اتسعت دائرة الجدل والسجال السياسي والإعلامي في الدنمارك بعد تسرب "لائحة موت (اغتيال)" لمطلوبين معارضين لإيران، وخصوصا أنها تضم اسم وصورة معارض جرى بالفعل اغتياله قبل عام.
ومنذ تفجر "مخطط اغتيال" شخصيات أحوازية معارضة في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، واعتقال "عميل إيراني- نرويجي" (39 سنة) خطط لهجوم ضد معارضين أحوازيين، تشهد القضية المزيد مما يطلق عليه "ورطة طهران"، خاصة مع نشر تفاصيل مثيرة في وسائل الإعلام.
وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت صحيفة "يولاندس بوستن" عن تلقيها "لائحة موت"، تحمل أسماء شخصيات إيرانية مستهدفة بالقتل في أوروبا، عبر "مصدر في سفارة طهران".
وأبقت الصحيفة سرا ما احتوته اللائحة حتى مساء أمس الأحد، تحت مسمى "الكراس".
اختارت الصحيفة نشر اللائحة أمس الأحد، ما شكل صدمة وسجالا لم يستثن يمينا ولا يسارا بالدعوة لـ"البحث عن المتورطين في داخل السفارة، وطرد الدبلوماسيين المشتركين في مخطط القتل"، بحسب ما طالب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الدنماركي، ناصر خضر.
ويبدو أن الطريقة التي تسلمت بها الصحيفة "لائحة الموت" تشكل اليوم حرجا كبيرا للدبلوماسية الإيرانية في كوبنهاغن، ما استدعى سجالا و"رسائل قراء" من موظفي السفارة طالبين عدم نشر اللائحة، ورامين المسؤولية على "مقيمين عاديين".
اغتيال في لاهاي يشعل السجال
ويرى خبراء وأكاديميون اسكندنافيون، ومسؤولون أمنيون، أن هذه اللائحة "خطيرة جدا"، ويشيرون إلى أنها "تبدو لائحة رسمية، إذ جرى استهداف واحد على الأقل ممن حملت صورهم وأسماءهم".
وأشارت "يولاندس بوستن"، التي اختارت لأسباب وصفتها بـ"الأمنية" تظليل صور وأسماء الشخصيات "المطلوب تدميرهم"، بحسب اقتباسها الدقيق، إلى أن "لائحة الموت التي وصلتنا رسميا من مصدر في السفارة الإيرانية في كوبنهاغن تحمل صورة مطلوب هو أحمد ملا نيسي، 53 سنة، وجرى اغتياله في أحد شوارع لاهاي بهولندا في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017".
مدير العمليات السابق في جهاز الاستخبارات الدنماركية، فرانك ينسن، عقب على الكشف بالقول: "يجب دق ناقوس الخطر، فاللائحة حملت صورة واسم الرجل الذي جرى بالفعل اغتياله في لاهاي، وبالتالي على جهاز الاستخبارات (الدنماركي) أخذ اللائحة بجدية لما تحتويه من معلومات حول الأشخاص من حركة النضال العربي".
وشدد ينسن على أن "الأمور بدأت تصبح خطيرة جدا، وأخشى أن تنفيذ القتل بناء على اللائحة جار الآن".
ومن جانبه، لم يتردد الرئيس السابق للجهاز، هانس يورغن بونيكسن، في التأكيد على أنه "ما من شك أننا أمام لائحة اغتيال، وأنا متأكد أن جهاز الاستخبارات (بيت) يأخذ الأمر على محمل الجد".
اللائحة، وفقا للصحيفة الدنماركية، تتعلق بمستهدفين عرب من "حركة النضال العربي الأحوازية"، التي تشير وسائل الإعلام الدنماركية إليها باختصار ASMLA.
وركز السجال على مفردة تقول "يجب تدميرهم"، وهي تشير إلى أصحاب الصور، إذ يرى الباحث في شؤون الإرهاب من الأكاديمية الدفاعية في استوكهولم مانوس رانستروب، أنه "يجب أن تؤخذ حرفيا".
ويشرح الخبير ذاته المعروف بخبرته في شؤون الحركات العنفية قائلا: "سبب خطورة المعلومات أنها تأتي على خلفية تاريخ طويل لطهران باستخدام أذرعها لاستهداف معارضين إيرانيين في الخارج، ومن بين المنفذين يكون "حزب الله"، الذي يخطط أيضا بناء على معلومات إيرانية".
ورطة سفارة طهران
وخلال الفترة التالية لاعتقال العميل الإيراني النرويجي، توسع النقاش في معظم صحف ووسائل الإعلام الاسكندنافية (في السويد والدنمارك والنرويج) إلى ما أطلق عليه "نشاطات السفارات الإيرانية لاستهداف المجتمعات الإيرانية اللاجئة والمعارضين"، ليأتي الكشف عن "لائحة الموت" ويدفع بالسجال إلى طريق آخر من الأزمات الدبلوماسية.
وتكشف الصحيفة الدنماركية عن "الطريقة المثيرة لاستلام لائحة الموت من مصدر في السفارة الإيرانية". وتشرح "يولاندس بوستن" أنه بعد أيام قليلة من مطالبة طهران (في 30 سبتمبر/ أيلول) بتسليم كوبنهاغن معارضين إيرانيين بتهمة وقوفهم خلف هجوم الأحواز، "سلمنا مصدر رسمي من السفارة الإيرانية في كوبنهاغن مظروفا، معنونا من السفارة، يحتوي كراسا ولائحة الموت وأسطوانة معدة بالإنكليزية من قناة "برس تي في" الإيرانية".
وتمضي الصحيفة لتذكر أن "المصدر الذي سلمنا، وهو موظف رسمي في السفارة، عاد بعد نحو نصف ساعة للمطالبة باستعادة المظروف بحجة حصول ثغرة أمنية، رفضنا ذلك، وفي اليوم التالي طالبنا المصدر باستعادة المعلومات، بحجة أنها النسخة الوحيدة في أرشيفهم، وظلوا يصرون علينا بعدم نشر المعلومات على الملأ".
وتشير وسائل الإعلام الدنماركية إلى أن "ورطة السفارة الإيرانية بتسريبها للائحة الاغتيالات والمستهدفين تشير إلى أنها لائحة رسمية معدة من السلطات في طهران"، ما أشعل ردود الأفعال السياسية والأمنية المطالبة بـ"دراسة ومراجعة جادة لمن يعملون في السفارة، وضرورة طرد كل الدبلوماسيين الذين يتجسسون ويمارسون مهام خارج المصرح به".
ودفع هذا الكشف إلى عودة تسليط الضوء على نشاط سفارات طهران في اسكندنافيا بعد ورود "معلومات خطيرة" عن "محاولات اختراق سفارة طهران للجاليات الإيرانية، وتهديد اللاجئين ليتوقفوا عن انتقاد النظام"، وهو ما أشار إليه أيضا جهاز الاستخبارات النرويجية.
وكشف السجال حول أنشطة سفارة طهران في كوبنهاغن عما يشبه يقينية على المستويين السياسي والأمني من أن "اللائحة ليست كما تدعي السفارة عن أنها من صنع مقيمين إيرانيين في الدنمارك، بل هي استخباراتية وحقيقية موافق عليها في طهران"، بحسب ما يؤكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية ناصر خضر، الذي طلب من وزير الخارجية، أندرس سمويلسن، "التحرك سريعا لاتخاذ خطوات جدية ضد دبلوماسيي طهران في كوبنهاغن".
ودفعت هذه الأزمة سفارة طهران، مساء أمس الأحد، إلى كتابة "رسالة قراء" إلى صحيفة "يولاندس بوستن" شارحة موقفها من تسرب لائحة الموت، معتبرة إياها "كراسة عادية جدا وشائعة، وقام بعملها أناس عاديون يهدفون الدفاع عن ضحايا الإرهاب بنشر معلومات عن الإرهابيين، وهي معلومات يجري توزيعها في المجتمع الدولي".
وجاء رد السفارة بعد انتقادات لاذعة تعرضت لها إثر قولها إن "مقيمين إيرانيين هم من طبعوا اللائحة"، حيث أشارت ردود مقيمين إيرانيين إلى أن "الإيرانيين في الدنمارك أصلا هم لاجئون سياسيون هاربون من نظام يعارضونه"، بل بدأت الصحف تنشر قصص أبناء معارضين إيرانيين جرى اغتيالهم وإخفاؤهم منذ سنوات، وهو ما فتح أيضا سجالا حول "ما إذا كان لنظام طهران (هم يستخدمون وصف ملالي) عملاء في الجاليات الإيرانية"، وفقا لما يذكر التلفزيون الدنماركي.
ويرى المراقبون والمختصون بالشؤون السياسية والدبلوماسية أن السفارة الإيرانية تجد نفسها اليوم وسط عاصفة تطاول طهران، وخصوصا مع تزايد المطالبة بإجراءات دبلوماسية، وهو ما اضطر السفارة الإيرانية، في بيان صحافي، للتعليق بأنها "ترفض الاتهامات بأن إيران تقوم باستهداف أشخاص في الدنمارك أو حول العالم بلوائح معينة، فذلك تصرف إرهابي نرفضه. وبالنسبة لنا فإن مفردة "يجب تدميرهم" (التي احتوتها لائحة الموت) تعني تدمير شبكتهم حتى لا يستطيعوا القيام بعمليات".
وأثار التفسير الرسمي للسفارة غضبا في صفوف اليسار الدنماركي، إذ اعتبر حزب اللائحة الموحدة أنها "محاولة لتحريف الحقيقة ناجمة عن استخفاف. فحين تملك السفارة لائحة بأسماء وصور إرهابيين مفترضين، ونحصل على معلومات أمنية أن الاستخبارات الإيرانية خططت لاغتيال أشخاص تضمهم اللائحة، وقتل أحدهم بالفعل، فأعتقد أن الأمور تبدو أسوأ مما تظن طهران"، وفقا لما تذكر مقررة الشؤون الخارجية عن الحزب، إيفا فلوهولم.
ولم يتردد يمين الوسط الحاكم في اعتبار التفسير الصادر عن السفارة "مرفوضا تماما، ولا يمكن تصديق أية معلومات منها".
ويرى مراقبون أن تدحرج هذه القضية، مع قضايا أخرى في دول مجاورة وأوروبية، يمكن أن يتحول إلى أزمة كبيرة"، خصوصا مع قول السلطات الإيرانية، الشهر الماضي، في رد على العملية الأمنية التي أدت لاعتقال العميل الإيراني، إنها "ادعاءات غير صحيحة، وعبارة عن مؤامرة ضد إيران"، ليأتي كشف اللائحة ليشير إلى "شيء آخر تماما"، وفقا للخبير ماونوس رانستروب.