جاءت زيارة رئيس الحكومة الفرنسية برنار كازنوف، الأربعاء والخميس، إلى الجزائر والتي التقى خلالها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة عبد المالك سلال، عشية استحقاقين انتخابيين، انتخابات برلمانية في الجزائر تراقب باريس مآلاتها في سياق استشراف رئاسيات الجزائر عام 2019، وانتخابات رئاسية في فرنسا تؤثر فيها الجزائر بثقل ديمغرافي هام.
وكان كازنوف أكثر حرصاً خلال لقائه بوتفليقة على تفادي الخطأ الذي ارتكبه سلفه مانويل فالس في إبريل/ نيسان 2016، عندما نشر صورة مقربة للقائه مع بوتفليقة تظهر الأخير شارد الذهن بسبب وضعه الصحي الصعب، ما أثار جدلاً سياسياً وإعلامياً كبيراً استدعى من فالس تقديم اعتذار وتوضيح. فكازنوف، وهو ثالث رئيس حكومة فرنسية يزور الجزائر منذ عام 2012، نزل إلى الجزائر في ظرف سياسي حساس بالنسبة للبلدين، بالنسبة لفرنسا المُقدِمة على انتخابات رئاسية تؤدي فيها الجالية الجزائرية المقدّرة في فرنسا بما يقارب ستة ملايين شخص دوراً بارزاً في حسمها، وفي مناخ الانتخابات البرلمانية الممهدة للانتخابات الرئاسية في الجزائر عام 2019.
وأكد كازنوف، في تصريح صحافي عقب وصوله إلى الجزائر، أن بين الجزائر وفرنسا التزاماً سياسياً لإنجاز تعاون استثنائي في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف والهجرة غير الشرعية، مشيراً إلى أن هذه الملفات والعلاقات السياسية والتعاون الاقتصادي وعدداً من القضايا الدولية، خصوصاً الوضع في مالي وليبيا، هي محل المباحثات مع المسؤولين الجزائريين. وشدد على أن الحل السياسي السلمي هو الخيار الوحيد المتاح لحل الأزمة الليبية.
وكان كازنوف قال في تصريحات قبيل وصوله إلى الجزائر، إن باريس حريصة على تشييد شراكة قوية ومستدامة مع الجزائر، مبنية على الاحترام المتبادل وتطوير الشراكة الاقتصادية وتشجيع الشركات الفرنسية على الاستثمار في الجزائر، على غرار شركة رونو التي أقامت لها مصنعاً لتركيب السيارات غربي الجزائر. وذكر كازنوف في حوار نشرته صحيفة "الخبر" الجزائرية أن فرنسا تعد أول شريك اقتصادي للجزائر، بالنظر إلى نوعية الاستثمارات الفرنسية في هذا البلد، التي بلغت 1.8 مليار يورو سنة 2015. وأوضح رئيس الحكومة الفرنسية أن القنصليات الفرنسية العامة الثلاث في الجزائر، استقبلت ما يقارب 600 ألف ملف طلب تأشيرة، ومنحت حوالي 410 آلاف تأشيرة للجزائريين مقارنة مع 330 ألفاً سنة 2014.
وإذا كان كازنوف قد حاول استباق وصوله بتصريحات صحافية أضفى خلالها البُعد الاقتصادي والأمني والإنساني على زيارته، فإن ملفات التاريخ والذاكرة وآثار الاستعمار الفرنسي ما زالت تطغى، على الرغم من أكثر من خمسين سنة من الاستقلال، على العلاقات بين البلدين. إذ لم تتمكن الجزائر وفرنسا من التخلص من عقدة التاريخ على الرغم من التصريحات الشجاعة وبعض الجرأة التي حاول مسؤولون فرنسيون التحلي بها من خلال الإقرار بالظلم الذي تعرض له الشعب الجزائري بسبب الاستعمار الفرنسي. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد اعترف أمام البرلمان الجزائري خلال زيارته إلى الجزائر سنة 2012 بالمعاناة التي عاشها الشعب الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي، وقام كاتب الدولة المكلف بالمحاربين القدامى والذاكرة، جون مارك تودتشيني، بتجسيد ذلك الاعتراف حينما زار في إبريل/ نيسان 2015، مدينة سطيف التي شهدت أبشع الجرائم الاستعمارية في الثامن من مايو/ أيار 1945، للترحم على روح أول ضحية في هذه المجازر سعال بوزيد. لكن هذه الاعترافات السياسية لم تنه المطالبات الجزائرية للجانب الفرنسي بإقرار كامل ورسمي بجرائم الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين وتقديم اعتذار رسمي عن هذه الجرائم باسم الدولة الفرنسية وتقديم تعويض للضحايا، خصوصاً ضحايا التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا في منطقة رقان وضحايا الألغام التي زرعتها فرنسا على طول الحدود الغربية والشرقية للجزائر منتصف الخمسينيات.
اقــرأ أيضاً
وإضافة إلى ملف الذاكرة، تطغى الحسابات السياسية عادة على زيارات المسؤولين الفرنسيين إلى الجزائر، خصوصاً في ظروف سياسية معينة. ويربط بعض المحللين بين زيارة كازنوف وسياق سياسي في الجزائر تميزه الانتخابات البرلمانية المقررة في مايو/ أيار المقبل. ويعتبر المحلل السياسي رضوان بن عطاء الله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن الفصل بين زيارة رئيس الحكومة الفرنسية والتطورات السياسية في الجزائر"، لافتاً إلى أنه "كلما اقترب موعد انتخابي ذو أهمية بالغة على المشهد السياسي الجزائري أو حتى الفرنسي، خصوصاً موعدي انتخابات الرئاسة والبرلمان، نشهد هرولة شخصيات فرنسية ذات مستوى رفيع لزيارة الجزائر، بهدف تأمين المستقبل السياسي والمصالح الاقتصادية والتجارية الفرنسية في الجزائر، خصوصاً أنه منذ وصول بوتفليقة للحكم، لم تعد فرنسا اللاعب الوحيد الدولي في الملعب الجزائري، فقد تعددت أقطاب المصالح والوجهات الاقتصادية الشريكة للجزائر".
ويشير إلى أن "العلاقات بين الطرفين الفرنسي والجزائري شهدت طفرة نوعية في السنوات الخمس الماضية، لكن فرنسا لديها بعض التخوف من حدوث طارئ سياسي ما"، في إشارة إلى مرحلة ما بعد بوتفليقة وإمكانية حدوث تغيير سياسي في هرم السلطة تحت أي ظرف كان.
ويُقدّر خبراء أن باريس باتت متخوفة من نمو العلاقات الاقتصادية للجزائر مع الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا والصين، خصوصاً في مجالات كانت تحت السيطرة الفرنسية الكاملة، كصناعة السيارات والزراعة والطاقات المتجددة والبنى التحتية. وتظهر بيانات مركز الإحصائيات التابع للجمارك الجزائرية أن واردات الجزائر من فرنسا تراجعت من 22.8 في المائة إلى 15.7 في المائة، فيما نمت المبادلات مع الولايات المتحدة إلى 17 في المائة، وفقدت فرنسا مرتبتها كأول مموّل للجزائر لصالح الصين، بـ625 مليون دولار لفرنسا مقابل 681 مليون دولار للصين.
ويرى الأستاذ الجامعي سليمان ناصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الزيارة اقتصادية نظراً للذعر المتزايد الذي يصيب الفرنسيين كلما نمت علاقات الجزائر الاقتصادية مع أطراف أخرى سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن "هناك خلفية سياسية لزيارة كازنوف تتعلق باستشراف المشهد السياسي للجزائر في أفق السنوات القليلة المقبلة، وبمناسبة اقتراب الانتخابات التشريعية واستيضاح المشهد". ويلفت إلى أنه "على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية لم يحن أوانها بعد في الجزائر، إلا أن فرنسا مهتمة بالانتخابات الرئاسية لعام 2019، وعادة ما كانت فرنسا تحاول التأثير في هكذا نوع من الاستحقاقات"، إذ ترغب فرنسا في استيضاح المشهد والاطمئنان على مصالحها في مرحلة ما بعد غياب بوتفليقة.
اقــرأ أيضاً
وكان كازنوف أكثر حرصاً خلال لقائه بوتفليقة على تفادي الخطأ الذي ارتكبه سلفه مانويل فالس في إبريل/ نيسان 2016، عندما نشر صورة مقربة للقائه مع بوتفليقة تظهر الأخير شارد الذهن بسبب وضعه الصحي الصعب، ما أثار جدلاً سياسياً وإعلامياً كبيراً استدعى من فالس تقديم اعتذار وتوضيح. فكازنوف، وهو ثالث رئيس حكومة فرنسية يزور الجزائر منذ عام 2012، نزل إلى الجزائر في ظرف سياسي حساس بالنسبة للبلدين، بالنسبة لفرنسا المُقدِمة على انتخابات رئاسية تؤدي فيها الجالية الجزائرية المقدّرة في فرنسا بما يقارب ستة ملايين شخص دوراً بارزاً في حسمها، وفي مناخ الانتخابات البرلمانية الممهدة للانتخابات الرئاسية في الجزائر عام 2019.
وكان كازنوف قال في تصريحات قبيل وصوله إلى الجزائر، إن باريس حريصة على تشييد شراكة قوية ومستدامة مع الجزائر، مبنية على الاحترام المتبادل وتطوير الشراكة الاقتصادية وتشجيع الشركات الفرنسية على الاستثمار في الجزائر، على غرار شركة رونو التي أقامت لها مصنعاً لتركيب السيارات غربي الجزائر. وذكر كازنوف في حوار نشرته صحيفة "الخبر" الجزائرية أن فرنسا تعد أول شريك اقتصادي للجزائر، بالنظر إلى نوعية الاستثمارات الفرنسية في هذا البلد، التي بلغت 1.8 مليار يورو سنة 2015. وأوضح رئيس الحكومة الفرنسية أن القنصليات الفرنسية العامة الثلاث في الجزائر، استقبلت ما يقارب 600 ألف ملف طلب تأشيرة، ومنحت حوالي 410 آلاف تأشيرة للجزائريين مقارنة مع 330 ألفاً سنة 2014.
وإذا كان كازنوف قد حاول استباق وصوله بتصريحات صحافية أضفى خلالها البُعد الاقتصادي والأمني والإنساني على زيارته، فإن ملفات التاريخ والذاكرة وآثار الاستعمار الفرنسي ما زالت تطغى، على الرغم من أكثر من خمسين سنة من الاستقلال، على العلاقات بين البلدين. إذ لم تتمكن الجزائر وفرنسا من التخلص من عقدة التاريخ على الرغم من التصريحات الشجاعة وبعض الجرأة التي حاول مسؤولون فرنسيون التحلي بها من خلال الإقرار بالظلم الذي تعرض له الشعب الجزائري بسبب الاستعمار الفرنسي. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد اعترف أمام البرلمان الجزائري خلال زيارته إلى الجزائر سنة 2012 بالمعاناة التي عاشها الشعب الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي، وقام كاتب الدولة المكلف بالمحاربين القدامى والذاكرة، جون مارك تودتشيني، بتجسيد ذلك الاعتراف حينما زار في إبريل/ نيسان 2015، مدينة سطيف التي شهدت أبشع الجرائم الاستعمارية في الثامن من مايو/ أيار 1945، للترحم على روح أول ضحية في هذه المجازر سعال بوزيد. لكن هذه الاعترافات السياسية لم تنه المطالبات الجزائرية للجانب الفرنسي بإقرار كامل ورسمي بجرائم الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين وتقديم اعتذار رسمي عن هذه الجرائم باسم الدولة الفرنسية وتقديم تعويض للضحايا، خصوصاً ضحايا التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا في منطقة رقان وضحايا الألغام التي زرعتها فرنسا على طول الحدود الغربية والشرقية للجزائر منتصف الخمسينيات.
وإضافة إلى ملف الذاكرة، تطغى الحسابات السياسية عادة على زيارات المسؤولين الفرنسيين إلى الجزائر، خصوصاً في ظروف سياسية معينة. ويربط بعض المحللين بين زيارة كازنوف وسياق سياسي في الجزائر تميزه الانتخابات البرلمانية المقررة في مايو/ أيار المقبل. ويعتبر المحلل السياسي رضوان بن عطاء الله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن الفصل بين زيارة رئيس الحكومة الفرنسية والتطورات السياسية في الجزائر"، لافتاً إلى أنه "كلما اقترب موعد انتخابي ذو أهمية بالغة على المشهد السياسي الجزائري أو حتى الفرنسي، خصوصاً موعدي انتخابات الرئاسة والبرلمان، نشهد هرولة شخصيات فرنسية ذات مستوى رفيع لزيارة الجزائر، بهدف تأمين المستقبل السياسي والمصالح الاقتصادية والتجارية الفرنسية في الجزائر، خصوصاً أنه منذ وصول بوتفليقة للحكم، لم تعد فرنسا اللاعب الوحيد الدولي في الملعب الجزائري، فقد تعددت أقطاب المصالح والوجهات الاقتصادية الشريكة للجزائر".
ويشير إلى أن "العلاقات بين الطرفين الفرنسي والجزائري شهدت طفرة نوعية في السنوات الخمس الماضية، لكن فرنسا لديها بعض التخوف من حدوث طارئ سياسي ما"، في إشارة إلى مرحلة ما بعد بوتفليقة وإمكانية حدوث تغيير سياسي في هرم السلطة تحت أي ظرف كان.
ويرى الأستاذ الجامعي سليمان ناصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الزيارة اقتصادية نظراً للذعر المتزايد الذي يصيب الفرنسيين كلما نمت علاقات الجزائر الاقتصادية مع أطراف أخرى سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن "هناك خلفية سياسية لزيارة كازنوف تتعلق باستشراف المشهد السياسي للجزائر في أفق السنوات القليلة المقبلة، وبمناسبة اقتراب الانتخابات التشريعية واستيضاح المشهد". ويلفت إلى أنه "على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية لم يحن أوانها بعد في الجزائر، إلا أن فرنسا مهتمة بالانتخابات الرئاسية لعام 2019، وعادة ما كانت فرنسا تحاول التأثير في هكذا نوع من الاستحقاقات"، إذ ترغب فرنسا في استيضاح المشهد والاطمئنان على مصالحها في مرحلة ما بعد غياب بوتفليقة.