تكتسب زيارة رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، إلى طهران التي يبدأها اليوم الأربعاء وتستمر لثلاثة أيام، أهمية بالغة في توقيتها وسياقها وعناوينها، كونها تأتي في إطار التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية الرامية إلى تخفيف التوتر بين طهران وواشنطن، والسعي إلى فتح مسار للتفاوض بينهما، على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي تعتري هذا المسعى. ودخلت هذه التحركات هذا الأسبوع مرحلة جديدة، بعد زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الإثنين إلى طهران، ودخول قطر على الخط بشكل معلن، بعدما كشف وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الأحد الماضي، أن الدوحة تجري مباحثات مع طهران وواشنطن لاحتواء التصعيد بينهما.
زيارة آبي إلى إيران، المدفوعة باعتبارات عدة، أهمها مباركة أميركية معلنة، وعلاقات صداقة تاريخية مع إيران، وتحالف وطيد مع الولايات المتحدة، تحظى باهتمام كبير من المراقبين، لدرجة يمكن اعتبار التحرك الياباني الأهم بين تلك التحركات الدبلوماسية حتى اللحظة. وتستغرق الزيارة ثلاثة أيام وتستمر حتى الجمعة المقبلة، ويلتقي فيها آبي بكبار المسؤولين الإيرانيين، في مقدمتهم المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.
وعلى الرغم من أن زيارة آبي هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء ياباني إلى طهران منذ نحو أربعة عقود، إلا أن طوكيو حافظت طيلة المدة التي تبعت الثورة الإيرانية، على لغة الصداقة في علاقاتها مع إيران، التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي، وتراجعت متأثرة بالعقوبات الأميركية بشكل ملحوظ. فبعد أن كانت طوكيو من أبرز مشتري النفط الإيراني، وتحصل في تسعينيات القرن الماضي على أكثر من 80 من المائة من وارداتها النفطية من إيران، إلا أنها أوقفت نهائياً شراء النفط من إيران في إبريل/نيسان الماضي، قبل أن توقف الولايات المتحدة اعتباراً من الثاني من مايو/أيار الماضي، منح الإعفاءات لثماني دول من مشتري النفط الإيراني، من ضمنها اليابان.
على ضوء هذه المعطيات، فإن اختيار رئيس الوزراء الياباني هذا التوقيت الحساس، والذي بلغ فيه التوتر بين طهران وواشنطن ذروته، للمجيء إلى إيران، له دلالة واضحة، وهي أن زيارته تأتي بمباركة أميركية، إن لم تكن هي أساساً بمبادرة من واشنطن. ويستشفّ ذلك من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهادئة تجاه إيران خلال زيارته الأخيرة إلى اليابان أواخر الشهر الماضي، إذ أبدى دعمه لتوجه آبي إلى طهران في سياق حديثه عن دعوته القيادة الإيرانية للتفاوض، قائلاً: "سنرى ما سيحدث، لكنني أعرف أمراً مؤكداً هو أن آبي، الذي يفكر في زيارة إيران، على علاقة وثيقة مع القادة الإيرانيين".
وبالتالي فعنوان الزيارة واضح ومعروف، وهو الوساطة بين طهران وواشنطن بغية فتح مسار أو قناة للحوار بينهما. لكن ذلك لا يبدو مهمة سهلة، بل معقدة للغاية، وهو ما قد يفسر سرّ طول أمد مكوث آبي في طهران لثلاثة أيام، وامتناع الحكومة اليابانية في تعليقها على الزيارة عن الإشارة إلى وساطة بين الطرفين. أما إيران التي وصفت زيارة آبي بأنها "تاريخية" و"مهمة للغاية"، فهي تتحدث عن عناوين أخرى لها، تندرج في سياق العلاقات الثنائية وتطويرها. لكن تجربة هذه العلاقات بعد الثورة الإسلامية في إيران، تظهر أنها محكومة بشكل كبير بالمتغير الأميركي، ما يؤكد أنه من دون انفراجة في العلاقات الأميركية الإيرانية، لا يبدو الرهان على تطوير العلاقات بين طهران وطوكيو منطقياً. بالتالي، فإن مهمة شينزو آبي بالدرجة الأولى هي تحقيق هذه الانفراجة أولاً، لفتح الطريق أمام تطوير العلاقات مع إيران ثانياً.
اقــرأ أيضاً
إيران التي أوفدت وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، إلى طوكيو، منتصف مايو/أيار الماضي، لبحث "الضغوط الأميركية والتوترات التي أحدثتها"، لا تزال تصرّ على رفضها "القاطع" للدخول في أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الإدارة الأميركية الحالية تحت "الضغط"، داعية إياها إلى أن ترفق تغيير لهجتها، بتغيير سلوكها لأن "المعيار هو الأفعال وليس الأقوال".
في المقابل، تصرّ واشنطن على إجراء مفاوضات مع استمرار الضغوط، بل وتشديدها، واستبقت زيارة وزير الخارجية الألماني ورئيس الوزراء الياباني بفرض عقوبات شديدة أخرى، الجمعة الماضية، طاولت قطاع البتروكيماويات الإيراني، ثاني أكبر مصدر للعملة الصعبة للبلاد.
وبين الدعوة الإيرانية إلى تغيير السلوكيات الأميركية، ورغبة واشنطن في تفاوض تحت الضغوط، يسعى آبي إلى توظيف علاقات الصداقة مع طهران والتحالف مع واشنطن، ليشقّ طريقاً يؤدي في نهايته إلى مفاوضات ثنائية بين الخصمين. ولتحقيق هذه الغاية أجرى آبي اتصالات "لافتة"، خلال اليومين الماضيين، مع كل من ترامب، والرئيس السويسري أولي ماورر.
أما التحرك الياباني وبالقدر الذي يلقى ترحيباً من أوساط كثيرة إقليمياً ودولياً، تخشى انزلاق المنطقة إلى حرب، فإنه يواجه عقبات من أطراف إقليمية، على رأسها إسرائيل، وهو ما بدا في اتصال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بآبي قبل زيارته إلى طهران، في ما بدت محاولة لعرقلة التحرك الياباني. وتعليقاً على ذلك، اعتبر عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، أن مردّ اتصال نتنياهو قلق إسرائيل من نجاح التحرك الياباني.
في ظل هذا الواقع، فإن المصاعب الكبيرة أمام تحرك آبي تقلل من سقف التوقعات حول نتائج زيارته إلى طهران، وسط تساؤلات عما إذا كان يحمل معه مبادرة "ناجحة"، تحقق في الوقت الحاضر بعض مطالب إيران في ما يتعلق بتخفيف العقوبات التي أثقلت كاهل اقتصادها، لتوافق على إطلاق مفاوضات غير مباشرة مع الإدارة الأميركية.
اقــرأ أيضاً
زيارة آبي إلى إيران، المدفوعة باعتبارات عدة، أهمها مباركة أميركية معلنة، وعلاقات صداقة تاريخية مع إيران، وتحالف وطيد مع الولايات المتحدة، تحظى باهتمام كبير من المراقبين، لدرجة يمكن اعتبار التحرك الياباني الأهم بين تلك التحركات الدبلوماسية حتى اللحظة. وتستغرق الزيارة ثلاثة أيام وتستمر حتى الجمعة المقبلة، ويلتقي فيها آبي بكبار المسؤولين الإيرانيين، في مقدمتهم المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.
وعلى الرغم من أن زيارة آبي هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء ياباني إلى طهران منذ نحو أربعة عقود، إلا أن طوكيو حافظت طيلة المدة التي تبعت الثورة الإيرانية، على لغة الصداقة في علاقاتها مع إيران، التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي، وتراجعت متأثرة بالعقوبات الأميركية بشكل ملحوظ. فبعد أن كانت طوكيو من أبرز مشتري النفط الإيراني، وتحصل في تسعينيات القرن الماضي على أكثر من 80 من المائة من وارداتها النفطية من إيران، إلا أنها أوقفت نهائياً شراء النفط من إيران في إبريل/نيسان الماضي، قبل أن توقف الولايات المتحدة اعتباراً من الثاني من مايو/أيار الماضي، منح الإعفاءات لثماني دول من مشتري النفط الإيراني، من ضمنها اليابان.
وبالتالي فعنوان الزيارة واضح ومعروف، وهو الوساطة بين طهران وواشنطن بغية فتح مسار أو قناة للحوار بينهما. لكن ذلك لا يبدو مهمة سهلة، بل معقدة للغاية، وهو ما قد يفسر سرّ طول أمد مكوث آبي في طهران لثلاثة أيام، وامتناع الحكومة اليابانية في تعليقها على الزيارة عن الإشارة إلى وساطة بين الطرفين. أما إيران التي وصفت زيارة آبي بأنها "تاريخية" و"مهمة للغاية"، فهي تتحدث عن عناوين أخرى لها، تندرج في سياق العلاقات الثنائية وتطويرها. لكن تجربة هذه العلاقات بعد الثورة الإسلامية في إيران، تظهر أنها محكومة بشكل كبير بالمتغير الأميركي، ما يؤكد أنه من دون انفراجة في العلاقات الأميركية الإيرانية، لا يبدو الرهان على تطوير العلاقات بين طهران وطوكيو منطقياً. بالتالي، فإن مهمة شينزو آبي بالدرجة الأولى هي تحقيق هذه الانفراجة أولاً، لفتح الطريق أمام تطوير العلاقات مع إيران ثانياً.
إيران التي أوفدت وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، إلى طوكيو، منتصف مايو/أيار الماضي، لبحث "الضغوط الأميركية والتوترات التي أحدثتها"، لا تزال تصرّ على رفضها "القاطع" للدخول في أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الإدارة الأميركية الحالية تحت "الضغط"، داعية إياها إلى أن ترفق تغيير لهجتها، بتغيير سلوكها لأن "المعيار هو الأفعال وليس الأقوال".
في المقابل، تصرّ واشنطن على إجراء مفاوضات مع استمرار الضغوط، بل وتشديدها، واستبقت زيارة وزير الخارجية الألماني ورئيس الوزراء الياباني بفرض عقوبات شديدة أخرى، الجمعة الماضية، طاولت قطاع البتروكيماويات الإيراني، ثاني أكبر مصدر للعملة الصعبة للبلاد.
وبين الدعوة الإيرانية إلى تغيير السلوكيات الأميركية، ورغبة واشنطن في تفاوض تحت الضغوط، يسعى آبي إلى توظيف علاقات الصداقة مع طهران والتحالف مع واشنطن، ليشقّ طريقاً يؤدي في نهايته إلى مفاوضات ثنائية بين الخصمين. ولتحقيق هذه الغاية أجرى آبي اتصالات "لافتة"، خلال اليومين الماضيين، مع كل من ترامب، والرئيس السويسري أولي ماورر.
في ظل هذا الواقع، فإن المصاعب الكبيرة أمام تحرك آبي تقلل من سقف التوقعات حول نتائج زيارته إلى طهران، وسط تساؤلات عما إذا كان يحمل معه مبادرة "ناجحة"، تحقق في الوقت الحاضر بعض مطالب إيران في ما يتعلق بتخفيف العقوبات التي أثقلت كاهل اقتصادها، لتوافق على إطلاق مفاوضات غير مباشرة مع الإدارة الأميركية.