ورغم إطلاق المبادرة التونسية الجزائرية المصرية، وتقدمها أشواطا مهمة، بحيث كان يفترض أن تتوّج بلقاء قمة بين الرؤساء الثلاثة في الجزائر، إلا أن خلط الأوراق وتضارب المصالح الإقليمية والدولية حال دون ذلك، ووصل الأمر إلى ما تسميه السلطات التونسية "انسدادا في الموقف السياسي في ليبيا".
وحاولت القاهرة وأبوظبي، وأخيرا فرنسا، أن تختصر طريق الحل في ليبيا من خلال جمع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، واللواء المتقاعد، خليفة حفتر، ظنا منها أنه بالفعل أقصر طريق للتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة، لكن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، عاد إلى مقدمة الأحداث وحاول تنشيط مبادرته من جديد، قائلا: "قمنا بمحاولة رصينة لم نرد القيام بها لوحدنا، رغم أن الليبيين جميعا أرادوا ذلك، وأدخلنا في المبادرة دول الجوار مصر والجزائر"، مشدّدا على أن "المحاولات التي تمت في مصر، وكذلك في الإمارات وفرنسا، للتقريب بين الجهتين في ليبيا، كانت سطحية".
وانطلاقا من هذا الفهم الذي يقوم على ضرورة جمع كل الفرقاء، من دون استثناء، عادت تونس إلى مساعيها الدبلوماسية، والتقى السبسي، الخميس، في قصر قرطاج، وزير خارجيته، خميس الجهيناوي، الذي أطلعه على فحوى اللقاء الذي جمعه، الأربعاء، بالممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، غسّان سلامة.
وكان الجهيناوي التقى، الثلاثاء أيضا، السفير الأميركي في تونس، دانيال روبنستين، في اجتماع تناول ملف ليبيا.
واستقبل السبسي بدوره، الأسبوع الماضي، محمود جبريل، رئيس تحالف القوى الوطنية في ليبيا. وذكر الرئيس التونسي خلال اللقاء بثوابت الموقف التونسي من الأزمة الليبية، وأهداف المبادرة التي أطلقتها بلاده وانخرطت فيها الجزائر ومصر، وحظيت بترحيب مختلف الأطراف الليبية، وبدعم ومساندة من القوى الدولية، وشدّد على أنّ "حلّ الأزمة الليبية يبقى بيد الليبيين أنفسهم".
وثمّن جِبْرِيل "عاليا" المبادرة التونسية لإيجاد حل توافقي للأزمة الليبية وجهودها المستمرة لتقريب وجهات النظر بين كل الفرقاء.
وقبل جِبْرِيل بأيام، استقبل السبسي فائز السراج، وتباحثا في خارطة الطريق لإنهاء الأزمة، فيما تشهد العاصمة التونسية اجتماعات أخرى قبلية ومدنية ليبية متعددة لبحث بعض الملفات المهمة.
وكانت مصادر ليبية في تونس أكدت، لـ"العربي الجديد"، وجود مساع قبلية لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات بينها، فيما يحاول بعض الأعيان طرح موضوع جمع السلاح الليبي وتوحيد المؤسسات العسكرية، وهو ما تم طرحه في ما يبدو خلال لقاء السبسي وعضو المجلس الرئاسي الليبي، علي القطراني، والذي تحدث فيه السبسي مع حفتر هاتفياً.
وكان السراج التقى أيضا بعض أعيان ليبيا في تونس، والتقى، الأربعاء، بعض المكونات القبلية الأخرى في ليبيا، الذين أكدوا "على ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية تحت سلطة مدنية تنفيذية"، ما يلتقي مع ما طرح في تونس بالفعل.
وتدفع كل هذه التحركات إلى الاعتقاد بأن تونس فهمت أنها لا تزال قادرة على لعب دور ليبي رئيسي، حيث توصلت إلى إقناع كل ضيوفها بأنها "لا تملك أجندة" في ليبيا، ولا أطماع لها، على عكس غيرها، وأنها ستستفيد مباشرة من عودة الاستقرار إلى هذا البلد، ولذلك فهي "ليست في منافسة مع أحد"، وتدعم أي مبادرة أخرى، ولكنها مقتنعة بأن بقية المبادرات سطحية، إذ تعتمد الإقصاء وتحاول فرض واقع لم تتوصل أي قوة قي ليبيا إلى جعله أمرا واقعا بالفعل.
وهذا العامل النفسي يبدو أنه وصل إلى أغلب مكونات الشعب الليبي وقواه السياسية الممثلة، ولم يبق منهم إلا حفتر، الذي تحدث معه الرئيس التونسي بصراحة: "كنت صريحا مع حفتر خلال الاتصال، وقلت له يا حضرة المشير، أنت جزء من المشكل إلى الآن، وتونس تريدك أن تكون جزءا من الحل، ونحن لا نستبعد أحدا"، على حد تعبير الرئيس في اختتام الندوة السنوية الدبلوماسية التونسية قبل أيام.
وبحسب السبسي، فإن حفتر رد قائلا: "أنا أريد أن أكون جزءا من الحل، ولدينا ثقة في تونس، وثقة فيك شخصيا"، غير أن حفتر لا يتحرك بحرية مطلقة في ليبيا، وهو مكبل باتفاقات إقليمية كثيرة، أثقلها تضارب المصالح الدولية.