ساهم إسقاط "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن لطائرة حربية للنظام السوري، مساء الأحد، قرب الرقة، بإعادة تأجيج التوتر في العلاقة المشحونة أساساً بين موسكو وواشنطن في سورية، إذ اعتبرت روسيا إسقاط التحالف لطائرة "سو 22" السورية في ريف الرقة الغربي بمثابة "عمل عدواني"، أعلنت على أثره تعليق العمل بمذكرة تنسيق الطلعات الجوية في سورية، والتي كانت متوقفة منذ ما بعد الضربة العسكرية الأميركية لمطار الشعيرات بريف حمص في إبريل/ نيسان الماضي، قبل أن يتم استئنافها مجدداً أواخر الشهر الماضي. وبانتظار معرفة ما إذا كانت كل من موسكو وواشنطن ستعملان بسرعة على احتواء التوتر المستجد، أم أنه سيتفاقم، ثمة معطيات متضاربة بشأن موعديْ استئناف محادثات أستانة وجنيف، اللتين قد تعقدان في وقت متزامن في 10 يوليو/ تموز المقبل، بحسب تصريحات روسية وأممية رسمية. وفي حال تأكد هذا التاريخ، فمن شأن ذلك أن يطرح علامات استفهام حول مستقبل المسار السياسي للأزمة السورية، في ظل احتدام التنافس الدولي والإقليمي لإقامة مناطق نفوذ بسورية.
وكان "التحالف الدولي" قد أكد أن إسقاطه لطائرة النظام الحربية فوق منطقة الرصافة، جنوب غربي الرقة بنحو 30 كيلومتراً، جاء بعد إلقائها قنابل على "قوات سورية الديمقراطية" التي يدعمها "التحالف"، ويعتبرها حليفة له في الحرب ضد تنظيم "داعش" في سورية. وأعلن "التحالف"، مساء الأحد، أن قوات النظام هاجمت مواقع لـ"سورية الديمقراطية" في بلدة جنوب غرب الرقة، ما أدى إلى إصابة عناصر من تلك القوات وخروجها من البلدة. وسارعت طائرات "التحالف" إلى وقف تقدم قوات النظام في هذه المنطقة من محافظة الرقة. لكن في وقت لاحق من مساء الأحد، "ألقت مقاتلة للنظام السوري قنابل بالقرب من مقاتلي قوات سورية الديمقراطية جنوب الطبقة"، ما أدى إلى تدخل طائرات "التحالف" ضد المقاتلة السورية، وفق بيان "التحالف الدولي" الذي أوضح أنه "وفقاً لقواعد الاشتباك والحق في الدفاع (...) تم إسقاط (المقاتلة السورية) على الفور من جانب مقاتلة أميركية من طراز إف/آي-18 إي سوبر هورنيت".
ودعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الاثنين، الولايات المتحدة لاحترام وحدة الأراضي السورية والامتناع عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب هناك. وأدلى لافروف بتصريحاته في بكين، حيث يشارك في مؤتمر وزراء مجموعة "بريكس" الذي يستمر يومين. وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، دان إسقاط الولايات المتحدة لطائرة حربية سورية، معتبراً أنه "عمل عدواني". وقال للصحافيين في موسكو إنه "يجب النظر إلى هذا الاعتداء على أنه استمرار لنهج الولايات المتحدة في الاستخفاف بأعراف القانون الدولي". وأضاف "ماذا يمكننا أن نسمي (ما قامت به واشنطن) إن لم يكن عملاً عدوانياً؟". وأوضح أنه يمكن وصف التصرف الأميركي باعتباره "مساعدة للإرهابيين الذين تحاربهم الولايات المتحدة في إطار إعلانها أنها تتبع سياسة ضد الإرهاب"، وفق تعبيره.
وترسم هذه التطورات، إضافة للخلاف الذي بدأ يطفو على السطح، بين "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة أميركياً، وقوات النظام، سيناريوهات مفتوحة لتطور الوضع الميداني المتأزم جنوب غربي الرقة، مع اتهاماتٍ وجهتها القوات الكردية لنظام بشار الأسد، بمحاولة التقدم إلى مناطق سيطرتها وخاصة مطار الطبقة العسكري. واتهمت "سورية الديمقراطية" قوات النظام بقصف مواقعها جنوب غربي مدينة الرقة خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكدة أنها سترد بالمثل في حال استمرار قوات النظام في هجومها. وقال المتحدث باسم هذه القوات، طلال سلو، في بيان له، إن "قوات النظام عمدت ومنذ 17 يونيو/ حزيران إلى شن هجمات واسعة النطاق استخدمت فيها الطائرات والمدفعية والدبابات على المناطق التي حررتها قواتنا خلال معركة تحرير مدينة الطبقة وسد الفرات منذ ثلاثة أشهر". وأضاف أن "استمرار النظام في هجومه على مواقعنا في محافظة الرقة سيضطرنا إلى الرد بالمثل، واستخدام حقنا المشروع بالدفاع عن قواتنا"، معرباً عن اعتقاده بأن "هدف هجمات النظام المتكررة ضد (قوات سورية الديمقراطية) هو إجهاض عملية تحرير مدينة الرقة"، على حد تعبيره.
وقد بدد تدخل "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الحاسم، محاولات تقدم قوات النظام باتجاه مدينة الطبقة التي باتت تحت سيطرة "سورية الديمقراطية"، فيما بات من شبه المؤكد أن قوات النظام لم تعد تستطيع تجاوز منطقة الرصافة باتجاه الشمال، حيث باتت محافظة الرقة منطقة نفوذ أميركي تجسده "قوات سورية الديمقراطية" الساعية إلى تشكيل إقليم واسع ذي صبغة كردية، يجد في المقابل رفضاً تركياً. وكانت قوات النظام وسَّعت نطاق سيطرتها داخل محافظة الرقة، ووصلت لتخوم بلدة الرصافة بريف الرقة الجنوبي الغربي، عقب تقدمها من مواقع لها في منطقة أثريا، شرقي حماة. وتؤكد المعلومات المتقاطعة أن قوات النظام باتت تسيطر على نحو 1700 كيلومتر مربع من مساحة الرقة البالغة نحو 20 ألف كيلومتر مربع.
في غضون ذلك، سيطرت "قوات سورية الديمقراطية" على منطقة دوار الباسل ومنطقة مفرق جامعة الاتحاد، في حين تمكن تنظيم "داعش" من إعادة سيطرته على مواقع في أطراف حي الصناعة، شرق مركز مدينة الرقة، فيما لا تزال المعارك مستمرة بين الطرفين في كافة جبهات المدينة، في محاولة من المليشيات الكردية والعربية لتحقيق مزيد من التقدم، بينما يشن التنظيم هجمات معاكسة. وأكد المتحدث باسم قوات "النخبة" السورية، محمد خالد الشاكر، أن وحدة التدخل السريع في هذه القوات فكت الحصار الذي فرضه مسلحو "داعش" مساء الأحد على مقاتلين من "النخبة" تقدموا باتجاه باب بغداد والسور الأثري لمدينة الرقة. وأوضح الشاكر لـ"العربي الجديد"، أن "مسلحي داعش استخدموا أنفاقاً للالتفاف على مقاتلي النخبة"، مشيراً إلى مقتل أحد أفراد القوة المحاصرة أثناء عملية فك الحصار.
على صعيد آخر، برز تضارب في مواعيد استئناف المحادثات السياسية لحل الأزمة السورية، بين روسيا والأمم المتحدة. فإعلان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، أن جولة جديدة من محادثات السلام السورية ستبدأ في أستانة في 10 يوليو/ تموز المقبل، يأتي بعدما كان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، قد قال في وقت سابق، إن الجولة السابعة من مفاوضات جنيف ستجري أيضاً في 10 يوليو. ولم يوضح أي من الطرفين لماذا ستعقد المحادثات في اليوم ذاته، ولم يظهر ما إذا كان سيتم تأجيل إحداها.