لوّحت إيران من جديد بإمكانية اتخاذها إجراءات في مضيق هرمز، في إطار ردودها على العقوبات الأميركية الناجمة عن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى 2015، بينما هدّد المرشد الإيراني علي خامنئي بالانسحاب من الاتفاق، مشككاً بأهمية دور الاتحاد الأوروبي.
وقال مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى، إنّه إذا لم تلتزم القوات الأجنبية في الخليج بالقوانين الدولية، فستواجه رداً صارماً من الحرس الثوري، وذلك مع تصاعد حدة التوتر بين طهران وواشنطن، بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران.
ونقلت الوكالة الإيرانية للأنباء، اليوم الأربعاء، عن رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري قوله: "بفضل أسطول الحرس الثوري تشعر الدول المعادية بالقلق قبل عبور مضيق هرمز". وأضاف "التزمت بالقوانين الدولية العام الماضي، لكنها إذا خالفت القوانين فستواجه إجراءاتنا للسيطرة".
وأضاف باقري أن القوات المسلحة ترصد عن كثب كل تحركات أعدائها، وأن الدول المعادية لإيران تضطرب وتخاف حتى قبل دخولها إلى منطقة مضيق هرمز، معتبراً أن "القوات الأجنبية في المياه الخليجية أطراف غريبة غير مرغوب فيها، بينما تعد المنطقة ذاتها وطناً ومنزلاً لإيران"، حسب تعبيره.
وذكر المسؤول الإيراني أنه "على الأعداء أن يعلموا أن تلك المنطقة ليست مكاناً لحربهم ونزاعاتهم، وحتى الخبراء في أميركا يحذرونها من تبعات اتخاذ خطوة الحرب، لأنها غير قادرة على مواجهة إيران".
وكان مسؤولون إيرانيون قد هدّدوا، في السابق، بإغلاق مضيق هرمز؛ الممرّ المائي الرئيسي لتجارة النفط، ردّاً على أي أعمال "عدائية" أميركية.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 8 مايو/ أيار الماضي، الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والدول الكبرى، باعتبار أنّه يتضمن "عيوباً"، وأعلن بعد ذلك خططاً من جانب واحد لإعادة فرض العقوبات على إيران.
ودخلت الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ، في مطلع أغسطس/ آب الحالي، على أن تليها دفعة ثانية، في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تطاول قطاع النفط والغاز الذي يلعب دوراً أساسياً في الاقتصاد الإيراني.
المرشد يحذّر الداخل
وتزامناً اليوم الأربعاء، هدّد المرشد الإيراني علي خامنئي بأنّ إيران قد تتخلّى عن اتفاقها النووي مع القوى العالمية بعد الانسحاب الأميركي منه "إذا لم يخدم مصالحها"، مثيراً بذلك شكوكاً حول المفاوضات مع دول أوروبية لإنقاذ الاتفاق.
وشدد خامنئي على أنّ "الاتفاق النووي وسيلة وليس غاية، وإذا خلصنا إلى نتيجة أنّه لا يخدم مصالحنا الوطنية، فبإمكاننا التخلّي عنه".
وأضاف أنّ على طهران أن "تفقد الأمل" في أن تنقذ أوروبا الاتفاق.
وقال خامنئي، خلال اجتماع مع الرئيس حسن روحاني، ومجلس الوزراء، إنّ طهران لن تتفاوض مع المسؤولين الأميركيين "الوقحين" على أي مستوى للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، واعتبر أن واشنطن تناور لتجرّ طهران لطاولة الحوار.
وأضاف المرشد الإيراني أن "نتيجة المفاوضات مع الإدارة الأميركية السابقة، التي كانت ظاهرياً مختلفة، وصلت إلى الوضع الراهن، فأي مفاوضات ستدور اليوم مع مسؤولين وقحين يرفعون السيف بوجه إيران؟".
ورأى أن أعداء بلاده "يحاولون استغلال الفراغ الاقتصادي وضعف بنيته، وهو ما يتطلب عملاً مكثفاً وبناء اقتصاد مقاوم ومكافحة الفساد"، داعياً الحكومة إلى "التخلي عن أملها بأوروبا والمتعلق بالاقتصاد والاتفاق النووي"، من دون أن يرفض الحوار مع الأطراف الأوروبية بالمطلق، مقابل دعوته لـ"زيادة الحوار مع الجيران".
وأوضح أيضاً أن "الاتفاق وسيلة وأداة لتحقيق مصالح البلاد، لكنه ليس هدفاً"، معتبراً أنه "على الأطراف الأوروبية أن تعرف من خلال تصريحات وسياسات مسؤولي إيران أن كل خطوة من قبلهم ستواجه بردّ فعل إيراني مناسب".
وفي ما يخصّ جلسة توجيه الأسئلة إلى الرئيس حسن روحاني من قبل نواب البرلمان، التي انتهت بتصويتهم على عدم اقتناعهم بأغلبية إجاباته، وعقدت أمس الثلاثاء، اعتبر المرشد أن "تلك الجلسة تدل على قوة إيران"، داعياً مسؤولي الداخل لـ"التقارب، كون المرحلة الراهنة حساسة وتتطلب مساندة الكل بعضهم لبعض، ومساعدة الجميع للحكومة"، حسب تعبيره.
كذلك وصف الاختلاف بين المسؤولين بـ"الطبيعي"، إلا أنه رأى أن "نشر ذاك إعلامياً يزيد قلق الشارع"، وقال إن "أعداء إيران سعوا لأهداف ثانية يحاولون تحقيقها من جلسة روحاني البرلمانية ذاتها".
وعلى الرغم من انسحابه من الاتفاق النووي، عاد ترامب وأبدى استعداده للقاء روحاني، من دون شروط مسبقة، لبحث كيفية تحسين العلاقات، بينما صدرت في طهران ردود مشككة في نوايا ترامب وفريقه، بعد خطوة الانسحاب.
واتخذ الاتحاد الأوروبي الذي يتبنّى موقفاً معارضاً للموقف الأميركي حيال إيران، تدابير للسماح لها بالاستفادة من الفوائد الاقتصادية لرفع العقوبات.
وانتقدت الولايات المتحدة، يوم الجمعة الماضي، خطة أقرّها الاتحاد الأوروبي لدعم الاقتصاد في إيران، معتبرة أنّها ترسل "رسالة خاطئة" إلى النظام الإيراني.
وأعلنت المفوضية الأوروبية إقرار سلسلة من التدابير لمساعدة إيران، خصوصاً القطاع الخاص فيها. وقالت المفوضية، في بيان، إنّها "أقرّت سلسلة أولى من المشاريع بقيمة 18 مليون يورو من بينها ثمانية ملايين يورو لصالح القطاع الخاص، من أجل دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في إيران".
وفي 14 يوليو/ تموز 2015، أبرمت إيران ومجموعة "5+1" (الصين وروسيا وأميركا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا)، الاتفاق النووي، الذي يُلزم طهران بتقليص قدرات برنامجها النووي، مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها.
مبرر الشكوى في لاهاي
في سياق ثانٍ، يتعلّق بنقل الصراع الإيراني الأميركي إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي بدأت الإثنين بالنظر في شكوى قدمتها طهران إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو/ أيار الماضي، وإعادة فرض العقوبات، قال مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن بلاده اشتكت لمحكمة العدل الدولية لـ"تثبت حقوقها للجميع".
وفي حوار إذاعي، أضاف عراقجي أن "إيران لم تدخل في هذه الخطوة وفق منطق الشكوى والحصول قطعاً على إدانة واضحة لأميركا، لكنها تريد إثبات التزامها بتعهداتها للمجتمع الدولي".
ورأى أن "هذه العملية ستؤدي لضغط سياسي ونفسي على واشنطن، التي لا يمكن إجبار طرف مثلها على تطبيق الأحكام"، وتوقع أن تأخذ المحاكمة وقتا، مشيرا إلى مسألة أن تطبيق حكمها قد لا يكون ملزما.
وأضاف أن "الولايات المتحدة شرعت بهجمة جديدة على إيران التي ستقاوم في المقابل، وستعبر مرحلة الضغوطات"، وذكر أن بلاده تتخذ سياساتها بناء على التغييرات التي تطرأ على الظروف التي تواجهها.
ونقل مساعد وزير الخارجية أن "كل هذه الضغوطات سببها قوة وقدرة إيران"، مشيراً إلى أن "الطاقم الدبلوماسي ملتزم بتوصيات المرشد ويعزز علاقاته مع الشرق والغرب في آنٍ واحد، فالتعامل الأميركي يقتضي تعزيز العلاقات مع الآخرين لإحباط مساعيها".