياسي والصف الأول في الليكود وأعضاء كنيست، باستثناء حالات الغوغائيين أمثال ميريت ريجف ودافيد بيطان وأمسالم. ففيما يرى المستوى السياسي حرجاً في الدفاع عن "أخطاء" ومثالب نتنياهو فإن المستوى الشعبي في الليكود لا يرى في ذلك حرجاً، بل لا يهمه أصلاً أن تكون الشبهات حول نتنياهو غير صحيحة، وهم يجاهرون بذلك، لأن نتنياهو تمكن على مدار عقدين من أن يأسر "أفئدة" عموم الليكوديين، وأن ينتصر على كل أمراء الليكود الذين شكلوا خطراً عليه أواسط التسعينيات لدرجة الانقلاب الشعبي في الليكود حتى على بني بيغن، نجل قائد الليكود التاريخي مناحيم بيغن، وطرد واستبعاد رموز أخرى، مثل دان مريدور وروني ميلو.
لكن مَن الذين تُطرح أسماؤهم لخلافة نتنياهو، وهل بقي هناك من يفكر بذلك؟ الواقع أن هذا السؤال كان محورياً وذا صلة بشكل كبير قبل عامين، عندما كان يشار إلى كل من وزير الأمن، عامي أيالون، وغلعاد أردان، وجدعون ساعر، وحتى يسرائيل كاتس، كخلفاء وخصوم يمكن لهم أن ينافسوا نتنياهو، إلا أن الأخير كان تمكن من تحييد أردان وكاتس، وأقال يعالون من وزارة الأمن مستبدلاً إياه بأفيغدور ليبرمان، ليجد نفسه خارج الليكود كلياً وأكثر شخص يكرهه اليمين الإسرائيلي. من جهته اضطر ساعر إلى الابتعاد عن السياسة الداخلية للحزب، على أمل أن يعود لاحقاً. لكن نتنياهو ظل يتابع كل صغيرة وكبيرة لساعر. وقبل أيام فقط، نشر تطبيق الليكود على "واتسآب"، مع بدء تداول نبأ الصفقة بين أريك هارو والشرطة الإسرائيلية، هجوماً شديد اللهجة ضد ساعر، متهماً إياه بأنه عرض نفسه على أحزاب المعارضة، خصوصاً حزب "ييش عتيد"، لكن عندما قوبل بالرفض عاد ساعر إلى الليكود ليضرب الحزب من الداخل. وقد سارع ساعر، لمعرفته باعتباره نشأ وترعرع في الليكود ولإدراكه خطورة هذه التهم، إلى تقديم شكوى رسمية في الشرطة، فيما سارع تطبيق الليكود على "واتسآب" إلى حذف الخبر والاعتذار، متعللاً بأنه تم اختراق الحساب. ختاماً، يمكن القول إن نتنياهو سيدير حربه الأخيرة، التي بدأها، داخل البيت، من دون أن يكون، في الأشهر القريبة على الأقل، مَن يجرؤ من داخل الليكود على مجرد التفكير في وراثته حالياً، تطبيقاً لتقاليد الليكود الصارمة بعدم الاعتراض أو الخروج على الزعيم المنتخب، كما جرى على مدار سنوات طويلة، منذ 1948 إلى 1977، لم يجرؤ أحد فيها مثلاً على منافسة الزعيم التاريخي مناحيم بيغن، رغم فشله في الفوز في الانتخابات على مدار 8 دورات انتخابية، وهو ما تكرر إبان فترة إسحاق شامير، ومن ثم لأرييل شارون، خلافاً لشيفرة السلوك المتبعة في حزب العمل وأحزاب اليسار الإسرائيلية.