ويبدو أن هناك صعوبة في تصنيف الحزب "تنظيما إرهابيا"، رغم مطالبات الولايات المتحدة الأميركية، آخرها عند زيارة وزير الخارجية مايك مومبيو إلى برلين، إذ حث الجانب الألماني، وكما فعلت هولندا ولندن، على اتخاذ قرار متقدم في هذا المجال، وعدم التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري في "حزب الله".
ورغم كل الضغوط، تبقى لألمانيا العديد من الاعتبارات والمحاذير التي تفرض عليها اتخاذ موقف متوازن، وذلك عملا بالتصنيف المعتمد من قبل الاتحاد الأوروبي الذي ميّز بين الجناحين السياسي والعسكري، انطلاقا من أن "حزب الله" مكون أساسي في التركيبة السياسية اللبنانية ومشارك في الحكومة، وذلك من واقع ثابت لدى الأحزاب المحافظة التي تقود الائتلاف الحاكم، وهذا ما تم تأكيده أمس بالتشديد على وجوب إيجاد حل أوروبي يأخذ في الاعتبار قضايا السياسة الخارجية.
وتظهر الوقائع أن لبرلين حيثية مغايرة عن الولايات والمتحدة في منطقة الشرق الأوسط، إذ تعتبر نفسها دولة محايدة ولعبت أكثر من دور وساطة في عدد من الملفات على المستوى الدولي، وأهمها صفقة تبادل الأسرى عام 2008 بين الحزب وإسرائيل، كما تمتعت بمصداقية عالية بإدارتها للمفاوضات، ولا تريد أن يصبح دورها مهددا.
وفي السياق، عادت صحيفة "زود دويشته تسايتونغ" إلى مرحلة التحضير لإنجاز صفقة الأسرى، مشيرة إلى أن مسؤولي الاستخبارات الألمانية، وخلال زياراتهم المتكررة إلى بيروت، لقوا الكثير من التعاون، ما أفضى إلى إنضاج وإنجاز العملية.
وتحدثت الصحيفة عن التواصل والعلاقة الجيدة التي تجمع السفارة الألمانية في بيروت مع جهات ممثلة للحزب.
إلى ذلك، تستحضر برلين مصالحها مع دول في الشرق الأوسط، فضلا عن وجود قواتها البحرية ضمن البعثة الدولية في جنوب لبنان، وتصنيف كل "حزب الله" قد يشكل نوعا من الاستفزاز للحزب وللجانب الإيراني، ولا سيما أن ألمانيا تريد أن تلعب دورا في الوساطة للإبقاء على الاتفاق النووي مع طهران.
ووفق ما ذكرت صحيفة "تاغس شبيغل" أخيرا، فإن المطالبات التي تدعو وزير الداخلية لحظر الحزب التام في ألمانيا تواجه بعقبات قانونية، لأنه، ووفقا للدستور، فإن تصرفات الناشطين المؤيدين لـ"حزب الله" لا تقوم على العنف، وهو ما يجعلهم بمأمن من الملاحقة، فضلا عن أن خطر خسارة الدعاوى في المحاكم الإدارية كبير.
وحسب تقارير للاستخبارات، فإنه باستثناء مظاهرة يوم القدس السنوية في برلين، لا يسجل أي حضور كبير لأتباع الحزب، كما أنهم غير متورطين في جرائم خطيرة في ألمانيا، فضلا عن أنه لم يجر رصد أي شبهات قوية بين الحزب والأعمال الإرهابية.
وكان لافتا تأكيد "زود دويتشه تسايتونغ" أيضا أن موضوع إدراج "حزب الله" يثير دهشة المراقبين مع تردد الحكومة في وضعه على لائحة الإرهاب، مشيرة إلى أنه ولسنوات تتم مناقشة تقييم هذا التنظيم لتصنيفه إرهابيا، كما تدور نقاشات ضمن مجموعات العمل في وزارة العدل الفيدرالية كل بضعة أسابيع، ويشترك فيها مسؤولون من وزارتي الداخلية والخارجية.
في المقابل، يعتبر محللون أن "الفصل المزعوم" بين الذراعين دقيق، وبغض النظر عن مكان وكيفية ظهور الحزب، سواء كان الهجوم إرهابيا أو جمع تبرعات بشكل غير مباشر، فإن أيا من أشكال هذا العمل هي "جزء من استراتيجية متكاملة تخدم مصالح الحزب في نهاية المطاف".
ونقلت "تاغس شبيغل" عن خبير أمني رفيع المستوى، لم تسمه، أنه "على الأقل يمكن تفتيش أماكن التابعين للحزب للحصول على أشياء محظورة، كما حصل مع جمعية "أنصار" الدولية في إبريل/ نيسان الماضي، وحيث نفذت مداهمات في تسع ولايات ضدها، وهي جمعية تقدم الدعم المالي مع الدعاية لحركة "حماس"، وإذا ما كان الدليل كافيا يصار إلى الحظر".
وتسمح الحكومة الألمانية بجمع التبرعات إذا كانت موجهة لذراع الحزب السياسي، وللمشاريع الاجتماعية في لبنان، عبر جمعيات ومساجد شيعية، وهي تعرف أن الفصيل التابع لإيران يستخدم البلد الأكثر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، وحيث تعيش جالية كبيرة من اللبنانيين الشيعة المؤيدة له في عدد من الولايات الكبرى، منها برلين وهامبورغ، كما أن هيئة حماية الدستور تعلم كيف ينشط حوالى ألف شخص من المناصرين له في البلاد، غير أنها قامت في 2008 بحجب قناة "المنار"، وجمعية خيرية للأطفال سنة 2014، إضافة إلى منع رفع شعارات الحزب.
وجاء في طلب الحظر الذي تقدمت به كتلة "البديل" في البوندستاغ، أن "حزب الله" يريد إنهاء وجود إسرائيل على الخريطة، وأنه يعمل في مجال الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي والاتجار بالمخدرات وغسل الأموال، وأن التمييز بين الجناح السياسي والعسكري "أمر غريب، فهو تنظيم إسلامي متطرف معاد للسامية، ويجب حظره، والوضع الحالي يعطي الشرعية لذراعه السياسي، ويصبح من السهل عليه الانخراط في تهريب المخدرات في ألمانيا، وغسل الأموال وجمع التبرعات لمنظمات الإغاثة المزعومة"، وحذرت في طلبها من أن "التسامح مع (حزب الله) يجعل بلدنا ملاذا آمنا للإرهاب الدولي".